الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 07 أغسطس 2025 - 13 صفر 1447هـ

نصائح بعد الانتخابات (لا تحزن - لا تشمت - لا تتعجل - لا تتوقف) (2010 = 2025)

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فبعد انتهاء الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب 2010 والتي لم يفز فيها للإخوان أي مرشح، بينما دخل عدد منهم الإعادة، ثم قرَّروا الانسحاب من الجولة الثانية، كتبتُ مقالًا بعنوان: (نصائح بعد الانتخابات: "لا تحزن - لا تشمت - لا تتعجل - لا تتوقف").

وهذا رابطه على موقع صوت السلف.

- خاطبتُ الإخوان بـ"لا تحزن"، وخاطبت بعض من شمت فيهم ممن يخالفونهم في العمل السياسي ومنهم السلفيين بـ"لا تشمت"، وخاطبت فريقًا من السلفيين كان يطالب بدخول المعترك السياسي حينها بـ"لا تتعجل".

وسوف أبيِّن أننا لما دخلنا في العمل السياسي لم يكن عن عجلة، وإنما كان موقفًا أجمعت عليه كل التيارات الإسلامية، حينما قرَّرنا ذلك في استفتاء 19 مارس 2011، وخاطبتُ جميع من يعمل لنصرة دين الله بـ "لا تتوقف".

- وكان هذا المقال من آخر ما كتب في رؤيتنا للانتخابات قبيل دخولنا في العمل السياسي في 2011، وقد قلتُ فيه نصًّا: (ومسألة دخول البرلمانات من المسائل التي تثير جدلًا بين "السلفيين" و"الإخوان"، وهو جدل يتكرر مع كل موسم انتخابات، وقد بيَّنت الدعوة موقفها من الانتخابات، والذي نلخصه في النقاط التالية: إذا سُمِح للإسلاميين بالمشاركة دون الإقرار بباطل: كالإقرار بالديمقراطية، والعالمانية، والحريات المطلقة، وغيرها.. فالمسألة مبناها على المصالح والمفاسد، وإن لم يُسمح لهم إلا بهذه التنازلات -كما هو الحال في الانتخابات المصرية، ومعظم الانتخابات في العالم الإسلامي-؛ فلا تجوز حينئذٍ المشاركة. وتفصيل هذا الكلام تجده في كثير من المواد المتاحة على الإنترنت...).

وهذا مما نحتاج إلى مراجعته كثيرًا؛ للتأكيد أن الذي حدث في 2011 لم يكن سوى تطبيق لما قلناه قبلها، مع إعادة التطبيق على الواقع الجديد، ولم يكن ذلك الواقع الجديد هو خلو الانتخابات من المخالفات؛ فقد سبق أن حدثت انتخابات تنافسية في 2005 ولم ندخل فيها، ولكن كان الواقع بعد 2011 وجود خطر في تعديل الدستور، وحذف المادة الثانية أو إضعافها، وهو أمر جلل، من فرط خطورته اتفقت رؤية كل الإسلاميين على خوض استفتاء 19 مارس 2011، بل وعلى ضرورة المشاركة السياسية.

ومن ثمّ أصبح الذي يتساءل بعد 2013: (لماذا غيرتم موقفكم من العمل السياسي؟) هو الذي ينتقل من خانة القبول بالعمل السياسي إلى رفضه، بينما رأينا نحن الاستمرار فيه؛ لأننا نرى حالة سيولة يمكن أن ينقض الليبراليون فيها في أي لحظة ويفرضون دستورًا ليبراليًّا.

على أننا لما شاركنا لم نستسلم لما يدعيه الإخوان أنه "لا سياسة بلا مداهنة!"، بل جهرنا بالحق في قضايا ما زال الكثيرون يسجلونها علينا، ونحن ما زلنا على إجاباتنا فيها.

ويجب هنا أن نفرِّق بين مداهنة ستقدمها من أجل عمل سياسي، وبين موازنة بين المصالح والمفاسد ستجريها؛ سواء كنت تعمل عملًا سياسيًّا أم لا.

وهذه الموازنة لا بد أن تكون منضبطة بضوابط الشريعة، ولكنها لا يصلح أن تنسب كمفسدة للعمل السياسي طالما أنها ليست لازمة له.

- ومما ينبغي أن يُنتبه إليه أننا كنا حتى 2013 نميل إلى ما ذكره الشيخ القرضاوي -رحمه الله وعفا عنه وغيره كثير-، من تحميل "سيد قطب" وحده مسئولية "العنف والتكفير" -وأنهما كانا دخيلين على الجماعة-، وأن الجماعة منذ السبعينيات طهَّرت صفوفها من أفكار تنظيم 65، حتى جاءت سنة 2013 ورأينا أن الأغلبية الساحقة من رؤوس الجماعة يتبنون ذات خطاب سيد قطب، ويطبقون ذات خطة الردع كما برر بذلك أشرف عبد الغفار تدميرهم لأبراج الكهرباء على شبكة تلفزيون العربي.

وبالتالي فالخطاب في مقال 2010 نابع من هذا التصور الذي كان عندنا عن الإخوان ساعتها، وقد خاطبتهم حينها بهذه الفقرة: (أخي الإخواني: نعم نختلف معكم في مشروعية الدخول في حلبة الحل البرلماني، والتورط في المعترك السياسي؛ لا لأننا نفصل بين الدين والسياسة، ولكن "لأننا نرى إخضاع السياسة للدين لا العكس"؛ فإن أبى علينا السياسيون إلا أن نُخضِع ديننا لسياستهم اعتزلناهم هم وسياستهم، واستمررنا في الدعوة إلى الله حتى يقضي الله ما يشاء، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ومع هذا فأنت يا مَن ظننت أن هذا واجب الوقت وطاعته، فبذلت في سبيله؛ فإننا نسأل الله أن يثيبك على قدر عملك ونيتك.

ونقول لك : ليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فأصابه.

وإذا بذلت ما في وسعك.. فلا تحزن ولا تيأس؛ فإن الله يحاسبنا على أعمالنا لا على أعمال غيرنا، يحاسبنا على دعوتنا قمنا بحقها أم لا؟ ولا يحاسبنا على الناس استجابوا لدعوتنا أم لا؟

بالطبع ليست هذه دعوة بالثبات على مبدأ الانتخابات، بل هذه دعوة للثبات على مبدأ الدعوة والعمل لدين الله).

وقد نصحتهم في ذلك المقال بإجراء مراجعة وتقييم لجدوى المشاركة، وهو أمر لازم لكلِّ مَن يقوم بعمل يرجو منه أهدافًا؛ أن يراجع ما يتحقق له من أهداف ذلك العمل.

ونحن وغيرنا مخاطبون بهذا؛ بيد أنه طالما أنك متمسك بالثوابت؛ فالمشاركة لا شك تحقق قدرًا من المصالح أيًّا ما كانت النتائج، وإن احتاج الأمر إلى دراسة هل تتزاحم هذه المصالح مع غيرها؟ أم أن الجمع ممكن؟

وقد خاطبت السلفيين حينها (وقصدت في المقام الأول أبناء الدعوة السلفية) بعدم الشماتة، وسأبقي هذه الفقرة كما هي خطابًا للسلفيين، وأعني بهم هنا مَن بدرت منهم بادرة شماتة!

ولن أوجِّه الكلام لمن يشمت حتى في العامة، ومَن يشمت إذا حدث زلزال في بلده، ومن قال: لا تذبحوا الأضاحي؛ فالناس لا يستحقون! ومن قال: عطِّل سيارتك فوق الجسور!

ولا أعني أن هؤلاء ليسوا محلًا للنصيحة -فوالله إننا نحب لهم أن يتوبوا-، ولكن قضيتهم أعمق من مجرد الشماتة فينا في نتائج انتخاباتٍ لم نشمت فيهم لما حصلت معهم.

عمومًا فهذه الفقرة سأبقيها هنا كما كانت: (أخي السلفي: إخوانكم مكلومون فلا داعي للنعرات الجاهلية وإعانة الشيطان على إخوة الإسلام، وكما ذكرنا "ليس من طلب الباطل فأصابه كمن طلب الحق فأخطأه". وأنتم إذا انتسبتم إلى السلف؛ فليكن انتسابكم قولًا وعملًا وسلوكًا، وسلوك السلف ليس فيه الشماتة في مسلم؛ لا سيما إن كان قد اجتهد في نصرة الدِّين، حتى وإن رأيت أن اجتهاده كان خطأ.. لا داعي للعبارات العنترية في المنتديات، ولا داعي للخصومات في الحوارات الشخصية.

قدِّر أن هذا الذي تحدثه بذل وقتًا ومالًا وجهدًا وعَرَقًا، كان يظنه لنصرة الدين؛ فاسـأل الله أن يتقبل منه بذله -وإن كنتَ لا تراه في الاتجاه الصحيح-، وأن يغفر له خطأه ويهديه سواء السبيل).

ثم كانت تلك الفقرة الختامية -وسأبقيها أيضًا كما هي، فهي بيت القصيد-:

(ولجميع العاملين في الدعوة إلى الله...

لا تتوقفوا عن الدعوة إلا عندما تتوقف قلوبكم عن النبض...

ومتى عجزتم عن وسيلة.. ابحثوا عن غيرها؛ حتى تلقوا الله مقبلين غير مدبرين).

نسأل الله أن يمسكنا بدينه حتى نلقاه عليه، وأن يستعملنا في الدعوة إليه، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا.