كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد شهدت العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية وإيران فترات متقلبة من الاتصال والقطيعة رغم ما يعرف عن الدبلوماسية المغربية من الهدوء والاستقرار.
فطوال فترة الستينيات من القرن العشرين شهدت العلاقات الإيرانية المغربية توافقًا سياسيًّا بين شاه إيران محمد رضا بهلوي وملك المغرب الراحل الحسن الثاني؛ حيث حرصت إيران وقتها على تعزيز علاقاتها مع المغرب لمواجهة المد القومي العربي ومواجهة النفوذ السوفيتي في المنطقة؛ خاصة وأن إيران كانت مشاركة في حلف بغداد ولها علاقات مع الغرب. ومع هزيمة الدول العربية في حرب يونيو 1967 وتراجع التيار القومي العربي بعد وفاة عبد الناصر وتراجع دور مصر الإقليمي عمدت إيران إلى إقامة وتقوية علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية التي تشاركها نفس الرؤى وتوافقها في المصالح.
ثم أعقب قيام ثورة الخميني في إيران عام 1979 حالة من التوتر؛ أدَّت إلى خفض العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال، ومع توجه شاه إيران المخلوع إلى الرباط قادمًا من مصر أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع المغرب.
وزاد الأمر قطيعة: تأييد الجمهورية الإيرانية لحركة (البوليساريو) ودعمها لطرح الانفصاليين في قضية الصحراء المغربية (مما عدته المغرب موقفًا مناهضًا لوحدة الأرض المغربية)، في الوقت الذي ساندت فيه المغرب العراق في حربها مع إيران، إلى جانب تطور العلاقات التجارية بين العراق والمغرب؛ إذ إن المغرب كانت تحصل على الجزء الأكبر من احتياجاتها البترولية من العراق، فتميزت تلك الفترة بالقطيعة والتوتر بسبب الاختلاف في رؤية القضايا الإقليمية وتضارب المصالح المشتركة.
أعقب ذلك في عام 1991 مرحلة جديدة من الانفراج وتطبيع العلاقات بين البلدين حيث انتهت الحرب الإيرانية العراقية، وتولى التيار الإصلاحي الحكم في إيران عقب وفاة الخميني، وانهار الاتحاد السوفيتي وسقط المعسكر الشرقي، وانتهت بالتالي الحرب الباردة؛ مما دفع إيران إلى إعادة ترتيب أولوياتها من جديد، كما شهدت العلاقات بين إيران والمغرب انفراجًا سياسيًّا عقب تجميد إيران لعلاقتها بحركة (البوليساريو) من خلال استجابة إيران لقرارات الأمم المتحدة بخصوص تلك القضية؛ مما أدى إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين إيران والجزائر حيث تؤيد الجزائر حركة (البوليساريو) الانفصالية.
وقد قطعت العلاقات بالفعل بين إيران والجزائر في عام 1993 عقب اتهام السلطات الجزائرية طهران بالتدخل في شؤونها الداخلية عقب اندلاع المواجهات المسلحة في الجزائر بين الدولة والحركات الإسلامية المسلحة؛ هذا بعد أن كانت الجزائر الحليف المفضل لإيران في المنطقة لتقارب القيم الثورية بين البلدين خاصة في ظل الجفاء المستمر في العلاقات بين ليبيا وإيران بعد واقعة اختفاء الإمام الصدر في ليبيا عام 1977، وإصرار إيران على حل غموض هذه القضية قبل إقامة أي تطبيع في العلاقات مع ليبيا. وقابل ذلك فيما بعد إقرار المغرب بحق إيران في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وقد شهدت فترة التسعينيات وما بعدها: استخدام إيران لكل أدواتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية لتوثيق العلاقات مع المغرب، وتنفيذ مشروعها السياسي في تصدير الثورة الإيرانية ومد النفوذ الشيعي إلى منطقة المغرب العربي، حيث تم تبادل الزيارات الدبلوماسية بين إيران والمغرب، وتم التوقيع على اتفاقيات اقتصادية وتجارية، إلى جانب تشجيع الاستثمارات البينية والتعاون في مجال الصناعة والنقل الجوي وإنعاش حركة الصادرات، خاصة وأن المغرب تُعَدُّ بوابة إلى أوروبا وغرب إفريقيا.
وقد تزايدت المبادلات التجارية بين البلدين حتى بلغت 8 ملايين درهم في عام 2006 سجل فيها الميزان التجاري عجزًا لصالح إيران نتيجة ارتفاع تصدير إيران للبترول إلى المغرب هذا إلى جانب التبادل الثقافي والفني بين البلدين.
ثم أعقب ذلك مرحلة جديدة من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين في عهد الملك محمد السادس الذي تولى الحكم بعد وفاة أبيه الحسن الثاني، حيث أعطى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي تولى الحكم في إيران عام 2005 دفعة قوية لعلاقات إيران مع الجزائر، بلغت إلى وجود تعاون عسكري وتبادل الزيارات بين رؤساء أركان حرب البلدين بما رأته المغرب يمس مصالحها القومية خاصة تجاه قضية الصحراء المغربية، نظرًا لتغير موقف إيران من قضية الصحراء، هذا في الوقت الذي رصدت فيه الحكومة المغربية نشاطات للبعثة الدبلوماسية الإيرانية في الرباط لتصدير الثورة الإيرانية في الرباط ونشر المذهب الشيعي مما تمخض عنه قيام إيران بمحاولات استغلال الانفتاح الديمقراطي في المغرب في تأسيس جمعيات شيعية بتسميات مختلفة مما رأته المغرب أنه يهدد الوحدة المذهبية للدولة، هذا إلى جانب تضامن المغرب مع دولة البحرين في ظل التحرشات الإيرانية ضد البحرين. وقد بلغ تأزم الأمر إلى درجة إعلان المغرب قطع علاقاتها بإيران عام 2009.
التواجد الشيعي في المغرب:
ترجع بدايات التواجد الشيعي في المغرب العربي إلى الدولة العبيدية الفاطمية صاحبة المذهب الشيعي الإسماعيلي التي أقامت دولة امتدت في فترة من الفترات من أقصى المغرب العربي وشمال إفريقيا إلى الشام والحجاز، تأسست في أواخر القرن الثالث الهجري، ولكن الأمر لم يستتب للعبيديين في المغرب الأقصى بسبب الاضطرابات السياسية، إلى جانب مقاومة علماء المدرسة القيروانية للعبيديين وإصدار فتاويهم في تكفير العبيديين وكذلك تأثير المدرسة الأندلسية السنية، بينما ظهر تواجد للشيعة الاثني عشرية في المغرب حديثًا مع تشيع من انبهروا بثورة الخميني في إيران عام 1979 أو الانبهار بحزب الله اللبناني ودوره في مواجهة إسرائيل، في ظل مناهج تعليمية لا تُعَطِّي حصانة عقدية أو فكرية ضد هذا التشيع.
ولهؤلاء الشيعة المغاربة تبعية للمراجع الشيعية الاثني عشرية في إيران، حيث يتبنى المذهب الجعفري نظرية ولاية الفقيه، التي تُعَطِّي للمرجع الشيعي في إيران سلطة دينية وسياسية يدين بمقتضاها أيضًا شيعة المغرب بالولاء. ومن أهم تلك المراجع الشيعية التيار الشيرازي النشط في شمال المغرب، وهو نسبة إلى اتباع الاجتهادات الفقهية للمرجع الشيعي المتوفى محمد الحسيني الشيرازي، لذا يُطْلَق عليهم: (الشيرازية).
يتركز الشيعة المغاربة في مدن (طنجة) و(مكناس) و(الدار البيضاء)، وأكثرهم نشاطًا شيعة الدار البيضاء، ومن أنشطتهم إقامة المكتبات والمعارض الشيعية ومنها المشاركة في معرض الكتاب الدولي بالدار البيضاء. ويُطْلِق شيعة المغرب على من اعتنقوا المذهب الشيعي اسم: (المستبصرين). ويعمد الإعلام الإيراني إلى تصوير المغرب على أنها ذات تدين شيعي في أعماقها.
ولا يُعْرَف أعداد شيعة المغرب تحديدًا لأنهم يخفون حقيقتهم باسم التقية، وأيضًا لأن مواقفهم السياسية تتعارض مع الثوابت المغربية التي تجعل السلطة الدينية والسياسية لملك المغرب. وتشير تقارير أمريكية إلى أن عدد الشيعة هناك قد بلغ نحو 8 آلاف شيعي أو متشيع، ويميل بعض الباحثين إلى أن عددهم نحو ثلاثة آلاف، معظم هؤلاء هم من المهاجرين واللاجئين العراقيين والسوريين واللبنانيين المتواجدين في المغرب، وهم يجمعون بين التشيع العقدي وهو الأخطر على قلة أفراده وبين التشيع السياسي وهو الأكثر والأبرز.
تغلغل التشيع داخل حركات الإسلام السياسي:
ساهم تأييد جماعة الإخوان المسلمين في المغرب العربي لثورة الخميني في عام 1979 في إيجاد أرضية شعبية لإيران هناك وتشيع البعض تأثرًا بالثورة الإيرانية كنموذج ثوري.
كما تلتقي جماعة (العدل والإحسان) المغربية، وهي حركة صوفية متأثرة سياسيًا بالفكر الثوري مع الشيعة في نقاط كثيرة، وقد بالغ زعيمها وأعضاؤها في إعجابهم بالثورة الإيرانية وإعجابهم بقائدها الخميني إلى حد أن تشيع بعض أعضائها. والحركة لها نشاط يمتد خارج المغرب في أوروبا بعد أن منعتها السلطات المغربية من ممارسة نشاطها في المغرب. وقد بدأت إيران في عام 2008 في إجراء اتصالات مع تنظيم (العدل والإحسان) في أوروبا وهو ما رأت فيه الأوساط المغربية تهديدًا لأمنها القومي.
وسياسيًا ظهر التأثر بالثورة الإيرانية في المغرب من خلال تأييد حركة الشبيبة الإسلامية للثورة الإيرانية منذ بدايتها. وقد أعقب انشقاق حركة الشبيبة عام 1981 إلى مجموعات كانت منها مجموعات متأثرة بالثورة الإيرانية تؤيدها وتتعاطف معها بل تشيع بعض أفرادها من خلال الاحتكاك بالفكر الإيراني الشيعي.
التمدد الشيعي في المغرب:
عمدت -وتعمد- إيران إلى نشر مذهبها الشيعي في المغرب من خلال عدة وسائل؛ منها:
السفارة الإيرانية:
حيث اتهمت وزارة الخارجية المغربية السفارة الإيرانية بالقيام بممارسات تحث وتشجع على التشيع، وأشارت كذلك إلى دور الملحق الثقافي في سفارة إيران في تشيع المغاربة في أوروبا، (وقد كشفت الوثائق التي نشرتها (ويكيليكس) عن قيام طهران بتوظيف سفارتها في المغرب من أجل التغلغل الشيعي، وصرح مسؤول في وزارة الخارجية والتعاون المغربية أنه منذ عام 2004 بدأت أنشطة الدبلوماسية الإيرانية في هذا الميدان من جديد، بشكل مباشر وغير مباشر، عن طريق تشجيع عمليات توسيع المد الشيعي، بالتعاون مع المراكز الثقافية في المغرب)، وساعد على هذا التغلغل (الإغراء المادي الذي تُقَدِّمُه السفارة الإيرانية عبر المكافآت المادية والمنح الدراسية واستقطاب الشباب، وعبر البعثات التعليمية للجامعات والحوزات في إيران، ونشر وتوزيع الكتب والمجلات الشيعية والإيرانية؛ مثل: مجلة (كيهان العربي) ومجلة (الوحدة الإسلامية) و(صوت الثورة الإسلامية) في العراق، ومن الكتب: كتاب (ثم اهتديت) للتيجاني السماوي وكتاب (بحث حول الولاية) لمحمد باقر الصدر وغيرهما) (راجع في ذلك: "التغلغل الإيراني في دول المغرب العربي: الآليات والتداعيات وخيارات المواجهة"، تأليف حمدي بشير - مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية - الرياض 1439 هجرية، ص 69، 70).
ومن مظاهر نشاط السفارة الإيرانية أيضًا للتأثير على الساحة المغربية إقامة المعارض الفنية ومعارض اللوحات الفنية داخل السفارة الإيرانية، كما شهد المعرض الدولي للكتاب حضورًا إيرانيًّا مكثفًا على مستوى دور النشر الإيرانية والشخصيات الفكرية والكتب ذات المرجعية الشيعية، بالإضافة إلى استقدام أساتذة لتدريس اللغة الفارسية، وتقديم المنح لعدد من الطلبة المغاربة للالتحاق بالجامعات الإيرانية.
استقطاب الجالية المغربية في أوروبا:
نظرًا لأن هناك الآلاف من المغاربة يعيشون في أوروبا منذ سنوات مع وجود مساحات واسعة من الحرية أمام الجهات الشيعية للتحرك من خلالها داخل هذه الجالية المغربية في أوروبا لاستقطاب الشباب المغربي وجذبه للتشيع، وذلك من خلال المساعدات المتنوعة كالمساعدة في اختيار المسكن والمساعدة في تزويج الإيرانيين والإيرانيات من أبناء المهاجرين المغاربة في أوروبا، سواء كان زواجًا دائمًا أو زواج متعة.
وتُعَدُّ العاصمة البلجيكية (بروكسل) في مقدمة أماكن النشاط الدعوي الإيراني الشيعي؛ إذ ينتشر بها العديد من المراكز الشيعية، وقد بلغ من تأثير هذا النشاط الدعوي الشيعي تحوُّل أربعة مساجد كبيرة للجالية المغربية في العاصمة البلجيكية بروكسل إلى المذهب الشيعي، كما أسهم هذا النشاط الدعوي الشيعي في ظهور جيل مغربي صاعد تَرَبَّى على المذهب الشيعي الاثني عشري في أوروبا، وحملوه معهم بعد عودتهم إلى أرض الوطن. وقد شهدت مدينة (طنجة) في المغرب ظهور الكثير من الشيعة الذين تأثروا بحملات التشيع خلال إقامتهم في أوروبا حيث استقطبتهم جهات شيعية نشطة (ينظر في ذلك: المصدر السابق، ص 70-72).
وتلعب السفارة الإيرانية في بلجيكا والجهات الدعوية التابعة لها دورًا مهمًّا في تشييع المهاجرين المغاربة من خلال المساعدات المالية الشهرية للشباب المغربي القادم إلى بلجيكا، وتشجيعهم على الزواج الذي يُمَكِّنُهم من الحصول على أوراق الإقامة في بلجيكا، مع ربطهم بشخصيات تَدِين بمرجعية الفقيه الشيعي، إلى جانب تمويل زيارات وأنشطة يقوم بها هؤلاء الشباب إلى إيران، وهو ما مهد لتأسيس جالية شيعية مغربية في بلجيكا.
موقف المغرب الرسمي من التمدد الشيعي:
تأرجح موقف المغرب الرسمي من هذا التمدد الشيعي بين التراخي والتشدد:
- فكانت هناك فترات من التراخي والصمت استندت فيها الحكومة المغربية إلى أن إيران لا تُمَثِّل تهديدًا للمصالح الحيوية في المغرب، فكان هناك التعاون الاقتصادي والتجاري والتبادل السياحي والعلاقات الثقافية، هذا رغم أن المخابرات والأجهزة الأمنية المغربية كانت ترى أن إيران تهدد المغرب من خلال تجنيد وتدريب عناصر مغربية، ومن خلال انخراطها في نشر الفكر الشيعي، لكن في عام 2009 اتخذت الحكومة المغربية موقفًا حازمًا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بسبب النشاطات الإيرانية الثابتة والتي تستهدف الهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي بما يعني تحذير نشطاء التيار الشيعي في المغرب.
وقد قامت السلطات الأمنية المغربية بالتحقيق مع عشرات المواطنين المشتبه في اعتناقهم المذهب الشيعي أو التورط في محاولة نشر التشيع في البلاد. كما تم إغلاق المدرسة العراقية التكميلية في الرباط بالمغرب بسبب استغلالها في نشر المذهب الشيعي، كما تمت مصادرة الكتب الشيعية من صالات عرضها والمكتبات التي تبيعها.
ومع ذلك فقد شهدت الأوضاع بعض التغير منذ عام 2012 حيث اعترفت السلطات المغربية بتأسيس بعض المؤسسات لشيعة مغاربة، وسمحت لهم بالاحتفال الجماعي بيوم عاشوراء بحضور المئات في قاعة للاحتفالات بمدينة (طنجة).
وقد ترددت وتباطأت السلطات المغربية من قبل في منح حزب (البديل الحضاري) الترخيص بالعمل حتى عام 2005، كما رفضت السلطات المغربية منح (حركة الأمة) رخصة إنشاء الحزب، ثم قامت الحكومة المغربية بحل حزب (البديل الحضاري) عام 2008 بعد تأكيد أجهزة الأمن ارتباطه بشبكة إرهابية وعلاقته بتنظيمات شيعية، وضبط كميات متنوعة من الأسلحة وأموال بالعملة الأجنبية.
ويُعَدُّ حزب البديل الحضاري حزبًا إسلاميًّا ينطلق من رؤية الانفتاح والتعامل مع الأحزاب الأخرى في ظل الديمقراطية المعمول بها، وقد حصل على ترخيصه القانوني عام 2005 بعد ممانعة طويلة سببها وجود قناعات شيعية عند بعض قادته. وهو يُعَدُّ ثالث حزب سياسي مغربي بتوجه إسلامي رُخِّص له بالعمل بعد حزبي (العدالة والتنمية) و(النهضة والفضيلة). وقد تم حل الحزب في فبراير 2008 وإغلاق مقراته ومصادرة ممتلكاته وإلزام مسؤوليه بعدم مزاولة أي نشاط سياسي باسم الحزب.
وقد رفضت السلطات المغربية كذلك منح (حركة الأمة) رخصة إنشاء حزب سياسي لها في ظل التخوف من محاولات التغلغل الإيراني في الساحة السياسية المغربية، خصوصًا مع زيادة التأييد السياسي في الأوساط الشيعية المغربية.
وظاهر الأمر: أن السلطات المغربية تحاول ألا تَجْعَل من ظاهرة التشيع في المغرب حدثًا إعلاميًا أو حقوقيًا ربما لتجنب الانتقادات الغربية المتكررة بشأن الحريات في المغرب، لذا فهي تُرَكِّز جهودها على المراقبة الأمنية وقياس الحجم الحقيقي الكمي والنوعي للتيار الشيعي لتحجيمه أو ترويضه ليكون بعيدًا عن العمل السياسي، وبعيدًا عن الإخلال بوحدة الدولة واستقرار الثوابت الدينية فيها.
موقف الأحزاب والشعب في المغرب من المد الشيعي في البلاد:
أعلن حزب (الأصالة والمعاصرة) في المغرب دعمه لقطع الحكومة المغربية علاقاتها مع إيران عام 2009، واستنكر سياسة الاختراق المذهبي الشيعي والتدخل السافر في شؤون المغرب الداخلية، وزرع الفتنة في البلاد خدمة للأطماع الإيرانية في المنطقة؛ كما سارعت حركة (التوحيد والإصلاح) إلى تأييد موقف الحكومة دفاعًا عن سنية المغرب ووحدته العقائدية.
وتُعَدُّ حركة (التوحيد والإصلاح) من الحركات الإسلامية التي تُمَثِّل الإخوان المسلمين في المغرب، ولها حضور دعوي من سبعينيات القرن العشرين الماضي من خلال أنشطة المجتمع المدني والجمعيات، ثم اتخذت شكلها الحالي باسم (التوحيد والإصلاح) منذ عام 1996 إثر الوحدة الاندماجية التي تمت بين (الإصلاح والتجديد) و(رابطة المستقبل الإسلامي)، كما استنكر وأدان حزب التجمع الوطني للأحرار المغربي ممارسات البعثة الدبلوماسية الإيرانية بالمغرب وتدخلها في شؤون المغرب الداخلية.
وقد تصاعدت أصوات العلماء هناك خاصة من التيار السلفي بضرورة التصدي للتحركات الشيعية وقطع الطريق على ممارسة الأنشطة الشيعية في البلاد، كما نددوا بالدور الذي تؤديه السفارة الإيرانية في نشر التشيع، ووجهوا بضرورة التصدي لنشر التشيع بين أبناء الجالية المغربية بالخارج.
وحاصل القول: إنه على الرغم من أفق انتشار التشيع في المغرب فإن الهجمات المضادة التي واجهها -ويواجهها- هذا التيار سواء من طرف الحركة السلفية ووجوهها المعروفة في المغرب، وكذلك من تضييقات الدولة التي تحد من حرية التشيع، والدور الذي تُقَدِّمُه مؤسسات الدولة الدينية هناك في بناء العقيدة الصحيحة، وبالتالي التحصين من هذا الغزو الفكري الشيعي، بالإضافة إلى الحرب المعلنة على التشيع في مواقع التواصل الاجتماعي، تُمَثِّل جميعها معًا حائط صد له تأثيره أمام التغلغل الشيعي في المملكة المغربية.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.