الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 12 مايو 2025 - 14 ذو القعدة 1446هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (44)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد ذكرنا في المقال السابق: أن الانتشار هو أحد عوامل سرعة التأثير الإصلاحي في المجتمع، وهو يتطلب مراعاة عِدَّة أمور؛ منها:

- الحرص على التواجد في كل المساحات والأماكن وَفْقًا للممكن والمتاح، ونعني بذلك: بذل الجهد في الوجود وَفْقًا للمستطاع في كل المساحات الجغرافية المتاحة أفقيًّا أو مهنيًّا.

ومن الجدير بالذكر هنا: أن ندرك أن الخبرة العملية الناتجة من الممارسة والتي أثمرت عمليًّا الوجود في مساحات جغرافية أو مهنية جديدة بطريقة إصلاحية مؤثرة، هي أحد أهم مهارات المسؤول التنفيذي في أي مؤسسة إصلاحية -كما ذكرنا ذلك سابقًا في المسئولية الإصلاحية-، وهذه الخبرة العملية تحتاج إلى تدوين تراكمي لها يوضع في دليل إرشادي متجدد، يكون متاحًا لجميع الأفراد العاملين في العمل الإصلاحي؛ للمعاونة في ممارسة الدور الانتشاري الدعوي الإصلاحي المطلوب.

- تنوع المهارات التخصصية داخل المؤسسة لتحقيق شمولية التأثير الناجح، فالمهارات التخصصية هي أحد المهارات اللازم تواجدها داخل الكيانات الإصلاحية كونها أحد أدوات سدِّ الثغور المطلوبة وتحقيق شمولية الانتشار المرجوة، واكتساب هذه المهارات التخصصية أمر يجب إدارته داخل المؤسسة الإصلاحية ليتحقق الغرض الكامل المراد في إطار من الإصلاح المؤسسي المتكامل المبني على:

1- التأكد من وضوح الرؤية الأيديولوجية الإصلاحية عند الأفراد أصحاب التخصص؛ حتى لا يغرِّد كلُّ فردٍ من هؤلاء خارج إطار المنهج الإصلاحي، أو الأهداف الإصلاحية للمؤسسة؛ فالمهارة التخصصية أحد وسائل الانجذاب والتأثير، والتي إن لم يكن صاحبها منضبطًا منهجيًّا؛ فسيؤثر - بلا شك - على الأفراد والمجموعات برؤيته المنهجية المضطربة، التي يمكن أن تتسرب في طيات توجيهاته التخصصية.

2- حسن الاستفادة من أصحاب المهارات التخصصية في سدِّ الفجوات داخل الكيان الإصلاحي؛ لذلك فأي كيان إصلاحي ناجح، يحتاج إلى توجيه بعض أفراده إلى التخصصات -لا سيما المؤثرة-؛ لأن أي كيان مهما كان، فإنه لا يستطيع التأثير الشامل بدون وجود كوادر بشرية متخصصة وفاعلة داخله تُعينه على تنوع مجالات التميُّز للكيان؛ مما يثمر فاعلية وانتشارًا، وتأثيرًا أكبر له في المجتمع المحيط به.

ولعلنا نتلمح ذلك في أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك الصحابي الشاب زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بأن يتعلم العبرية، وكذلك السريانية حتى يقرأ له الكتب التي تأتيه بهذه اللغة؛ كما جاء في سنن الترمذي عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ"، قَالَ: (إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابٍ)، قَالَ: "فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ، قَالَ: ‌فَلَمَّا ‌تَعَلَّمْتُهُ ‌كَانَ ‌إِذَا ‌كَتَبَ ‌إِلَى ‌يَهُودَ ‌كَتَبْتُ ‌إِلَيْهِمْ، ‌وَإِذَا ‌كَتَبُوا ‌إِلَيْهِ ‌قَرَأْتُ ‌لَهُ ‌كِتَابَهُمْ"، وفي رواية: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قد وجَّه زيد بن ثابت -رضي الله عنه- لما رأى نباهته وقدراته في الحِفْظ والعِلْم، إلى هذا التخصص الذي يـُحتاج إليه، ولا يوجد مَن يسده.

الأمر الثاني: معرفة الإمكانات مع حسن التوظيف للكوادر داخل الكيان:

التعرف على إمكانات الأفراد الموجودين فعليًّا في الكيان، مع حُسن توظيف طاقتهم وإمكاناتهم -بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب-، واستغلال كل الإمكانات المتاحة بدون تَسرع أو مجاملة، من أعظم أسباب شمولية التأثير والنجاح والقدرة على سدِّ الثغرات داخل الكيان.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.