الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 12 مايو 2025 - 14 ذو القعدة 1446هـ

الصَّالون الأدبي (مع عُقَابِ العربية.. الأستاذ محمود محمد شاكر) (36)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فيُواصلُ محمود شاكر حكايتَه مع التَّذوق في مقالتِه التي نشرتها مَجَلَّةُ "الثَّقافةِ"؛ فيَقولُ: "العنصر الأول: ما استخرجه "التَّذوق" مِن العلائق الباطنة الخفيَّة الناشبة في أنفس الأحرف والكلمات والجمل والتراكيب والمعاني، وهذا في جملته يجعلنا قادرين على أن نستخلصَ منه ما يحدد بعض الصفات المميزة التي تدل على طبيعة منشئ الكلام، أي على بعض ما يتميز به من الطبائع والشمائل، أو ما شئتَ مِن هذا الباب.

والعنصر الثاني: ما استخرجه "التَّذوق" مِن العلائق الظاهرة بين أنفس الأحرف والكلمات والجمل والتراكيب والمعاني، وهذا في جملته يجعلنا قادرين على أن نستخلصَ منه ما يحدد بعض الصفات المميزة التي تدل على طبيعة الكلام نفسه، أي: على ما يتميز به من "السذاجة" و"البلاغة"، أو ما شئتَ مِن هذا الباب.

والإحساسُ بهذين العُنصرَين الخليطَين إحساسٌ سريعٌ، خاطفٌ، ناقدٌ، لطيفٌ، دقيقٌ، دفينٌ، قائمٌ في النَّفْس لأول وهلةٍ عند سماع كل كلامٍ أو قراءته، مِن العسير عليَّ أن أتقصَّاه هنا أو أُعبِّرَ عنه تعبيرًا واضحًا في كلماتٍ قلائل، ولكن كل أحدٍ قادرٌ على تبينه بالأناةِ والتَّوقف، وبالتَّأمل والدُّرْبة، فيما أظن، ولكنَّه على كُلِّ حالٍ إحساسٌ خفيٌّ مكنونٌ مُقنَّعٌ بقناعٍ مِن الكتمان، يحتاج إلى ما يهتك عنه هذا القناعَ حتى يسفرَ ويستبينَ وينجلي، ثم يبوح بما عنده.

ولكن ليس أمرُ "التَّذوق" في الحقيقة محفوفًا بمثل هذه القسوة والصَّرامة التي ألجأتني إليها طبيعةُ حديثي عنه، وطبيعةُ اللُّغةِ التي تجعلنا "اضطرارًا" أن نجسد ما لا يتجسد؛ فما مِن إنسانٍ حيٍّ عاقلٍ مُدركٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ، جاهلٍ أو عالمٍ، قَلَّ عِلمُه أو كثر، إلا و"التَّذوق" حاضرٌ في دخيلته حضورًا ما؛ لأنَّه "إنسانٌ" قد أودع اللهُ في بنائِه هذه الأعجوبةَ النَّفيسةَ الغاليةَ التي صار بها إنسانًا، وهي "القدرة على البيان"، فهو إِذَنْ على هذا "التَّذوق"؛ لأنَّه ما مِن شيءٍ يسمعه أو يبصره أو يحسه أو يذوقه، أو يتوهمه أيضًا، إلَّا وهو محتاجٌ فيه إلى "القدرة على البيان" بعملَيها في "الإبانة" و"الاستبانة"، أي "التَّذوق"، لأنّه غيرُ قادرٍ على إدراكِ أيِّ معنًى أو تَصَوُّرِه إلا عن طريق هذه القدرة وأدائها لعملَيها أداءً ما، فالتَّذوق إِذَنْ ضرورةٌ لكل حيٍّ مِنَّا منذ يُولَدُ إلى أن ينقطعَ أجلُه على هذه الأرض" (انتهى).

ونلتقي في المَقالِ القادمِ -إن شاء الله-.

فَاللَّهُمَّ يَسِّرْ وأَعِنْ.