كتبه/ حسن حسونة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالمتأمل للأحداث الملتهبةِ التي تمرُّ بها أمتنا في هذه الآونة؛ فلسطين وغزة على رأس القائمة، ولبنان ومجرياتها، واليمن وأحداثها، والعراق ومسيرها، وسوريا وتاريخها، والسودان، وغيرها؛ يجد الحال الذي وصلت له أمتنا من التقطيع، والتمزيق، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وانتهاك الأعراض، والغصبٌ والاغتصاب؛ فدماءٌ تسيل، وحصار وتجويع، وتشريدٌ للعباد من بيوتهم وبلادهم، كل ذلك لا يحصل إلا للمسلمين دون من سواهم! والمتابع يسأل: لماذا هذا كله لأمة الخير، للأمة الوسط؟!
وتأتي الآية الأولى لتجيب عن هذا التساؤل من سورة آل عمران: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 165).
والسؤال الذي سأله الصحابة -رضي الله عنهم-: جيشٌ فيه رسول الله، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي -رضي الله عنهم- كيف يحصل له هذا في غزوة أحد؟ فكانت الإجابة من الله: (هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)؛ أي: بسبب مخالفتكم لأمر رسول الله؛ وقصة الرماة معلومة ومشهورة في كتب التفسير والسِّير. فلأجل معصية واحدة وقعت انقلبت موازين المعركة، وقُتل من خِيرة الصحابة سبعون، وحصل لهم من الهمِّ والغمِّ ما حصل.
فهل عرفنا الخلل من أين؟
هل علمنا سبب مُصاب هذه الأمة؟
والإجابة: نعم.
السبب هو الابتعاد عن شرع الله، ومحاربة دينه، ومحاولات نشر الإلحاد، وإحياءٌ عبادة القبور وصرف النذور لها، محاولات نشر الصوفية الفلسفية، ومحاربة الأسرة المسلمة لنشر الرذيلة والفواحش والمنكرات، تحت شعارات ومسميات الحركات النسوية، والمساكنة، وغيرها... فماذا ننتظر؟!
لكننا ننتظر الفرج من الله؛ فتأتي الآية الثانية لتصنع لنا برق أمل من سورة آل عمران أيضًا: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران: 126).
وهذه الآية تكررت في سورة الأنفال؛ لتبين لنا: أن النصر من الله، فلا يُطلب إلا منه، ولا يُقصد سواه؛ فهو المرغوبُ وهو المرهوب، وهو علام الغيوب، وعلى القلة والضعف الذي كان في غزوة بدر إلا أن الله أمدهم بجنوده التي تقاتلُ معهم وتنصرهم وهم الملائكة، وما يعلمُ جنود ربك إلا هو؛ الأعاصير، والرياح، والملائكة، وغيرها.
ثمّ تأتي الآية الثالثة التي تُبين لنا متى يقع ذلك للمسلمين؟ أو بعبارةٍ أخرى كيف نستجلب نصر الله؟ فتأتي وتقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).
ونصرُ الله يكونُ بنصر شرعه ودينهِ، وكتابهِ، وسنةَ نبيه، وتطبيقُ ذلك واقعًا عمليًّا في حياتنا، فنقيم عقيدتنا الصحيحة بأنّ نحقق الإيمانَ بالله -بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته-، ونؤمن بالملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، ونؤمنُ بالقدر خيره وشره، بأنّ نقيم عبادتنا على وَفْق ما أراده الله، ونقيم معاملتنا، وينضبط سلوكنا، وتتحسن أخلاقنا؛ فالحلال ما أحل الله، والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه الله؛ فإقامة الدين تؤدي إلى النصر والتمكين الذي وعد الله به عباده المؤمنين.
قد يقول قائل: الطريق طويل، وإلى متى ننتظر والناس يُقتّلون!
فأقول: ألقِ الحبة وراعها وانتظر الثمرة، ربما تجنيها في حياتك، ولربما يجنيها الأجيال القادمة، فخُذ بالأسباب والنتائجُ على مُسببها، ولا يكلفُ الله نفسًا إلا وسعها، فأنت مأمورٌ بالأخذ بأسباب القوة والاستعداد، والله يحققُ التمكين.
ونحن نطالع القرآن ونقرأ قصة قوم يونس -عليه السلام- والحال إيمانٌ لم يتعدَّ اللحظات، والنتيجة؛ رفع الله عنهم العذابَ ولم يُعاقبوا.
وتأتيك الآية الرابعة في سورة البقرة؛ لتبيِّن لك أن نصر الله قريب: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ? أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214).
السائل هو الرسول ومن معه من المؤمنين: متى نصر الله؟ فجاءت الإجابة من الله: (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)؛ آية تدعو للأمل، وعدم اليأس، ولكن لتحقيقها عملٌ من الجميع؛ نُصرة دين الله وشرعه.
واعلم أن أهل الباطل قد يحصلون على انتصارٍ مؤقت، لكن سرعان ما يتمزق؛ لأن البناء هشٌ وضعيف، وأصله فاسد، فهو إلى هلاك وبوار: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران: 140).
هذا ما قضى الله به بين العباد، ونسأل الله -عز وجل- أن ينصرَ الإسلام ويُعزَ المسلمين في كلِّ مكان.