كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الفرق بين الصالح والمصلح:
نعمة أن يكون العبد صالحًا مصلحًا يعمل في جماعية إصلاحية؛ هي نعمة كبيرة يترتب عليها أجور عظيمة للعبد في آخرته، وتضبط له تصوراته وترشد له أفعاله في حياته، والفرق بين الصالح فقط وبين المصلح فرق كبير في الأجر، وفي طريقة التعامل مع الناس وفي رد الفعل عند التعامل مع الأخطاء التي قد تقع منهم، وفي حسن استثمار أفعالهم لاستخراج الخير منهم ودعمهم في تحقيق العبودية.
فالصالح: لا يهتم غالبًا بغيره وإن كان حريصًا على نفع نفسه، فلا يتعدى خيره لغيره.
بينما المصلح: حريص على صلاح نفسه، عاملا على إصلاح غيره؛ فخيره متعدٍّ لغيره.
الصالح: أجره يتوقف على ما يفعله هو بذاته من خير.
والمصلح: أجره ممتد لأبعد من أفعاله الذاتية؛ فلا يتوقف أجره فقط على جهده الذاتي، بل يُضاف إليه أجور أفعال من دلهم على الخير، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) (رواه مسلم).
الصالح: غالبًا ما يُقَيم أفعال الناس أو يحكم عليهم طبقًا لحاله هو، أو لمعاير أفعاله الصالحة في نفسه، وقد يقع بذلك في تنفير الناس أو تأييسهم من أنفسهم.
بينما المصلح: غالبًا ما ينظر إلى بذور الخير فيمن حوله وإلى الواقع المحيط به، ويحاول أن ينميها ويستثمرها في إصلاحه، وبث الأمل فيه ليقربه من تحقيق العبودية التي ترضي ربه ويزداد بها خيره.
ولننظر في ذلك -مثلًا- إلى حديث قصة القاتل مائة نفس، كيف تعامل معه العابد الصالح وكيف تعامل معه العالم المصلح، وكيف تباينت النتيجة بين هذا وذاك، فعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدْرِي -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ) (رواه مسلم).
لذلك فلا عجب من هذا الفرق الرهيب بين أجر العابد الصالح، وبين أجر العالم المصلح الذي بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي الحديث عن أبي أُمَامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: عَابِدٌ، وَالْآخَرُ: عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ). ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
لذلك نجد دائمًا أن مَن استشعر نعمة العمل الإصلاحي هو أكثر الناس تحملًا للمسؤولية، وهو أكثر الناس حرصًا على استكمال مقومات تلك المسؤولية.