كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فبمناسبة مولد البدوي، سنتكلم عن شخصية البدوي -كما قدَّمه الشعراني- من خلال كتابه "الطبقات"، والبدوي قد قيل حوله كلام كثير جعل البعض يتشكك في وجود شخصية بهذا الاسم أصلًا، وكالعادة قد يختار بعض الصوفية في الدِّفاع عن تاريخهم أن يقدِّموا لنا البدوي فقيهًا شافعيًّا، محافظًا على الطاعات، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، لكي نقرُّ أنه رجلٌ صالح، ولا بأس.
ولكن الذي يترتَّب على هذا عندهم أنهم يريدون منا أمورًا:
- أهونها -وليس بهين-: أن نسكت عن دعوة الصوفية بالتوسل بجاه البدوي، وغيره؛ باعتباره وليًّا وجاهه عند الله عظيم، مع أن الصحابة لم يتوسلوا بجاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل كانوا يتوسلون بدعائه؛ فلما قُبِض -صلى الله عليه وسلم- قالوا: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا".
ومن المعلوم أن جاه النبي -صلى الله عليه وسلم- عظيم في حياته وبعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-؛ كما أن قبره -صلى الله عليه وسلم- معروف عندهم، كما أنهم يعلمون أن حياة الأنبياء في قبورهم أكمل من حياة غيرهم -وإن بقيت حياة برزخية-، ولكنهم تركوا ذلك كله؛ فعُلم أنه لا يُشرع التوسل بجاه مَن عُلِم يقينًا أن جاهه عند الله عظيم، ولا يُشرع التوسل بذاته، كما أنه لا مجال لأن نسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو الله لنا وهو في قبره.
وقد فعل عمر -رضي الله عنه- هذا في جمع عظيم من الصحابة لما أجدبوا بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمر -رضي الله عنه-: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمِّ نبينا" ثم قدَّم العباس -رضي الله عنه- ليصلي بالناس. وبالتالي كان التوسل بالعباس -رضي الله عنه- بدعائه الله -تعالى- في صلاة الاستسقاء.
- ثم إن القوم لا يقفون عند هذا الحد، بل يجوزون، بل يرغِّبون ويستحسنون، أن يطلب الإنسان المدد من غير الله، وقد قال -تعالى-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60)، وقال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وقال -تعالى- موبِّخًا هؤلاء الذين يدعون الأنبياء والصالحين: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الإسراء: 57).
- أيضًا، يحاول هؤلاء المدافعون عن التصوف أن يَدَّعُوا: أن العامة الذين يضللونهم ويرشدونهم إلى دعاء غير الله يضمرون في أنفسهم أنهم يأتون إلى قبر الولي، فيقولون له: "يا سيدي فلان! ادعُ الله لنا أن يعطينا مددًا من عنده"، وعلى سبيل الاختصار يقولون: "مدد يا سيدي فلان!"، ولو كان هذا كذلك؛ لكان بدعة من جهة: عدم فعل الصحابة له مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فضلًا عن غيره. ومن جهة: سوء الأدب في هذا الاختصار المخل إخلالًا بالغًا، والذي يجعل فعلهم الذي يحافظون عليه ويفعلونه ليل نهار صورته صورة عمل شركي محض، ويحتاج إلى كلِّ هذا التأويل المتعسف.
- ثم إن الدعوة إلى طلب الحوائج من غير الله عندما يتم ترويجها في كتب الصوفية لا تتم بهذه المبررات الساقطة، بل تتم من خلال دعوى "ملك التصريف في الكون"، وأن الله قد ترك تدبير العالم لما يُسمَّى بالأقطاب (وهي مِن أخبث العقائد، ولا شك ستحتاج إلى أن تُفرد بالمناقشة).
ولكن على مستوى أتباع كل طريقة من الطرق الصوفية، يكون كلامهم مباشرًا في "المدد الذي يملكه ذلك الولي" كتأصيل نظري، ثم حكايات كثيرة (معظمها مكذوب).
ومعظمها يرد عليه سؤال: لماذا لا يتكرر هذا؟!
فالدسوقي استنقذ الطفل بعد ما ابتلعه التمساح؛ فلماذا يقعد عن نجدة الغرقى -على الأقل- في دسوق (مع أن نطاق تصريفه الذي ينسبونه له كذبًا على الله يشمل الكون كله)؟!
وهكذا في كلِّ هذه القصص.
سنتحدث عن البدوي -كما قدَّمه الشعراني-، ونحن نعلم أن سدنة الطريقة يقدِّمون صورة أكثر تطرفًا وغلوًّا من تلك التي يقدِّمها الشعراني، وأن بعض المدافعين يقدمون صورة خاصة (لغير الصوفية)؛ لكي يكفوا عن نقد الصورة التي يقدمها مشايخ التصوف لمريديهم.
ونحن لا يعنينا الشخص بعينه، ونتمنى أن يكون البدوي، والدسوقي، والشاذلي، والمرسي، والقناوي على الجادة.
ومع هذا التمني، بل لو كان هذا هو الواقع؛ فالواجب نقد الصورة التي يقدمها مشايخ الطرق الصوفية لمريديهم، والتي يتم فيها بالفعل اعتقاد كل هذه الطوام وصرف هذه العبادات لغير الله، والآن مع نصوصٍ مما قدَّمها الشعراني في "الطبقات الكبرى" في ترجمة السيد البدوي:
أولًا: عبارات تدل على أن البدوي يملك مددًا (وليس أن الناس تسأله أن يسأل الله المدد):
قال الشعراني: "فلم يزل سيدي أحمد على السطوح مدة اثنتي عشرة سنة، وكان سيدي عبد العال -رضي الله عنه- يأتي إليه بالرجل أو الطفل، فيطأطئ من السطوح، فينظر إليه نظرة واحدة، فيملؤه مددًا، ويقول لعبد العال: اذهب به إلى بلد كذا، أو موضع كذا، فكانوا يسمون أصحاب السطح!".
وعبارات الصوفية في كتبهم تقول: هذا شيخ غوث، وتقول للناس: "استغيثوا به، واطلبوا منه المدد!"؛ في حضرته وفي غيابه، وفي أي مكان في الكون، وفيما يدخل في قدرة البشر وما لا يدخل.
قال الشعراني: "وأخباره، ومجيئه بالأسرى من بلاد الإفرنج، وإغاثة الناس من قُطَّاع الطريق، وحيلولته بينهم وبين مَن استنجد به، لا تحويها الدفاتر -رضي الله عنه-".
ثم قال الشعراني: "قلتُ: وقد شاهدتُ أنا بعيني سنة خمس وأربعين وتسعمائة أسيرًا على منارة سيدي عبد العال -رضي الله عنه-، مقيَّدًا مغلولاً، وهو مخبط العقل، فسألته عن ذلك، فقال: بينا أنا في بلاد الإفرنج آخر الليل توجهتُ إلى سيدي أحمد؛ فإذا أنا به، فأخذني، وطار بي في الهواء، فوضعني هنا! فمكث يومين، ورأسه دائرة عليه من شدة الخطفة! رضي الله عنه ورحمه، وأغاثنا ببركاته في الدنيا والآخرة. آمين".
فهذه القصة المكذوبة، والتي يروِّج بها الصوفية لكلِّ مكروب أن يستغيث بأقطابهم مِن دون الله، تقول: إن هذا الأسير -وهو في بلاد الفرنجة في آخر الليل- توجَّه إلى البدوي (مع أن هذه القصة بحسب الشعراني حدثت بعد وفاة البدوي بحوالي 300 سنة)، فجاءه البدوي وأخذه وطار به!
ولا ندري لماذا وضعه على منارة المسجد؟ ولماذا لم يوصله إلى بيته؟ ولماذا لم يخفف عنه شدة الخطفة؟ ولماذا لم يفك قيوده؟!
(طبعاً الحبكة القصصية لا بد أن تترك شيئًا يتعرف به الحاكي على ما حدث ليلًا، أو أن الشيطان الذي يتمثل لهم يقدِّم لهم قرائن ليصدقوا ما يُروج عليهم).
هذه قصة الأسير كما رآها الشعراني-، ولكن القصة الأكثر شهرة في الإنشاد الصوفي عن البدوي الذي "جاب الأسرى"، والتي تُحرَّف في الإنشاد الصوفي إلى "جاب اليسرى"؛ تقول القصة: إن امرأة جاءت إلى البدوي تبكي أن ابنها أسره الفرنجة، فمدَّ يده من نافذة غرفته فوصلت إلى بلاد الفرنجة، والتقط ابنها ووضعه أمامها بقيوده!
(ما زال البدوي مغرمًا بأن يأتي بالأسرى من بلاد الفرنجة، ولكن فك القيود يبدو مهمة يسيرة لا تليق بمقامه!).
لماذا لم يأتِ بسائر الأسرى وتركهم فريسة للفرنجة؟! أم أن هذه هي السيدة الوحيدة من أمهات الأسرى التي ارتضت الاستغاثة به؟ وهل كان يمكن أن يستعمل مدده (المزعوم) دون طلب، من باب نفع المسلمين، خاصة في قضية فكاك الأسير؟!
لكن الشعراني يعود ليحكي لنا: أن البدوي ترك جمعًا من مريديه أسرى في بلاد الفرنجة، ولكنه مكَّنهم من حضور مولده (مرة ثالثة وهم في قيودهم!).
يحكي الشعراني أنه ما من مرة تحدثه نفسه أن يتخلف عن مولد البدوي إلا ويأتي البدوي له معاتبًا، ويظهر له كيف يأتي بالأسرى من بلاد الإفرنج لحضور مولده وهم مقيدون (مع الأخذ في الاعتبار أن الشعراني كان بعد انتهاء الحروب الصليبية بنحو ثلاثة قرون، وفي ذات الوقت كان قبل بداية الاحتلال الأوروبي الحديث، ولا ندري أي أسرى هؤلاء؟! وهذا ما يؤكد تلاعب الشيطان بالصوفية عن طريق التخييل لهم).
قال الشعراني: (وأردتُ التخلُّف سنة من السنين، فرأيت سيدي أحمد -رضي الله عنه- ومعه جريدة خضراء، وهو يدعو الناس من سائر الأقطار، والناس خلفه ويمينه وشماله، أمم وخلائق لا يحصون. فمر عليَّ وأنا بمصر، فقال: أما تذهب؟! فقلت: بي وجع. فقال: الوجع لا يمنع المحب. ثم أراني خَلْقًا كثيرًا من الأولياء وغيرهم -الأحياء والأموات- من الشيوخ والزمني بأكفانهم يمشون ويزحفون معه يحضرون المولد، ثم أراني جماعة من الأسرى جاءوا من بلاد الإفرنج مقيدين مغلولين يزحفون على مقاعدهم، فقال: انظر إلى هؤلاء في هذا الحال ولا يتخلَّفون! فقوي عزمي على الحضور، فقلت له: إن شاء الله تعالى نحضر، فقال: لا بد من الترسيم عليك، فرسم عليَّ سبعين عظيمين أسودين كالأفيال، وقال: لا تفارقاه حتى تحضرا به).
(وموضوع الأسود والأفيال هذا يستحق أيضًا أن يُفرد بمقالة نتكلَّم عنها فيها).
ومن باب إثبات تصريف البدوي في الكون: ذكر الشعراني حوارًا بين البدوي وأمِّ تلميذه عبد العال، وذكرها بخارق عادة حدث له وهو صغير، وأن البدوي هو مَن فعل به ذلك (علمًا أن البدوي وقتها كان في المغرب أو العراق، ولم يكن قد جاءه الهاتف الذي أمره بالتوجُّه إلى مصر)؛ قال الشعراني مدعيًا أن عبد العال ولده في الطريقة: (ثم أرسل لها يقول: إنه ولدي من يوم قرن الثور، وكانت أم عبد العال قد وضعته في معلف الثور وهو رضيع، فطأطأ الثور ليأكل، فدخل قرنه في القماط، فشال عبد العال على قرنه، فهاج الثور، فلم يقدر أحد على تخليصه منه، فمد سيدي أحمد -رضي الله عنه- يده، وهو بالعراق، فخلصه من القرن، فتذكرتْ أمُّ عبد العال الواقعة، واعتقدته من ذلك اليوم).
ثانيًا: هذا المدد هو جزء من إعطاء الصوفية لأنفسهم كل أو بعض أسماء الله وصفاته وأفعاله:
كما يقرر ابن عربي أن موضع نظر الله على الحقيقة المحمدية، وأن الله ليس له أسماء ولا صفات، وأنه فقط تنعكس منه الحقيقة المحمدية التي تتصف بالأسماء والصفات والأفعال، ثم تورثها للأقطاب والأبدال والنقباء؛ كلٌّ بحسب رتبته.
قال الشعراني: (وكان -رضي الله عنه- لم يزل متلثمًا بلثامين، فاشتهى سيدي عبد المجيد -رضي الله عنه- يومًا رؤية وجه سيدي أحمد -رضي الله عنه-، فقال: يا سيدي! أريد أن أرى وجهك أعرفه، فقال: يا عبد المجيد؛ كل نظرة برجل. فقال: يا سيدي؛ أرني ولو مت، فكشف له اللثام الفوقاني، فصعق، ومات في الحال!).
وقال أيضًا: (وكان -رضي الله عنه- يقول: وعزة ربي؛ سواقيّ تدور على البحر المحيط، لو نفد ماء سواقي الدنيا كلها لما نفد ماء سواقي).
وقال الشعراني أيضًا: (وكان إذا لبس ثوبًا أو عمامة لا يخلعها لغسل، ولا لغيره حتى تذوب، فيبدلونها له بغيرها، والعمامة التي يلبسها الخليفة في كل سنة في المولد هي عمامة الشيخ بيده، وأما البشت الصُّوف الأحمر؛ فهو من لباس سيدي عبد العال -رضي الله عنه-).
وبالطبع ستجد عند الصوفية ما لا يحصى من الحكايات تدل على أن أقطابهم لا يلتزمون بالشرائع، وهذا يساوي أنهم يقولون بسقوط التكليف عنهم، لكنهم يحلفون بأغلظ الأيمان أنهم يتبرؤون من هذا القول، ثم إذا طلبت منهم تفسيرًا؛ يقولون: هذا أمر خاص بين الولي وربه، وأنه يستحيل على الولي أن يكذب في أنه سمح له ربه بهذا في منام أو سمح له به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أمره به الخضر، أو حصل له ذلك بالإلهام.
في النهاية، هم يصرِّحون بأن وليًّا عندهم كان لا يخلع عمامة ثيابه لغسل الجنابة؛ فهل كان يغتسل؟ وهل كان الماء يصل إلى الجسم ثم يخرج مبتلًا؟ أم أنه كان لا يغتسل؟
والأخطر من هذا: أنه كان تاركًا للجمع والجماعات طيلة ثلاث سنوات على السطوح، ولهم عليها تأويلات متناقضة.
ثالثًا: قوة التصريف التي نسبوها للولي وكيف وظَّفها في الانتقام من مخالفيه:
وهي حكايات، بعضها مكذوب، يروجها الصوفية لإرهاب مَن ينكر عليهم، وما صَحَّ منها واضح فيه الاستعانة بالجن والسحر، نسأل الله العافية.
ومنها قتل مَن لا يعظمونه:
قال الشعراني: (وأنكر ابن الشيخ خليفة بناحية أبيار بالغربية حضور أهل بلده إلى المولد، فوعظه شيخنا الشيخ محمد الشناوي -رضي الله عنه-، فلم يرجع، فاشتكاه لسيدي أحمد، فقال: ستطلع له حبة ترعى فمه ولسانه، فطلعت من يومه ذلك، وأتلفت وجهه، ومات بها!).
هكذا يحكي الصوفية أن الرجل قُتِل؛ لمجرد إنكاره مولد البدوي (وطبعًا هذا في زمان الشعراني، والبدوي قد تحلل ولم يعد شيئًا مذكورًا).
ولكن الأدهى من هذا: سلب الإيمان منه؛ قال الشعراني: (ووقع ابن اللبان في حقِّ سيدي أحمد -رضي الله عنه-، فسُلِب القرآن والعلم والإيمان، فلم يزل يستغيث بالأولياء، فلم يقدر أحدٌ أن يدخل في أمره، فدلوه على سيدي ياقوت العرشي، فمضى إلى سيدي أحمد -رضي الله عنه-، وكلمه في القبر، وأجابه، وقال له: أنت أبو الفتيان، رُدَّ على هذا المسكين رأس ماله، فقال: بشرط التوبة، فتاب، ورد عليه رأس ماله، وهذا كان سبب اعتقاد ابن اللبان في سيدي ياقوت -رضي الله عنه-).
وهذا والله -تعالى- يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص: 56)، ويقول: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (آل عمران: 128).
ولو سلمنا لهم جدلًا أن البدوي قادر على إلقاء الإيمان في قلب مَن شاء، وسلبه مِن قلب مَن شاء، فما حكمه وقد قرَّر أن يسلب بعض المؤمنين إيمانهم؟!
إن اعتقاد أن أحدًا غير الله قادر على تصريف القلوب كفر بالله -تعالى-.
ثم إنه لو فُرِض قدرة أحدٍ على هذا، فقال قائل بجواز استعماله في سلب المؤمنين إيمانهم؛ فهو كفر آخر -والعياذ بالله-.
وبالطبع، يحاول بعض المدافعين عن الصوفية تأويل هذا بأنه سلب كمال الإيمان، مع النص -عندهم عنه-: (فسُلِب القرآن والعلم والإيمان!)، على أنه حتى لو حُمِل على كمال الإيمان لما بَعُد كثيرًا الحكم بكفر مَن يعتقد جواز فعل هذا.
على أنه صرَّح في موضع آخر أنهم سلبوا المنكِر عليهم الإيمان؛ حتى لم يبقَ له منه شعرة! قال الشعراني: (وأخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي -رضي الله عنه-: أن شخصًا أنكر حضور مولده، فسلب الإيمان، فلم تكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام! فاستغاث بسيدي أحمد -رضي الله عنه-، فقال: بشرط ألا تعود، فقال: نعم، فردَّ عليه ثوب إيمانه. ثم قال له: وماذا تنكر علينا؟ قال: اختلاط الرجال والنساء، فقال له سيدي أحمد -رضي الله عنه-: ذلك واقع في الطواف، ولم يمنع أحد منه، ثم قال: وعزَّة ربي؛ ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته، وإذا كنتُ أرعى الوحوش والسمك في البحار، وأحميهم من بعضهم بعضًا.. أفيعجزني الله -عز وجل- عن حماية مَن يحضر مولدي؟!).
(وفي هذا النقل أن المعاصي التي تفعل في مولد البدوي مضمونة التوبة، وهذا يؤول في النهاية إلى الاستهتار بها إلى غاية الحد!).
إذًا إن أنكرت المعاصي التي في مولد البدوي، فإن شئت حبة تقضي عليك أو إيمانًا يسلب منك، أو ربما يرفقون بك فيعذبونك عذابًا أليمًا، ولكن لا يسلبون إيمانك أو حياتك، كما قال الشعراني: (وحكى لي شيخنا أيضًا: أن سيدي الشيخ أبا الغيث بن كتيلة، أحد العلماء بالمحلة الكبرى، وأحد الصالحين بها، كان بمصر، فجاء إلى بولاق، فوجد الناس مهتمين بأمر المولد والنزول في المراكب، فأنكر ذلك، وقال: هيهات أن يكون اهتمام هؤلاء بزيارة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- مثل اهتمامهم بأحمد البدوي، فقال له شخص: سيدي أحمد ولي عظيم، فقال: ثمَّ في هذا المجلس مَن هو أعلى منه مقامًا. فعزم عليه شخص، فأطعمه سمكًا، فدخلت حلقه شوكة، وتصلبت، فلم يقدروا على نزولها بدهن عطاس، ولا بحيلة من الحيل، وورمت رقبته حتى صارت كخلية النحل، تسعة شهور، وهو لا يلتذ بطعام، ولا شراب، ولا منام! وأنساه الله -تعالى- سبب ذلك، فبعد التسعة شهور ذكَّره الله بالسبب، فقال: احملوني إلى قبة سيدي أحمد -رضي الله عنه-، فأدخلوه، فشرع يقرأ سورة (يس)، فعطس عطسة شديدة، فخرجت الشوكة مغمسة دمًا، فقال: تبت إلى الله -تعالى- يا سيدي أحمد، وذهب الوجع والورم من ساعته).
رابعًا: دعوى أن البدوي ورَّث سدنة طريقته كل هذه القدرة على التصريف والنفع والضر:
حكى الشعراني عن تلاميذ البدوي الذين خلّفهم، ومنهم رجل يسمى يوسف، ثم ذكر أن يوسف حدث بينه وبين رجل آخر من أتباع البدوي مشاحنة، فاشتكاه إلى عبد العال، التلميذ الأبرز للبدوي، فأطفأ ولاية يوسف، ونقلها لابنه إسماعيل، فصار إسماعيل يقرأ من اللوح المحفوظ (تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا)؛ فأنكر عليه قاضٍ فغرق القاضي في الفرات.
(فمضى أبو طرطور إلى سيدي عبد العال -رضي الله عنه-، وأخبره بالخبر، فقال: لا تتشوش يا أبا طرطور، نزعنا ما كان معه، وأطفأنا اسمه، وجعلنا الاسم لولده إسماعيل، فمن ذلك اليوم انطفأ اسم سيدي يوسف إلى يومنا هذا، وأجرى الله على يدي سيدي إسماعيل الكرامات، وكلمته البهائم، وكان يُخبر أنه يرى في اللوح المحفوظ، ويقول: يقع كذا وكذا لفلان، فيجيء الأمر كما قال. فأنكر عليه شخص من علماء المالكية، وأفتى بتعزيره، فبلغ ذلك سيدي إسماعيل، فقال: ومما رأيته في اللوح المحفوظ: أنَّ هذا القاضي يغرق في بحر الفرات، فأرسله ملك مصر إلى ملك الإفرنج ليجادل القسيسين عندهم، ووعد بإسلامهم إن قطعهم عالم المسلمين بالحجة، فلم يجدوا في مصر أكثر كلامًا ولا جدالاً من هذا القاضي، فأرسلوه، فغرق في بحر الفرات).
إذًا، فإسماعيل بن يونس الذي نال هذا من عبد العال، تلميذ البدوي، يقرأ في اللوح المحفوظ، ويموت المنكِر عليه غرقًا، بينما كان هذا الفقيه في طريقه للدعوة لدين الله ومناظرة النصارى، ومع هذا غلب -في زعمه- جرمه في حقِّ إسماعيل بن يوسف، فغرق!
نسأل الله السلامة من الغرق في أوحال عقائدهم وخرافات عقولهم.
ونكتفي بهذا القدر، ونستكمل في مقالة أخرى طَرَفًا آخر من فضائحهم من خلال كتاب واحد من كتبهم؛ فكيف بباقيها؟!