كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
من أنواع الأعمال الإصلاحية:
أ- العمل الإصلاحي الفردي:
نموذج من نماذج الأعمال الإصلاحية الذي قد يرفع عن صاحبه العذر في دفعه للفساد من حوله، فصاحبه يبذل فيه جهده الذي يتاح له في دائرته الضيقة، والذي يتوقف أثره الناتج على قدرات الشخص الفردية ومدى توفيقه في عمله، ولكن يا للأسف: فإن هذا العمل الإصلاحي الفردي له سلبيات عديدة تجعله ليس هو النموذج الأمثل المطلوب لتحقيق الإصلاح المنشود.
فمن هذه السلبيات المعروفة والمشاهدة في الواقع الحالي:
1- سهولة الانقطاع والتوقف؛ فالعمل متوقف على الحالة النفسية أو الصحية أو الحياتية للشخص؛ فيفتر بفتوره ويمرض بمرضه، ويتوقف بسفره أو حتى ينحرف بانحرافه.
2- تحديد الأولويات الإصلاحية المطلوبة للمجتمع تتوقف على الرؤى الشخصية للفرد، والتي قد تتغافل مصالح الأمة الحقيقية وحاجاتها.
3- ضعف الأثر الإصلاحي الشمولي للعمل الفردي في المجتمع، حيث يتم الاقتصار على جانب واحد من الجوانب طبقًا لاهتمام القائم على العمل الفردي وإمكاناته.
4- العمل الفردي بيئة غير مهيئة لاكتشاف الكفاءات المختلفة في المجالات المتنوعة؛ نظرًا للاقتصار على نوع معين من الأعمال والأنشطة عند القائمين على هذا العمل الفردي، والذي يا للأسف ينبني عليه التقييم للأفراد من حيث الكفاءة أو القرب والبعد.
5- كثرة التنازع بين رؤوس العمل الفردي وأتباعهم والتراشق المستمر بينهم تحت دعوى من أحق بالصدارة بين الناس والإذعان لرأيه وطريقته، مما يتسبب في نفرة الكثيرين من المستهدفين بالإصلاح من هذه النماذج الإصلاحية المتراشقة فيما بينها.
6- يسهل وقوع التأثير الإيديولوجي أو الانحراف الفكري لصاحب العمل الفردي طبقًا لقوة الضغط عليه من الاتجاهات الفكرية المنحرفة المحيطة به وقدرتهم على استغلال نقاط ضعفه أو فهمهم لمفاتيح شخصيته.
7- سهولة محاصرة العمل الفردي والتضييق عليه ومنعه.
ب- العمل الإصلاحي عبر المجموعات الوسيطة:
المجموعات الوسيطة هي نموذج جديد ما بين العمل الفردي والعمل المؤسسي الشامل أو إن شئنا لقلنا هي فكرة أُوجدت لجذب الأفراد والانتقال بهم من العمل المؤسسي الإصلاحي الشمولي المؤثر إلى العمل الفردي ضعيف التأثير تحت شعار التخصصية عبر مجموعة وسيطة -مع العلم أن البعض ممن يمارس العمل فيها قد يدعي العكس من أنها محاولة للانتقال بالأفراد من الرؤية الفردية إلى المؤسسية، إلا أن النوايا وحدها لا تكفي مع ما ظهر بوضوح واقعيا-؛ ففكرة المجموعات الوسيطة تعتمد على اجتماع مجموعة من أصحاب الفن أو التخصص الواحد أو المتفقين على فكرة ما في مجال ما، معا في تجمع واحد حتى لو اختلفت مشاربهم الفكرية أو رؤيتهم الإصلاحية بغرض خدمة هذا الفن والتخصص أو تحقيق هذه الفكرة الجزئية.
وهذا النموذج قد ينجذب إليه عدد كبير من الشباب والفتيات تحت دعوى البحث عن التميز والتخصص؛ إلا أن سلبياته كبيرة جدًّا؛ حيث إنه يؤدي إلى:
1- التعصب للتخصص أو الفكرة الجامعة للمجموعة وتحقير كل المجهودات المبذولة من أي أحد خارج هذا الإطار، بل ومهاجمته وتسفيهه.
2- التنازع الفردي الذي يحدث بين رموز التخصص الواحد المختلفين فيما بينهم في أمور عدة أخرى والتنافس فيما بينهم على مقدار التأثير فيمن حولهم أو فيمن منهم أحق بالصدارة في هذا التخصص مما يزكي الحالة التنازعية أو التنافسية التراشقية داخل تلك المجموعة الوسيطة مع مرور الزمن مما يسهل هدمها.
3- الجمع بين رموز تيارات فكرية مختلفة كثيرة جدًّا داخل المجموعة الواحدة مما جمعهم التخصص أو الفكرة الجزئية يؤثر بشدة على تشوش الرؤية الإصلاحية عند الأفراد والشباب المتأثرين برموز هذه المجموعات، حيث إن الإعجاب بالحالة التخصصية يؤدي إلى الانبهار والتأثر ثم المتابعة والموالاة لتلك الرموز باختلاف مشاربهم الفكرية والتي تظهر آثارها بوضوح عند وقوع الفتن والمدلهمات في المجتمع؛ مما يؤدي إلى تحويل المجموعة الوسيطة إلى قنبلة موقوته أفرادها متنازعين فيما بينهم يتبع بعضهم رمز ما برؤيته الفكرية المختلفة، ويتبع آخرين رمز آخر برؤيته الأخرى المتباينة، ومن ثم يؤول الأمر إلى نموذج الفردية لكن بعد فترة من الزمن.
والجدير بالذكر هنا: أن ننبه على أن فكرة التخصصية هي فكرة رائعة -بلا شك- نافعة للأمة تُسد بها الثغور المطلوبة بلا شك، لكنها لا تحقق غرضها الكامل المراد إلا في إطار من الاصلاح المؤسسي المتكامل المبني على وضوح الرؤية الأيديولوجية الإصلاحية المتفق عليها عند الجميع، بعيدًا عن الفردية.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.