الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 01 أبريل 2024 - 22 رمضان 1445هـ

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة (1)

الرد على من زعم أن الجنة ليست حكرًا على المسلمين!

كتبه/ محمود أمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد زعم أحد مقدمي البرامج: أن الجنة ليست حكرًا على المسلمين، وهي كلمة رددها أكثر من شخص في الآونة الأخيرة من المسارعين في إرضاء الغرب، وممَّن يروج للدعوة إلى الدين الإبراهيمي، ومع وضوح المسألة وكونها من القطعيات؛ إلا أنه كان لزامًا دحض هذه الشبهة، وبيان ما يشكل على البعض فيها.

والرد عليه يكون من خلال ثلاث مُسَلَّمَات:

الأولى: (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة)، وهو نص حديث نبوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك فالقول بأن الجنة ليست حكرًا على المسلمين مصادم لنص هذا الحديث ومضاد له، وإن المرء ليتعجب! كيف ساغ للبعض أن يصادم النص الصريح إلى هذا الحدِّ؟!

فأما نص هذا الحديث، فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى بِالنَّاسِ: إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ) (متفق عليه).

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةِ أَدَمٍ، فَقَالَ: (أَلَا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، أَتُحِبُّونَ أَنَّكُمْ رُبُعُ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟) فَقُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ : (أَتُحِبُّونَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟) قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: (إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، مَا أَنْتُمْ فِي سِوَاكُمْ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ).

وعند الترمذي عَنْ زَيْدِ بْنِ أُثَيْعٍ، قَالَ: "سَأَلْتُ عَلِيًّا: بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ؟ قَالَ: بِأَرْبَعٍ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، وَمَنْ لَا مُدَّةَ لَهُ فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

إذًا فأنت ترى أن هذا مِن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد قاله في موضع البيان والإعلام في خطبته -صلى الله عليه وسلم- كما في رواية مسلم، وكان ذلك في مِنَى كما في الرواية التي في مسند أحمد: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى، وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةٍ حَمْرَاءَ، قَالَ: (أَلَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟) قُلْنَا: بَلَى. قَالَ : (أَلَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟) قَالُوا: بَلَى. قَالَ: (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، عَنْ قِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّاسِ يَوْمَئِذٍ: مَا هُمْ يَوْمَئِذٍ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ) (رواه أحمد بسند صحيح).

وفي رواية مسلم أنه أشهدهم على الإبلاغ بذلك فقال: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ).

قال النووي -رحمه الله-: "معناه: أن التبليغ واجب عليَّ وقد بلغت فاشهد لي به".

 وأمر بلالًا وعليًّا أن يناديا في الناس بذلك، وهاتان واقعتان مختلفتان فنداء بلال غير نداء علي؛ لأن نداء بلال بذلك كان في غزوة حنين، بينما كان نداء علي في الحَجَّة التي أمَّر فيها أبا بكر -رضي الله عنه- على الناس، وهذا ليعلم الناس جميعًا بذلك، وفيهم المشركون.

ونادى علي بذلك بصوت عالٍ حتى بح صوته كما في رواية النسائي قال: "فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي" (رواه النسائي، وصححه الألباني). وصحل أي: بح صوته.

وجاء في رواية ابن ماجه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب بذلك في الناس في حجة الوداع في خطبته أيام التشريق، فعن بِشْر بن سُحَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَقَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)

فهذه عدة مواضع مختلفة جاء فيها بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، منها خطبته في حجة الوداع في أيام التشريق، وأمر بلالًا أن ينادي بذلك في غزوة حنين، وأمر عليًّا أن ينادي بذلك سنة تسع في الحجة التي أمر فيها أبا بكر الصديق.

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل أبا بكر سنة تسع أميرًا على الناس في الحج، وكان المشركون إلى ذلك الوقت يحجون ويطوفون بالبيت عراة، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أن يعلمهم بنبذ العهود، وأنه لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وأنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن؛ فهذه كلمات أربعة أرسل بها أبا بكر ثم أتبعه عليًّا لينادي بنفس هذه الكلمات، فكان إذا عيي علي قام أبو بكر فنادى بها، كما في رواية الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا، فَبَيْنَا أَبُو بَكْرٍ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، إِذْ سَمِعَ رُغَاءَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقَصْوَاءِ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَزِعًا، فَظَنَّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، فَانْطَلَقَا فَحَجَّا، فَقَامَ عَلِيٌّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى: ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَرِيئَةٌ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَلَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ". وَكَانَ عَلِيٌّ يُنَادِي، فَإِذَا عَيِيَ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى بِهَا. (رواه الترمذي، وصححه الألباني).  

وبهذا نعلم أن هذا النداء أمر به أبو بكر أيضًا قبل علي، وأن النداء بأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة نودي به في الحج سنة تسع، ونادى به أبو بكر وعلي، وفي الحج سنة عشر خطبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك في حجة الوداع في خطبته أيام التشريق، وتكرار النداء به في الحج لعامين سنة تسع وسنة عشر في آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على تأكيده وأهميته.

ومعلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خص في خطبته في حجة الوداع الحديث عن أهم الأمور التي تحتاجها الأمة بعد وفاته، كما أن تكرار النداء به في الحج يدل على أن المقصود إعلام الجميع بذلك، والمراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (نفس مسلمة) أي: مؤمنة، كما هو مفسَّر بالرواية الأخرى في مسلم: (يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اذْهَبْ، فَنَادِ فِي النَّاسِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ) قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَنَادَيْتُ: "أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ" (رواه مسلم). وفي رواية عند النسائي: (إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ وكذلك في مسند أحمد.

فمَن لم يؤمن بالله ربًّا وإلهًا لا شريك له، لا يدخل الجنة؛ فأهل الجنة هم أهل التوحيد، وهم أهل لا إله إلا الله، وأما مَن عَبَد غير الله أو جعل معه شركاء؛ فهو مشرك لا يدخل الجنة.

ومن الإيمان بالله: الإيمان برسله، وكتبه؛ ولذلك مَن كفر بالأنبياء كفر بالله الذي أرسلهم، ومَن كفر بما أنزل الله من الكتب، كفر بالله -سبحانه وتعالى-.

ولذلك حكم الله في القرآن بكفر اليهود لما كفروا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، مع معرفتهم به وإخبار كتبهم بصفته، فقال -سبحانه وتعالى- عنهم: (‌وَلَمَّا ‌جَاءَهُمْ ‌رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (البقرة: 101).

قال ابن جرير الطبري: "فأخبر الله -جل ثناؤه- أن اليهود لما جاءهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الله بتصديق ما في أيديهم من التوراة، أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- نبي لله، (نَبَذَ فَرِيقٌ) يعني بذلك: أنهم جحدوه ورفضوه بعد أن كانوا به مقرين، حسدًا منهم له وبغيًا عليه" (تفسير الطبري).

وقال -سبحانه وتعالى-: (‌وَلَمَّا ‌جَاءَهُمْ ‌كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة: 89).

قال ابن جرير الطبري: "ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف -جل ثناؤه- صفتهم- (‌كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) يعني بـ"الكتاب" القرآن الذي أنزله الله على محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، (مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ) يعني مصدق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن" (تفسير الطبري).

فحكم الله عليهم بالكفر لما كفروا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وبالقرآن فقال: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ).

قال ابن جرير الطبري: "فخزي الله وإبعاده على الجاحدين ما قد عرفوا من الحق عليهم لله ولأنبيائه، المنكرين لما قد ثبت عندهم صحته من نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-. وفي إخبار الله -عز وجل- عن اليهود بما أخبر الله عنهم بقوله: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)، البيان الواضح أنهم تعمدوا الكفر بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بعد قيام الحجة بنبوته عليهم، وقطع الله عذرهم بأنه رسوله إليهم" (تفسير الطبري).

كما أن عيسى -عليه السلام- بَشَّر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا إلى الإيمان به، كما في قوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي ‌مِنْ ‌بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف: 6).

وقد حكم الله في كتابه بكفر النصارى؛ لأنهم قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، كما قال -تعالى- عنهم: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا ‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة: 72).

نقول هذا؛ حتى لا يدعي بعض أهل الزيغ والضلال أنه قد يكون أهل ملة أخرى في زماننا غير ملة الإسلام مؤمنين؛ لأنه معلوم أن كل الملل الأخرى لا تعبد الله وحده، بل إما تعبد غيره، أو أنهم يكفرون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبالقرآن، أو كلاهما معًا، وكل هذا من الكفر بالله -عز وجل-، ولا يسمى صاحبه مؤمنًا؛ ولذلك لا يصح أن يقال: "الجنة ليست حكرًا على المسلمين!"، ويقصد بذلك الملل الأخرى في زماننا؛ لأن كل الملل الأخرى غير الإسلام في زماننا على الشرك، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة.

وأما قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان هناك مؤمنون على التوحيد لا يعبدون إلا الله وحده، وهم أتباع الأنبياء: كأتباع موسى -عليه السلام- قبل تحريف التوراة، وأتباع عيسى -عليه السلام- قبل تحريف الإنجيل، فهؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرهم من أهل التوحيد سيدخلون الجنة؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق الذي عند مسلم: (إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ)؛ فدلَّ على أن أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدخلون الجنة وحدهم، بل يدخل الجنة أيضًا كلُّ مَن كان على التوحيد والإيمان مِن الأمم قبلهم، وإن كانت أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر أهل الجنة عددًا.

وأما بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يصح أن يدعي أحدٌ أنه متبع لنبي سابق؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بُعِث إلى الناس كافة، وشريعته ملزمة لجميع الثقلين إلى يوم القيامة.

 ولكن حتى قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصح أن يقال: "الجنة ليست حكرًا على المسلمين!"؛ لأن الإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين، وهو الدين المقبول عند الله وجميع الأنبياء جاءوا بالإسلام؛ لأن الإسلام هو إسلام الوجه لله، والخضوع والاستسلام، وعبادة الله وحده لا شريك له، فكل مَن يدخل الجنة هم أهل التوحيد وهم مسلمون (وهذه هي المسلمة الثانية، وسيأتي تفصيلها في مقال قادم -بإذن الله-).

ومن هنا تعلم أن قول مَن قال: "الجنة ليست حكرًا على المسلمين!" خطأ بإطلاق؛ سواء قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو بعد بعثته؛ لأن الإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين.