الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 14 فبراير 2024 - 4 شعبان 1445هـ

وقفات على طريق مواسم الخيرات (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

الغرض مِن الموعظة:

- إثارة الهمم وشحذ النفوس لاغتنام مواسم الخيرات، وتعميرها بالطاعات.

المقدمة:

- مواسم الخير لا تنقطع في الأمة الإسلامية وتتفاضل فيما بينها، وها هي قد أقبلت علينا بأفضلها وأعظمها: (رجب شهر حرام، ثم شعبان والاستعداد لرمضان، ثم رمضان، وما أدراك ما رمضان؟! فهل نحن مستعدون متأملون متدبرون لفضل هذه المواسم؟!).

- التذكير بفضل اغتنام مواسم الطاعات مِن خلال ثلاث وقفات مهمة:

الوقفة الأولى: بيان حكمة الله في تقلب الزمان وتفضيل بعض الشهور والأيام:

- جعل الله -سبحانه- لبعض الشهور والأيام والليالي فضلًا على بعض: قال الله -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:36)، وقال -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة:197)، وقال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة:185)، وقال: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:2)، وقال -تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر:3).

- جعل الله لكل موسمٍ وظيفة مِن وظائف طاعته: (صيام - حج - قيام - صدقة - أضحية - ... ): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ لِرَبِّكُمْ فِي أيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفحاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لهُا، لَعَلَّهُ أنْ يِصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْها فَلَا تَشْقَوْنَ بعْدهَا أبدًا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

- مِن ثمرات ذلك: (تنشيط النفوس بأنواع العبادات فلا تمل - استدراك ما فات في موسمٍ تالٍ - تجديد الإيمان في القلوب؛ لتتحصن مِن الأمراض الدنيوية الكثيرة)، قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان:62)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا اللهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ) (رواه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني).

الوقفة الثانية: بيان أهمية الوقت ووجوب عمارته بالطاعة، والحذر مِن ضياعه فيما لا فائدة فيه:

- عمرك كنزك وسلعتك الغالية؛ فلا تبعه برخص: قال -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ) (رواه البخاري).

- اسألوا المحتضرين والأموات عن قيمة الأعمال والأوقات: قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:99-100)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد مرَّ ببعض القبور: (رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُونَ وَتَنْفِلُونَ يَزِيدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ) (أخرجه ابن المبارك في الزهد، وصححه الألباني).

- أنت مسؤول عن الوقت والعمر مرتين يوم القيامة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- نماذج مِن حرص الصالحين على أوقاتهم وأعمالهم: قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما ندمتُ على شيءٍ، ندمي على يومٍ غربتْ شمسه اقترب فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي!". وقال الحسن -رحمه الله-: "أدركتُ أقوامًا كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه؛ كانوا يبخلون بالوقت أكثر مما يبخلون بالدرهم والدينار؛ لأن العمر إذا ضاع فات، ولن يُعوض، والدرهم إذا ارتحل يومًا يمكن أن تعوضه في يوم آخر".

الوقفة الثالثة: بيان استحباب الاستعداد للطاعات قبْل دخول زمانها:

- أمر الله بالمبادرة بفعل الخيرات والمسارعة إليها، ومدح أصحاب هذه الخصال: قال -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133)، وقال -تعالى-: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء:90).

- وبيَّن -سبحانه- أن الإعداد والاستعداد دليل على الصدق: قال الله -تعالى-: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة:46 )، وقال -تعالى-: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ . فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ . فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (التوبة:75-77)(1).

- نموذج ممَّن تأهبوا واستعدوا للخير قبْل حلوله: قال أنس بن النضر -رضي الله عنه- لما فاته يوم بدر: "لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين ما أصنع!"، ولما التقى بهم في "أُحد" طار بيْن صفوفهم يثخن فيهم ولا يبالي بما وقع في جسده، فلما أخذوه بعد مقتله وجدوا فيه أكثر مِن سبعين ضربة سيف، وطعنة رمح، ورمية سهم! وفي مثله قال -تعالى-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب:23).

- ومِن بركة الاستعداد المبكر للخير أن أجره مضمون إذا عَرَض عارض يمنع منه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلاَ وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ) (رواه البخاري).

خاتمة: عود على ذي بدء:

- مواسم الخير لا تنقطع في الأمة الإسلامية وتتفاضل فيما بينها، وها هي أقبلت علينا بأفضلها وأعظمها: (رجب شهر حرام، ثم شعبان والاستعداد لرمضان، ثم رمضان، وما أدراك ما رمضان؟! فهل نحن مستعدون متأملون متدبرون لفضل هذه المواسم؟!). 

فاللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مِن شواهد عدم الصدق: كون بعضهم إذا كان الأمر مِن شهوات الدنيا: "كالرحلات، والمصايف" تراه يعلن حالة الطوارئ في كل حياته قبْل الرحلة أو المصيف بزمنٍ طويلٍ، وأما إذا كانت في الطاعة والخير؛ فلا! وإنا لله وإنا إليه راجعون.