كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد دخلت القدس -ومعها الضفة الغربية وقطاع غزة- مرحلة جديدة من الصراع بعد أن احتلها اليهود خلال حرب يونيو 1967؛ فقد تزايد عدد المهاجرين اليهود إليها من دول العالم، مع تزايد بناء المستوطنات (المستعمرات) اليهودية، وصاحب ذلك تصاعد الاعتداءات اليهودية على الفلسطينيين.
ولتغيير التركيبة السكانية خاصة في القدس، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بهدم العديد من بيوت الفلسطينيين وطرد أهلها منها، والعمل على طمس المعالم الإسلامية والعربية فيها من خلال تحويل أسماء المناطق والشوارع إلى أسماء يهودية.
الآثار الإسلامية في القدس:
تزخر مدينة القدس القديمة بالآثار الإسلامية الكثيرة التي تشهد لها بهويتها الإسلامية، وتشهد أيضًا بمدى اهتمام المسلمين بهذه المدينة، ومعلوم أنه طوال قرون الحكم الإسلامي لفلسطين لم يتعرض المسلمون للآثار الدينية الأخرى، من كنائس ومزارات يقصدها زوار القدس وفلسطين منها، ومن خارجها مع منحهم حرية التنقل والصلاة والعبادة.
ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا الشأن أنه لا توجد أي آثار يهودية في مدينة القدس القديمة، هذا رغم ما قام به اليهود وغيرهم من العلماء والباحثين الأوروبيين والأمريكان من التنقيب عن الآثار التاريخية اليهودية في المدينة، والتي لم تسفر عن العثور عن أي شيء يذكر لليهود في القدس.
ومما هو متفق عليه أيضًا بين علماء الآثار أنه لا يوجد مكان معروف حتى الآن لهيكل سليمان المزعوم، فهو غير ثابت إلا ما ذكر عنه في كتب أهل الكتاب أنه بني مرتين، ودمر في المرتين، دمره في المرة الأولى (نبوخذ نصر) قبل ميلاد المسيح -عليه السلام-، ودمره في الثانية حاكم البلاد الروماني عام 70 بعد الميلاد.
ومن أشهر الآثار الإسلامية في المدينة القديمة:
- المسجد الأقصى الذي بناه يعقوب -عليه السلام- (أو إبراهيم -عليه السلام-)، وجدده سليمان -عليه السلام-، ثم أعاد بناءه الخليفة عمر بن الخطاب بعد اندثاره. وقد شهد المسجد أعمال ترميم وتجديد كثيرة عبر تاريخ المسلمين الطويل في القدس، خاصة في أعقاب ما كان يصيبه من زلازل وعواصف وأمطار. يبلغ طول المسجد من الداخل 80 مترًا وعرضه 55 مترًا، وهو في فناء واسع مرتفع عن الأرض. وللمسجد سبعة أروقة؛ رواق وسط، وثلاثة من جهة الشرق، وثلاثة من جهة الغرب، وترتفع الأروقة على 53 عمودًا من الرخام وعلى 49 سارية من الحجارة، وفي صدر المسجد قبة، وله 11 بابًا، وفي ساحته 25 بئرًا للماء، 8 منها في صحن الصخرة و17 في فناء الأقصى، وفيها من الماء ما يكفي سكان المدينة. وهناك أربع مآذن، وعدد من القباب والمصاطب، وتوجد به أيضًا أسبلة للشرب.
وقد ارتبط المسجد الأقصى بحياة المسلمين من خلال ما ورد في عظم ثواب الصلاة فيه على غيره من المساجد، غير المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد أسرى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المسجد الأقصى من المسجد الحرام بمكة، وفيه صلى بالأنبياء -عليهم السلام-، ومنه عرج به إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج كما ورد في القرآن الكريم، وفي أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه.
- مسجد قبة الصخرة، ويعد من أجمل المباني الإسلامية، حتى صارت صوره ترمز عند الكثيرين إلى القدس أكثر من المسجد الأقصى، وقد بناه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
- المصلى المرواني، وبناه الخليفة الأموي مروان بن الحكم.
- حائط البراق الذي يقع في الجهة الغربية من المسجد الأقصى، ويمثل السور الغربي للمسجد بطول 47 مترًا، وارتفاع 17 مترًا.
- الأوقاف الإسلامية: وتضم كل العقارات التي أوقفها المسلمون عبر التاريخ على المسجد من دور للأيتام، وحمامات، ودكاكين.
- الجوامع الإسلامية: وبلغ عددها 36 جامعًا، غير المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، منها 23 جامعًا خارج سور المسجد الأقصى وداخل المدينة القديمة، و7 جوامع خارج سور المدينة العتيقة؛ بالإضافة إلى العديد من الزوايا التي أعدت لاجتماع الصوفية والغرباء الذين ينزلون القدس من المسلمين فيها، وأيضًا لإطعام الفقراء داخل المدينة العتيقة وخارجها.
- المقابر الإسلامية: وهي عديدة، منها ما اندثر مع الزمان وكان مستعملًا فيما مضى، ومنها ما يزال قيد الاستعمال، ومن أشهرها: مقبرة (باب الرحمة) عند سور المسجد من الشرق، وفيها قبور عدد من الصحابة -رضوان الله عليهم- ممَّن شاركوا في الفتح العمري، ومقبرة (باب الساهرة) قرب باب الساهرة عند سور المدينة القديمة من الشمال. وقيل: إن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- دفن فيها المجاهدين الذين استشهدوا خلال فتح المدينة واستردادها من الصليبيين.
ومن المقابر المشهورة هناك: (مقبرة ماملا) أو (مقبرة مأمن الله)، والتي كانت تعد من أكبر المقابر الإسلامية وأقدمها في القدس القديمة، والتي صدر حظر دفن الأموات فيها عام 1927 لما اتسع العمران، وأصبحت المقبرة في وسطه.
تهويد القدس:
تشير الإحصائيات إلى أنه لم يبقَ خارج دائرة التهويد في مدينة القدس الشرقية إلا نحو 20 % منها؛ إذ إنه ما إن استولى اليهود على القدس الشرقية في يونيو 1967 حتى قاموا بعد أربعة أيام فقط من بداية الحرب وقبل صدور قرار بوقف إطلاق النار بنسف المنازل العربية قبالة الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق) بعد إمهال أهلها الفلسطينيين ثلاثة ساعات على الأكثر لمغادرتها، وتمت تسوية المكان بالأرض في حي المغاربة، وهو بكل ما فيه يعد من الممتلكات الإسلامية، فقام اليهود بضم أرض هذا الحي بعد هدمه إلى الساحة المقابلة لحائط البراق، وإعداد هذه الساحة لاستقبال الزوار من اليهود، بدعوى أن هذا الحائط هو الجزء المتبقي من هيكل سليمان أطلقوا عليه اسم :(حائط المبكي)، وربطوا زيارة هذا الحائط بشعائر يتعبدون بها.
وقد ترتب على هدم حي المغاربة هدم مسجد البراق والمسجد الأفضلي، وهدم 125 منزلًا، وطرد وتهجير 650 فلسطينيًّا. وخلال الفترة من عام 1968 إلى عام 1979 استولى اليهود على كل الممتلكات الإسلامية في حي المغاربة وتم توطين اليهود فيها، وتسميته بالحي اليهودي.
- في عام 1979 تم تشكيل (جمعية تجديد الاستيطان في مدينة القدس) والتي تهدف إلى امتلاك العقارات في الأحياء العربية المجاورة للمسجد الأقصى في قلب المدينة، وتوطين أسر يهودية في وحدات سكنية يتم إنشاؤها لهم فيها، وقد نال هذا الاتحاد اعتراف الحكومة الإسرائيلية في عام 1985.
- اتبعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة مصادرة أراضي الفلسطينيين بحجج واهية، حيث صادرت أكثر من 33% من مساحة القدس الشرقية، وجمدت 40 % أخرى، وبنت فيها 27 مستوطنة يهودية، كما صادرت 6 % أخرى لشق طريق يربط بين هذه المستوطنات بعضها ببعض.
وقد امتدت بذلك السيطرة الإسرائيلية إلى 73% من القدس الشرقية مما أوجد تغييرًا ديموجرافيًّا (سكانيًّا) لصالح اليهود فيها، وتخلل ذلك قيام بعض اليهود باحتلال مساكن للفلسطينيين في الأحياء العربية بالقوة بدعوى أنها غير مرخصة من السلطات الإسرائيلية.
- في يناير 1976 أصدرت محكمة إسرائيلية في القدس قرارًا يأذن لليهود بالصلاة في ساحة المسجد الأقصى؛ مما شجَّع على اقتحام المستوطنين اليهود لساحة المسجد من جهة باب المغاربة والمطالبة بإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم في ساحة المسجد.
إدانة الأمم المتحدة لتهويد القدس:
خصت الأمم المتحدة ممارسات سلطات الاحتلال لتهويد القدس الشرقية بقرارات إدانة كثيرة، والتي قابلتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالتجاهل التام، وضربت بها كلها عرض الحائط، ومنها:
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 250 لعام 1968 في 27 أبريل 1968 الذي يطالب إسرائيل بالامتناع عن إقامة العرض العسكري المزمع إقامته في القدس باعتبارها أرض محتلة. وقد تلاه القرار رقم 251 في إبداء أسف الجمعية العامة العميق على إقامة العرض العسكري في القدس رغم قرار المنع الدولي!
- قرار رقم 252 في 21 مايو 1968، وفيه دعوة إسرائيل إلى إلغاء جميع إجراءاتها لتغيير وضع القدس المحتلة باعتبارها إجراءات باطلة.
- قرار رقم 267 في 3 يوليو 1969 وفيه دعوة إسرائيل مجددًا إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس.
- قرار رقم 271 في 15 سبتمبر 1969 الذي يدين إسرائيل بسبب حريق المسجد الأقصى في يوم 21 أغسطس 1969، ويدعو مجددًا إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس.
- قرار رقم 298 في 25 سبتمبر 1971 الذي يأسف فيه مجلس الأمن لعدم احترام إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بإجراءاتها لتغيير وضع القدس الشرقية.
- قرار رقم 452 في 20 يوليو 1979 الذي يطالب فيه مجلس الأمن سلطات الاحتلال الإسرائيلية بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
- قرار رقم 672 في 12 أكتوبر 1990 الذي يدين أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الأمن الإسرائيلية في 8 أكتوبر 1990 في حرم المسجد الأقصى، مما أسفر عن مقتل ما يزيد عن 20 فلسطينيا، وعن إصابة ما يزيد عن 150 آخرين من المصلين فيه.
وبالرغم أن كل القوانين والأعراف الدولية تمنع من ضم أراضي الغير أو الاستيلاء على ممتلكات الغير بالقوة، فقد أصدر الكنيست الإسرائيلي في 20 يوليو عام 1980 قرارًا يقضي بأن القدس المحتلة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل.
تم ذلك كله في ظل تغاضٍ من الدول الغربية عن كل هذه الممارسات الإجرامية المتكررة والمتعمدة، وفي ظل حماية ودعم أمريكي معلن، وفي مقابل تراخ يثير الاستغراب من الحكومات العربية والإسلامية التي اكتفت -وما زالت تكتفي- بالشجب والاستنكار في المحافل الدولية، دون أي إجراءات فعالة وجادة على أرض الواقع تواجه بها الخطوات العملية التي لا تتوقف من اليهود في فلسطين المحتلة.
القدس الموحدة:
هو اسم أطلقه الصهاينة على القدسين: القدس العربية (الشرقية) والقدس اليهودية (الغربية) معًا؛ إذ إنه بعد حرب 1948 أنشأت القدس الغربية في فلسطين المحتلة لتستوعب اليهود المهاجرين إلى فلسطين، في الوقت الذي كانت القدس الشرقية يقطنها الفلسطينيون من قبل، وتضم القدس الشرقية القدس العتيقة إلى جانب الأحياء التي أقامها الفلسطينيون خارج سور المدينة القديمة، وكانت القدس الشرقية تحت الإدارة الأردنية. وبعد احتلال اليهود للقدس الشرقية في حرب يونيو 1967 كثف اليهود من تواجدهم في القدس الشرقية، ثم قاموا بتوحيد القدسين الغربية والشرقية معًا تحت مسمى واحد هو: (القدس الموحدة)، تمهيدًا لإعلانها عاصمة لدولة إسرائيل، في مخالفة صريحة للقوانين الدولية.
القدس الكبرى:
هي القدس الموسعة التي تدخل فيها المستوطنات (المستعمرات) الإسرائيلية، والتي اعتبرت من قبل سلطات الاحتلال جزءًا من مدينة القدس، في مخطط لمحو الهوية العربية والإسلامية لمدينة القدس، عن طريق زيادة المساحات التي يمتلكها اليهود في المدينة، وزيادة أعداد اليهود فيها، فيتحول اليهود في المدينة من أقلية إلى أغلبية، بينما تصبح مساحة الأرض التي يعيش عليها الفلسطينيون صغيرة، يتناقص تدريجيًّا عدد السكان الفلسطينيين فيها فيتحولون من أغلبية إلى أقلية.
إن مخطط تهويد القدس وزيادة الاستيطان فيها لا يتوقف، بل يتزايد بلا هوادة رغم كل الاحتجاجات الفلسطينية ومصادمات الفلسطينيين مع قوات الاحتلال، ورغم كل الإدانات والقرارات الدولية المنددة بكل ما من شأنه تغيير الأوضاع في القدس؛ خاصة وأن الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو 1967 هي أراضي عربية محتلة، ورغم اتفاق إسرائيل في (أوسلو) مع السلطة التنفيذية الفلسطينية على خضوع القدس للمفاوضات النهائية بين الطرفين، وبالتالي لا يجوز التصرف فيها بأي تصرفات أحادية غير متفق عليها من طرفين، وما هذا كله إلا لأن إسرائيل لا تجد الرادع الذي يتصدى بقوة لبلطجتها وأطماعها الاستعمارية العنصرية.
جماعة أمناء الهيكل:
يزعم اليهود أن سليمان -عليه السلام- وهو عندهم ملك من ملوك بني إسرائيل لا نبي من أنبيائهم، بنى هيكلًا لذبح وتقديم القرابين، ويدعي اليهود كذبًا وزورًا أن مكان الهيكل هو مكان المسجد الأقصى، وعليه يريدون هدم المسجد لإعادة بناء الهيكل المزعوم مكانه؛ لذا تقوم جماعة (أمناء الهيكل) التي أسست لهذا الأمر بعمل حفريات بحثًا عن بقايا الهيكل المزعوم، وقد بدأت الحفريات في البيوت والمدارس في وحول منطقة المسجد، ثم سرعان ما امتدت منذ عام 1968 إلى أسفل أساس المسجد الأقصى.
وجماعة أمناء الهيكل جماعة يمولها مليونير أمريكي من المسيحيين الأصوليين الموالين للصهيونية ممن يعتقدون في نبوءة تزعم أن المجيء الثاني للمسيح سيعقب قيام دولة لليهود في فلسطين وإعادة بناء هيكل سليمان؛ لذا فهم يدعمون حاليًا بكل قوة مادية ومعنوية الصهيونية العالمية ودولة إسرائيل وفكرة إعادة بناء الهيكل، ويروجون لنبوءتهم المزعومة، وقد بنت هذه الجماعة مدرستين قرب حائط البراق لتدريب طلاب من اليهود على شعائر تعبدية خاصة بالهيكل، بل وقامت بوضع حجر أساس للهيكل المزعوم في عام 1989 في احتفالية دينية قامت بها جماعة الهيكل وبمساندة من المؤسسات الدينية في إسرائيل، بل وتولت تصميم نماذج للهيكل المزعوم ونشرها.
وقد قامت هذه الجماعة بحفر نفق طويل وعميق تحت المسجد الأقصى، وأنشأت بداخله معبدًا يهوديًّا، وأقامت حوله مدارس دينية وكنس (معابد) يهودية لصبغ المكان بالصبغة اليهودية، رغم قرارات الإدانة الدولية لهذا التهويد المستمر للأرض المحتلة، وما زالت إسرائيل مستمرة في عمليات الحفر تحت المسجد الأقصى والتي صارت تهدد وبصورة متزايدة بقاء المسجد الأقصى وتنذر بقرب انهياره.
وقد حاول أحد اليهود الصهاينة المتطرفين إحراق المسجد الأقصى في 21 أغسطس 1969، مما تسبب في إحراق منبر صلاح الدين الأيوبي الأثري، واشتعال النار في سطح المسجد الجنوبي وسقف ثلاثة من الأروقة، وكادت أن تأتي الحرائق على قبة المسجد، وقد أعقب هذا العمل الإجرامي صدور قرار إدانة لإسرائيل من مجلس الأمن، وقد أعلنت سلطات الاحتلال أن الشاب الذي قام بحرق المسجد سيقدم للمحاكمة ثم ادعت أنه معتوه، وأطلقت سراحه بعد ذلك.
إن السعي لهدم المسجد الأقصى لإقامة هيكل سليمان عقيدة يتبناها الصهاينة، ويوافقهم عليها ويشاركهم فيها ملايين من النصارى البروتستانت الإنجيليين خاصة في أمريكا، وقد تكونت هناك الكثير من الجمعيات الصهيونية والبروتستانتية التي تبشر بذلك وتدعو له، وقد جمعت الأموال الضخمة من رعاياها لتمويل ودعم وتنفيذ فكرة هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم، وهي تؤيد وتدعم تهويد القدس إعلاميًّا وسياسيًّا، وقد امتد نشاط أتباع هذا المعتقد ليشمل من لهم نفوذ قوي في السياسة الأمريكية في الحزب الجمهوري وفي اليمين الأمريكي المحافظ.
ومن أشهر هذه الجمعيات والمؤسسات:
- مؤسسة جبل الهيكل المسيحية الأمريكية: أسسها المليونير (تيري ريزنهوفر)، الذي قدَّم تبرعات بمبالغ كبيرة لمنظمة الهيكل المقدس اليهودية، بغرض العمل على تحقيق النبوءة المزعومة بشأن بناء الهيكل الثالث، وتساهم هذه المؤسسة في بناء المستوطنات الصهيونية، بداية من توفير الأراضي اللازمة إلى دعم مشروع إعادة الهيكل.
- السفارة المسيحية في القدس: أنشأتها الطائف الإنجيلية عام 1980 في القدس، وتتبعها 15 قنصلية في أمريكا، وتقوم بأنشطة للدعاية لصالح إسرائيل في وسائل الإعلام، وتقوم كذلك بتشجيع الأمريكيين على زيارة الأماكن اليهودية في فلسطين بزعمهم، وتقديم الخدمات السياحية لهم، وقد أعدت شريطًا مصورًا يتضمن مخطط إعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى.
- هيئة المائدة المستديرة الدينية: وتضم الهيئة عددًا من المنظمات ذات التوجه اليميني، ولها نشاط في غاية السرية لدعم وتأييد إسرائيل لدى اليمين المسيحي الأمريكي.
- منظمة الأغلبية الأخلاقية: تأسست عام 1979، لها توجه ديني سياسي، ولها برنامج إذاعي لمدة ساعة يوميًّا باسم: (ساعة الإنجيل) تبثه مئات المحطات الإذاعية في أنحاء العالم، كما لها مجلة دورية باسم: (صوت النصرانية)، وتنظم رحلات دورية إلى الأراضي اليهودية -بزعمهم- في فلسطين.
- فريق الصلاة لأورشليم، وهي منظمة تؤمن بنبوءة إعادة بناء الهيكل؛ لذا تقدم الدعم لتهويد القدس وتراه واجبًا دينيًّا.
- مؤسسة التعاون اليهودي المسيحي.
تزايد الاعتداءات على المسجد الأقصى والجهر بالمطالبة في المشاركة عليه:
شهدت العقود الماضية خطوات عديدة للاستيلاء والسيطرة على المسجد الأقصى من المستوطنين المتطرفين، رغم مخاوف قادة الحكومات الإسرائيلية من رد فعل العالم الإسلامي والعربي، وإن بدأ هذا التخوف يتلاشى ليتحول إلى تغاض متعمد عن ممارسات هؤلاء المستوطنين، بل وإلى تشجيع وحماية لهم، مما يعد إنذارًا واضحًا لكل ذي عينين عن طبيعة التوجه الحالي سياسيًّا وشعبيًّا في إسرائيل نحو تحقيق الأطماع الصهيونية في هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، فلم يعد الأمر مجرد نية وأمنية فقط، بل قطعت الأشواط نحو التنفيذ المتدرج واقتربت معه من خطوته الأخيرة.
ولقد شهد المسجد الأقصى محاولات كثيرة لفرض المشاركة اليهودية في المسجد على الفلسطينيين، ومنها:
- فتح نفق إسرائيلي تحت بناء المسجد الأقصى في عام 1996، والاعتداء بالقوة على المتظاهرين الفلسطينيين المحتجين على فتحه؛ مما أسفر عن استشهاد 14 فلسطينيًّا وجرح العشرات، ويسعى اليهود إلى بناء مجمع سياحي وتجاري في ساحة حي المغاربة لتشجيع زيارة اليهود للمكان وجلب الأنظار إليه.
- إصدار فتوى تحث اليهود على الحج إلى جبل الهيكل -حيث المسجد الأقصى- رغم مخالفة تلك الفتوى لما عليه الشريعة اليهودية من منع عامة اليهود سوى الكاهن الأكبر من زيارة جبل الهيكل قبل تطهيره برماد البقرة الحمراء المقدسة عندهم خشية وطء أقدام اليهود مكان قدس الأقداس من الهيكل المزعوم الذي تم تدميره منذ أكثر من 1900 سنة. والغرض من تلك الفتوى: التمهيد لإدخال اليهود لساحة المسجد الأقصى ومشاركة المسلمين فيه تمهيدا للاستيلاء عليه.
- اقتحام الإرهابي المتطرف (شارون) زعيم المعارضة وقتها، ومعه طائفة من اليهود المسجد الأقصى بالقوة في عام 2000، في خطوة لحث اليهود على اقتحام المسجد الأقصى عنوة، وكان ذلك في حماية 1500 من قوات الأمن الإسرائيلي في استفزاز واضح للفلسطينيين المتواجدين بالمسجد الذين قاموا بالتصدي لبلطجة شارون، فوقعت اشتباكات عنيفة أسفرت عن استشهاد 6 من الفلسطينيين، وهو الحدث الذي أدى إلى اندلاع انتفاضة الأقصى في الضفة الغربية وغزة عام 2000م.
- سماح المحكمة العليا في إسرائيل في عام 2001 م لحركة أمناء الهيكل بوضح حجر الأساس للهيكل الثالث قرب باب المغاربة في القدس القديمة.
- تطبيق برامج خاصة في تربية الماشية بغرض إنتاج البقرة الحمراء التي يشترط كما في معتقداتهم ظهورها وذبحها لتطهير أرض الهيكل برمادها بعد حرقها قبل بناء الهيكل، كما في العهد القديم سفر العدد الإصحاح 19؛ إذ يعتقد الكثير من اليهود أن التطهير لا يكون إلا بذبح بقرة أنثى حمراء خالصة لا عيب فيها يكون عمرها ثلاثة أشهر كاملة؛ ولهذا فتوجد في مستوطنة (بيت شلومو) الإسرائيلية مزرعة لتربية الأبقار فيها معهد لإجراء بحوث وراثية تتعلق بالتوصل إلى إنتاج بقرة حمراء خالصة، وكذلك في ولاية (لويزيانا) بأمريكا يجري أيضًا إعداد أعداد من الأبقار الحمراء، لنقلها بعد ذلك إلى إسرائيل.
- استغلال عمليات الحفر والتنقيب عن الآثار التاريخية اليهودية حول وتحت المسجد الأقصى لإضعاف أساسات المسجد ليسهل هدمه أو ينهار ويسقط من تلقاء نفسه في أي وقت.
- إجراء التدريبات الواسعة لآلاف من قوات الأمن والجيش الإسرائيلي المزودة بسيارات وآليات خاصة على اقتحام المسجد الأقصى والسيطرة عليه والتصدي للمصلين فيه والمعتكفين، وهي تدريبات تشير بوضوح إلى التمهيد للاستيلاء على المسجد الأقصى.
- تحويل جوانب من الساحات حول المسجد الأقصى إلى كنس (معابد) يهودية ومدارس دينية، لصبغ منطقة المسجد الأقصى بالصبغة اليهودية تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم مكانه.
- قيام بعض اليهود المتطرفين بإعداد كسارة حجارة خاصة كي ينتج منها مواد لبناء الهيكل، حيث إن من مواصفات الهيكل المزعوم عندهم أن يبنى من عناصر طبيعية لم تمسسها مطرقة أو أزميل.
- جمع وتكديس بعض اليهود المتطرفين كميات كبيرة من المواد المتفجرة في الحي اليهودي بجوار المسجد الأقصى استعدادا لاستعمالها في تفجير وهدم المسجد عند اتخاذ القرار بذلك (راجع في ذلك: (هيكل سليمان: خلاص أم هلاك اليهود؟ عاصم بسيوني، ص 77 - 82).
- سعي اليمين الإسرائيلي مع الحركات الاستيطانية إلى تقسيم المسجد الأقصى تقسيمًا زمانيًّا، يكون فيه للمسلمين أيامًا للصلاة ولليهود أيامًا، أو تقسيمًا مكانيًّا يكون بتقسيم المسجد وساحاته إلى منطقتين: إحداهما عربية، والأخرى لليهود، كما هو في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، كحل نهائي يكون بموجبه لليهود موطئ قدم في مدينة القدس القديمة ويمكنهم إقامة هيكلهم المزعوم. وعليه فقد سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلية حاليًا لليهود باقتحام ودخول ساحات المسجد الأقصى بصورة يومية في حراسة قوات الاحتلال، مع استغلال الأعياد والمناسبات الدينية اليهودية لفرض ذلك، مع بدء العمل في إنشاء جسر حديدي عند باب المغاربة تستكمل به البنية التحتية اللازمة لتقسيم المسجد الأقصى.
- قصر الصلاة في المسجد الأقصى في كثير من الأوقات على الشيوخ وكبار السن من الفلسطينيين، فيمنع من أعمارهم أقل من 45 عامًا من دخول المسجد، ويضيق على رواد المسجد تارة بمنع الصلاة فيه، بالكلية وتارة بمنع الأذان، وتارة بوضع البوابات الإلكترونية ونقاط التفتيش، واعتقال مَن شاءوا، وتارة باقتحام المستوطنين لساحات المسجد في حراسة قوات الاحتلال لإقامة شعائر لهم أو احتفالات دينية والتجول فيها غير مبالين بحرمته وكونه خاص بالمسلمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.