كتبه/ أحمد شهاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فأوقات شدة الضغوط هي غالبًا -للأسف- الأوقات المثلى للقرارات الخطأ، ومن المحزن جدًّا أن يتخذ الإنسان قرارات مصيرية -دينية أو دنيوية- في وقتٍ تشوش ذهنه بتلك الضغوط، فتجد الشاب مثلًا محاصرًا بضغوط مالية واحتياجات حياتية، أو بنزاعات شخصية مع أقرانه، أو مشكلات عائلية، أو خدمة عسكرية، أو البحث عن وظيفة، أو زوجة، وغير ذلك من الظروف، ثم في كل ذلك هو محاط بفتن الشهوات والشبهات مع ضعف التغذي بالوحي والتحصُّن بالعبادة والعلم.
فهل من الفطنة في ذلك الوقت وفي تلك الظروف أن يقرر وحده ومنفردًا، قرارًا مصيريًّا يتعلَّق بعمل أو أسرة، أو أماكن أو أشخاص؛ فضلًا عن أن يتراجع عن منهج أو ينتكس عن طريق، أو يتوقف عن عمل، بل وينطلق في تكوين قناعاتٍ جديدةٍ متصلِّبًا حولها، محوِّلًا الخلافات والظروف الشخصية والاجتماعية إلى أفكار ومواقف منهجية؟!
ألم يأمر الشرع ألا يقضي القاضي وهو غضبان -وعليه قاس الفقهاء كثيرًا من الصور التي فيها تشويش للفكر، وتأثير على كمال الحكمة، والتفكير والعقل-؟!
ألم يعاتب الله رسولًا من رسله في تعجلٍ في حكم في قضية بين خصمين؟!
ومِن أخطر تلك الأحكام: ما يتعلَّق بالفكر والمنهج، وما يتعلق بقضية الإنسان في حياته وأهدافه وأولوياته، والقرار في ظل تلك المشوشات والضغوط لا يسلم فيه المرء من اتباع للهوى، وهما طريقان: طريق الرسول والوحي، وطريق النفس والهوى، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص: 50)؛ فإما هدى، وإما هوى.
فاللهم اجعلنا هوانا تبعًا لوحيك، وما جاء به نبيك -صلى الله عليه وسلم-.
وعلى الأقل فليدرك الإنسان خطورة القرارات في تلك الأوقات، وأنها كثيرًا ما تكون إلى الخطأ أقرب منها إلى الصواب، ولا يستسلم لسلسلةٍ من الخواطر المضللـة، والعواطف المتقلبة؛ فيقع أسيرًا لها ثم يندفع في مسار غير صحيح، وقرار غير حكيم.
إن إدراك الإنسان لتلك الحقيقة يجعله يتوقف مليًّا ويتأنى في قراراته في أوقات الضغوط ولحظات التشوش، أو -على الأقل- يراجع نفسه فيها كثيرًا.
وبالطبع لا يُفهم من ذلك ألا نرجع عن الغلط، وألا نصحح الخطأ، بل الرجوع إلى الحق واجبٌ متى استبان، والتحسين والتصحيح والإصلاح عملية مستمرة دائمة ما دامت الحياة الدنيا، لكن فقط نريد أن نتبيَّن ونتأكَّد، ونتثبت دون تسرع وخفة، وطيش وعجلة، ثم لنحرص جميعًا على الاستشارة، فاستشر مَن تثق بعلمه وديانته، ممَّن ترى فيه القوة والأمانة، وترجو فيه الورع والحكمة، وأخيرًا: استخر، ففي الاستشارة والاستخارة -مع صدق النية- حصن حصين.
وتمهل كثيرًا، وتأنَّ؛ حتى لا تندم، فالتأني من عوامل الأمان والمساعدة على النجاة عند المزالق والمنعطفات، فلا تتسرع في التقلب في قناعاتك؛ فضلًا عن التعبير عن ذلك بألفاظك وأحوالك، والكلمات إذا خرجت لا يمكن إعادتها.
ونكرر: على النابل أن يتأنى، فإن السهم إذا غادر القوس لا يعود إليه أبدًا.
والخلاصة: لا تتخذ قرارات مصيرية غير محسوبة، وفي أوقات غير مناسبة، ولا تحول الضغوط والأهواء إلى مواقف وقناعات.
وسيبقى الصدق يهدي إلى البر؛ صدق القول وصدق الحال.
فاللهم اجعلنا من الصادقين، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.