الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 02 فبراير 2023 - 11 رجب 1444هـ

الكبائر (6) السحر (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- السحر من أكبر الكبائر، وأشنع الجرائم؛ لما له مِن أثر عظيم في إفساد حياة الناس(1): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ...) (متفق عليه).

السحر وأنواعه:

- السحر تعاون فاجر بين الساحر والشياطين على فعل المحرمات والشركيات؛ للإضرار بالمسحور: قال ابن قدامة -رحمه الله: "وهو عُقَدٌ ورُقًى، وكلامٌ يتكَلَّمُ به -الساحر- أو يكتُبُه أو يَعمَلُ شَيئًا يؤثِّرُ في بَدَنِ المسحورِ أو عَقْلِه أو قَلْبِه، من غيرِ مُباشَرةٍ؛ وله حقيقةٌ، فمِنه ما يَقتُلُ، ومنه ما يُمرِضُ، ومنه ما يأخُذُ الرَّجُلَ عن امرأتِه، ومنه ما يُفَرِّقُ بين المرءِ وزَوجتِه، ومنه ما يُبَغِّضُ أحَدَهما إلى الآخَرِ، ويحَبِّبُ بين اثنينِ" (المغني لأبن قدامة).

- السحر على نوعين في الجملة:

- الأول: سحر التخييل، وهو: الذي يؤثِّر على الأبصار ويأخذ العيون: قال -تعالى- عن سحرة فرعون: (قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (الأعراف: 105)، وقال -تعالى- عن نبيه موسى -عليه السلام-: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى?) (طه: 66).

- الثاني: سحر العقد والنفث والتعاويذ، وهو: الذي يؤثر على الأبدان والعقول والقلوب(2): قال -تعالى-: (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) (الفلق: 4)، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "سَحَرَ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ مِن بَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ له: لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ، حتَّى كانَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه كانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وما فَعَلَهُ(3)، حتَّى إذَا كانَ ذَاتَ يَومٍ -أوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ- وهو عِندِي، لَكِنَّهُ دَعَا ودَعَا، ثُمَّ قَالَ: (يَا عَائِشَةُ، أشَعَرْتِ أنَّ اللَّهَ أفْتَانِي فِيما اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أتَانِي رَجُلَانِ، فَقَعَدَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأْسِي، والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أحَدُهُما لِصَاحِبِهِ: ما وجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَن طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ، قَالَ: في أيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: في مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ، وجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: وأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: في بئْرِ ذَرْوَانَ)، فأتَاهَا رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في نَاسٍ مِن أصْحَابِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: (يا عَائِشَةُ، كَأنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، أوْ كَأنَّ رُؤُوسَ نَخْلِهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ)، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أفلا اسْتَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: (قدْ عَافَانِي اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أنْ أُثَوِّرَ علَى النَّاسِ فيه شَرًّا، فأمَرَ بهَا فَدُفِنَتْ) (متفق عليه).

حكم السحر والسحرة:

السحر كفر بالله، والساحر كافر(4)؛ لأنه يوهم الناس أنه قادر على النفع والضر، فهو منازع لله في ربوبيته: قال -تعالى-: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى? مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَ?كِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى? يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ) (البقرة: 102)، وقال -تعالى- عن مصير الساحر: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ) (البقرة: 102).

- والساحر مستحق للقتل عند عامة أهل العلم؛ لا سيما إذا كان يتقرب إلى الشياطين(5): فعن بجالة بن عبدة قال: "فأتانا كتابُ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُ- قبلَ موتِه بِسَنةٍ: اقتلوا كلَّ ساحرٍ وساحرةٍ، فقتلنا ثلاثةَ سواحرَ" (رواه أبو داود، وأحمد، والبخاري باختلافٍ يسيرٍ).

- فليحذر المسلم من إتيان السحرة لإيذاء الناس، أو ليطلب منهم قضاء الحاجات، فهو ظلمات بعضها فوق بعض: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) (الأحزاب: 58)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ سَاحِرًا أَوْ كَاهِنًا فَسَألَهُ فَصَدَّقَهُ بِماَ يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) (رواه أبو داود، وقال الألباني: "صحيح موقوف").

كيفية الوقاية من شر السحر والسحرة؟

1- حسن التوكل على الله: قال -تعالى-: (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة: 102)، وقال -تعالى-: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51)، وقال -تعالى-: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) (يونس: 107).

2- التوبة من المعاصي والكبائر: قال -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى: 30)، وقال العباس -رضيَ اللهُ عنهُ- في دعائه في الاستسقاء: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة" (رواه الترمذي، وأحمد، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وهو ضعيف الإسناد).

3- المحافظة على قراءة أذكار الصباح والمساء، فهي حصن من الشياطين: ففي حديث يحيى بن زكريا: (وآمُركم أن تَذكُروا اللهَ؛ فإنَّ مَثلَ ذلك كمَثلِ رجلٍ خرَج العدوُّ في أثَرِه سِراعًا حتَّى إذا أتى على حِصنٍ حَصينٍ، فأحرَز نفسَه منهم، كذلك العبدُ لا يُحرِزُ نفسَه مِن الشَّيطانِ إلَّا بذِكْرِ اللهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).  

4- الإكثار من قراءة سورة البقرة في البيوت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ) (رواه مسلم).

5- أكل سبع تمرات صباحًا قبل أن يأكل أو يشرب شيئًا: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن تَصَبَّحَ كُلَّ يَومٍ سَبْعَ تَمَراتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرَّهُ في ذلكَ اليَومِ سُمٌّ ولا سِحْرٌ) (متفق عليه).

خاتمة:

- التحذير من المعالجين والراقين الجهلة؛ فضلًا عن الدجالين والمشعوذين الذين يعالجون بالسحر: عن جابرِ بنِ عبداللَّه -رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: سُئِلَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عنِ النُّشرةِ(6)، فقالَ: (هوَ من عَملِ الشَّيطانِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

فاللهم احفظ المسلمين من شرِّ السحر والسحرة، وجنِّبهم إتيان السحر والسحرة إنك أنت العزيز الحكيم.

والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فكم من أرحام تقطعت وتفككت بأثر سحر وعمل ساحر، وكم من محبة حميمة انقلبت إلى عداوة وضغينة بأثر سحر وعمل ساحر، وكم من نفوس أُمرضت وعانت من المرض زمانًا طويلًا بأثر سحر وعمل ساحر، وكم من عروس أُخِذ عن عروسه ليلة زفافه وذهبت فرحته بأثر سحر وعمل ساحر، بل كم مِن نفوس أزهقت ودماء سالت بأثر سحر وعمل ساحر، وكم وكم وكم! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

(2) ومنه: التفريق بين الأزواج، ومنع الرجل من وطء زوجته، والإصابة بالجنون والأمراض، بل ويصل إلى القتل وإزهاق النفوس!

(3) قال النووي في شرح مسلم: "وقد قيل إنه كان يتخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ. وقال القاضي عياض: وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلَّط على جسده وظواهر جوارحه، لا على عقله وقلبه واعتقاده -صلى الله عليه وسلم-".

(4) ولا يحسن التفصيل في خلاف العلماء هنا، فالمقام مقام وعظ وترهيب.

(5) ومن صور تقرِّبهم إلى الشياطين، مثل: (تلويث المصحف بالنجاسات، أو إلقاؤه في المزابل وأماكن قضاء الحاجة - أو جعل المصحف كالنعل في قدميه - وكبقائهم على الجنابة دائمًا - والإكثار من الزنا والفواحش - إلخ)؛كل ذلك تقربًا إلى الشياطين! نعوذ بالله من الكفر والضلال.

(6) النشرة: من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يُظن أن به مسًّا من الجن أو به سحر ونحوه، فإذا كانت بالآيات القرآنية والأسماء والصفات الربانية، والدعوات النبوية المأثورة، فلا بأس بذلك؛ وأما إذا كانت مشتملة على أسماء الشياطين، أو بكلام غير مفهوم فلا يجوز ذلك، وهي مقصود النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (هوَ من عَملِ الشَّيطانِ).