الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 03 أغسطس 2022 - 5 محرم 1444هـ

الدروس المستفادة من سورة الفاتحة

كتبه/ سعيد السواح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فسورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن، وهي السورة التي يفتتح بها المصحف، وفي ذلك إشارة إلى أهميتها ومكانتها وعظمتها.

وهذه السورة مشتملة على كل المعاني التي جاء بها القرآن، فجاءت هذه المعاني في سورة الفاتحة مجملة، وتفصيل معانيها جاءت بَيّنة مُفَصّلة في آيات القرآن الكريم، ويكفي في بيان مقامها ما رواه بن عباس رضي الله عنهما قال: "بيْنَما جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِن فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقالَ: هذا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليومَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَنَـزَلَ منه مَلَكٌ، فَقالَ: هذا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الأرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَسَلَّمَ، وَقالَ: أَبْشِرْ بنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بحَرْفٍ منهما إلَّا أُعْطِيتَهُ".

أسماء سورة الفاتحة:

سورة الفاتحة لها أسماء عديدة، كل أسم من أسمائها يدل على معنى، فمن أسماء الفاتحة: (أم الكتاب، الرقية، السبع المثاني، الصلاة).

- أم الكتاب (أم القرآن): لأن المصاحف تفتتح بها، وكذلك القرآن يدور على ما تشتمل عليه هذه السورة من المعاني، فكل المعاني التي اشتمل عليها القرآن وجاءت مفصلة ومبينة في آياته اشتملت عليها الفاتحة بصورة مجملة.

- الرقية: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أنَّ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كَانُوا في سَفَرٍ، فَمَرُّوا بحَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ، فَقالوا لهمْ: هلْ فِيكُمْ رَاقٍ؟ فإنَّ سَيِّدَ الحَيِّ لَدِيغٌ، أَوْ مُصَابٌ، فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: نَعَمْ، فأتَاهُ فَرَقَاهُ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِن غَنَمٍ، فأبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقالَ: حتَّى أَذْكُرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرَ ذلكَ له، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، وَاللَّهِ ما رَقَيْتُ إلَّا بفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَتَبَسَّمَ وَقالَ: وَما أَدْرَاكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قالَ: خُذُوا منهمْ، وَاضْرِبُوا لي بسَهْمٍ معكُمْ".

- السبع المثاني: عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كُنْتُ أُصَلِّي في المَسْجِدِ، فَدَعانِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فقالَ: ألَمْ يَقُلِ اللَّهُ: "اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ" ثُمَّ قالَ لِي: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ السُّوَرِ في القُرْآنِ، قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ. ثُمَّ أخَذَ بيَدِي، فَلَمَّا أرادَ أنْ يَخْرُجَ، قُلتُ له: ألَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هي أعْظَمُ سُورَةٍ في القُرْآنِ، قالَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ هي السَّبْعُ المَثانِي، والقُرْآنُ العَظِيمُ الذي أُوتِيتُهُ".

- الصلاة (الدعاء): قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فيها بأُمِّ القُرْآنِ فَهي خِداجٌ ثَلاثًا غَيْـرُ تَمامٍ"، فقِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّا نَكُونُ وراءَ الإمامِ؟ فقالَ: اقْرَأْ بها في نَفْسِكَ؛ فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "قالَ اللَّهُ تَعالَى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ العَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ)، قالَ اللَّهُ تَعالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وإذا قالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، قالَ اللَّهُ تَعالَى: أثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وإذا قالَ: (مالِكِ يَومِ الدِّينِ)، قالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وقالَ مَرَّةً فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، فإذا قالَ: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، قالَ: هذا بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ: (اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ) قالَ: هذا لِعَبْدِي ولِعَبْدِي ما سَأَلَ".

موضوعات السورة:

1- إثبات الوحدانية لله تعالى.

2- إقرار العبد بعبوديته لربه.

3- الدعاء والطلب.

1- إثبات الوحدانية لله وحده: فلا يستحق أن يُعبَد، ولا يستحق أن يحمد، ولا يستحق أن يطلب منه إلا الله تعالى؛ فهو رب جميع الخلائق في العالم العلوي والعالم السفلي، فهو خالقهم ورازقهم، ومدبِّر أمرهم، والله ذو رحمة واسعة، ورحمته وسعت كل شيء، وهو المَلِك سبحانه، وكل ما دونه مملوك، ومِن عدله وحكمته جعل يومًا يُحشَر فيه جميع العباد لربهم؛ ليحاسبهم ويجازيهم على ما قدموا من أعمال في حياتهم الدنيا، فلا مُلك لأحدٍ في ذلك اليوم مع الله تعالى الواحد القهار، "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ".

2- إقرار العبد لعبوديته لربه: فالعبد يُقر أنه لا يستحق أن يُعبد ويُفرد بالعبادة إلا الله "إِيَّاكَ نَعْبُدُ".        

3- الدعاء والطلب: فكان من مظهر عبودية العبد لربه طلب المعونة من ربه، وكذا طلب الهداية؛ لعلمه أن الله وحده بيده الهداية والإضلال، "وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ".

الدروس المستفادة من سورة الفاتحة:

1- أهمية الذكر والدعاء في حياة المسلم، فكل جوانب حياة المسلم مرتبطة بالذكر والدعاء، فأفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله، وهذا يتطلب من المسلم العاقل الرشيد أن يعد المفكرة اليومية بإتقان وإحكام؛ ليتأكد من التغطية الشاملة للذكر والدعاء لكلِّ مناحي حياته، من لحظة الاستيقاظ إلى اللحظة التي يأوي فيها إلى فراشه "الْحَمْدُ لِلَّهِ".

2- يلزم العبد أن يتعرف على ربِّه رب العالمين، فهو سبحانه الخالق الرازق المحيي المميت، الذي بيده ملكوت كل شيء، وبيده مقاليد السماوات والأرض، مدبر الأمر بيده الهداية والإضلال، والعطاء والمنع، لا شريك له في ربوبيته ولا شريك له في إلهيته "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".

3- عدم يأس العبد من رحمة ربه التي وسعت كل شيء، فمن رحمته سبحانه أن يعفو ويصفح ويغفر الذنب، ويتوب على من تاب إليه وأناب، فلا مجال للشيطان أن يتلاعب بالإنسان ويقنطه من رحمة ربه العزيز الغفار "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ".

4- رؤية الإنسان للآخرة ليوم الحساب حيث يُجازَى الإنسان على ما قدَّم في دنياه ثم يساق إما إلى جنة وإما إلى نار؛ مما يعين الإنسان على المحاسبة الدائمة لنفسه، ويعينه كذلك على أن يستقيم على أمر ربه، ولا ينحرف "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ".

5- الاعتراف بالحقوق التي عليه خاصة حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا "إِيَّاكَ نَعْبُدُ".

6- المعونة والهداية والتوفيق لا تُطلَب إلا مِن الله وحده؛ فهو الذي يملك ذلك دون سواه، فقلب الإنسان لا يعلق إلا بربه العزيز الوهاب، وأنه ليس بمحال في حقه سبحانه ولا يعجزه شيء "وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ".

7- الهداية والإضلال بيد الله وحده، وقلوب العباد بين أصابعه كقلب واحد، فأيما قلب أراد أن يقيمه على طاعته أقامه، وأيما قلب أراد أن يزيغه أزاغه، فطلب الهداية على الاستقامة لا تطلب إلا من الله وحده، فالإنسان يأخذ بكل سبب من أسباب الهداية، ولكنه لا يركن إلى ذلك، فقلبه لا يلتفت لغير ربه، فقلب العبد يكون مرتبطًا معلقًا بربه "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ".

8- اختيار الصحبة الصالحة فهم جلساؤك، وهذه الصحبة تؤثر على دنيا الإنسان وأخراه، فلا تصاحب إلا مؤمنًا "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ".

9- احذر مِن الصحبة السيئة ومِن مجالسة أهل الغفلة والأهواء؛ فإنها صحبة مهلكة ومدمِّرة لدنيا الإنسان وأخراه "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ".

10- العلم والعمل كيان واحد، وجسد واحد؛ مَن فرَّق بينهما كان في عداد المهلكين، ومَن جمع بينهما كان في عداد الناجين الفائزين المفلحين "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ".

11- الاستيعاب لما نطلب مِن الله تعالى؛ حتى لا تكون كلمات نرددها باللسان دون أن يكون لها مفهوم واضح في نفوسنا، ومن ذلك: أن تعي ما هو الصراط المستقيم الذي تطلب؟ فهذا الصراط هو الإسلام، والعلم بالحق والعمل به "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ".