الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 04 يوليه 2022 - 5 ذو الحجة 1443هـ

جهود الشافعية في تقرير عقيدة السلف (3) مصدر التلقي

كتبه/ عصمت السنهوري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن سَلَف الأمة الكرام من الصحابة رضي الله عنهم ومَن سار على نهجهم مِن علماء الإسلام في القرون الخيرية وصالح خَلَف الأمة ممَّن سار على درب الأوائل، مصدر التلقي والاستدلال عندهم واحد في أصول الاعتقاد، وهو ما نطق به كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وما صَحَّ به الخبر بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله علية وسلم، وبهذين الوحيين اكتمل الدِّين، وتمت النعمة وتُركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، وكذا ما أجمع عليه هؤلاء الأخيار وتواتر النقل عنهم.

ولقد انحرف أقوام عن هذا النهج؛ فظنوا أن الحق فيما جاءت به الفلسفة والمنطق اليوناني القديم، ونهج فريق تلقيهم مِن العقول فسلَّموا لها ورضوا بما جاء عنها فضلوا عن سواء السبيل، وانتهج آخرون علم الكلام الذي ذمَّه علماء الإسلام في الصدر الأول ذمًّا شديدًا، وكثر النقل عنهم في ذم الاشتغال به عن الكتاب والسنة.

وفريق رابع في الكشف والذوق، والوجد، والمنامات والرؤى!

وفريق خامس في العلم التجريبي الحديث يسعى من خلاله لإثبات العقائد والغيبيات، فتنوعت طرائق المنحرفين عن جادة الكتاب والسنة، ولقد حرص علماء الإسلام على تأصيل هذا المعنى في مؤلفاتهم، وفي مقدمة هؤلاء: الإمام العَلَم المطلبي القرشي الشافعي رحمه الله، وأئمة المذهب الكبار جيلًا بعد جيلٍ، وهنا أبدًا جاهد في النقل عنهم ما يرسِّخ هذا الأصل، وإن كانت النُقول عنهم كثيرة نجتهد في نقل ما يحدث به الغرض المقصود.

قال يونس بن عبد الأعلى: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول: وقد سئل عن صفات الله تعالى وما يؤمن به، فقال: لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيَّه لا يسع أحدًا مِن خلق الله تعالى قامت عليه الحجة ردها؛ لأن القرآنَ نزل بها وصحَّ عن رسول الله القول بها، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر بالله تعالى؛ فأما قبل ثبوت الحجة عليه مِن جهة الخبر فمعذور بالجهل؛ لأن عِلْم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية ولا بالفكر.

قال ابن قدمة في ذم الكلام: "يروى عن الشافعي -رحمة الله عليه- قال: "آمنت بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله".

قال أبوبكر الحميدي 219هـ: "السنة أن يؤمن الرجل بما نطق به القرآن والحديث، مثل: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ"، ومثل: "السَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ"، وما أشبه هذا من القرآن والحديث، لا نزيد فيه ولا نفسِّره؛ نقف على ما وقف عليه القرآن والسُنَّة".

قال الإمام أبو العباس بن سريج 306 هـ: "حرم على العقول أن تمثِّل الله سبحانه، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الأفكار أن تحيط، وعلى الألباب أن تصف إلا ما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم".

قال ابن خزيمة رحمه الله 311هـ: "والإيمان بجميع صفات الرحمن الخالق جل وعلا مما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وبما صح وثبت عن نبينا بالأسانيد الثابتة الصحيحة بنقل أهل العدالة موصولًا إليه ليعلم الناظر في كتابنا هذا ممَّن وفقه الله لإدراك الحق والصواب، ومَنَّ عليه بالتوفيق لما يحب ويرضى صحة مذهب أهل الآثار في هذين الجنسين من العلم (القدر والصفات)، وبطلان مذاهب أهل الأهواء والبدع الذين هم في ريبهم وضلالتهم يعمهون، وبالله ثقتي وإياه أسترشد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".

قال أبو بكر الإسماعيلي 371 هـ: "اعلموا رحمنا الله وإياكم: أن مذهب أهل الحديث أهل السنة والجماعة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله تعالى، وصحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا معدل عما وردًا به ولا سبيل إلى رده إذ كانوا مأمورين باتباع الكتاب والسنة، مضمونًا لهم الهدى فيهما، مشهودًا لهم بأن نبيهم صلى الله عليه وسلم، يهدي إلى صراط مستقيم، محذرين في مخالفته الفتنة والعذاب الأليم، ويعتقدون أن الله تعالى مدعو بأسمائه الحسنى وموصوف بصفاته التي سمى ووصف بها نفسه، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يوصف بنقص أو عيب أو آفة، فإنه عز وجل تعالى عن ذلك.

وللحديث بقية إن شاء الله.