الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 12 أبريل 2022 - 11 رمضان 1443هـ

قرأتُ لك ... الآداب الشرعية والمنح المرعية للإمام ابن مفلح

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ألّف الإمام ابن مفلح الحنبلي رحمه الله كتاب الآداب الشرعية ثلاث مرات: كبرى في مجلدين، وهو ما نتعرض له بالبيان، ووسطى في مجلد واحد، وصغرى بمجلد لطيف.

التعريف بالمؤلف:

هو الإمام العلامة الفقيه المتقن البارع الفاضل الزاهد، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن مفلح بن محمد المقدسي الصالحي، شيخ الحنابلة في وقته، وُلِد في حدود سنة ثمانٍ أو عشرٍ وسبعمائة، وتوفي ليلة الخميس ثاني رجب سنة (763 هـ)، وله بضع وخمسون عامًا، وهو أحد تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية البارزين، وأعرف الناس بكلامه، بل المرجعية في معرفة كلام شيخ الإسلام رحمهما الله، وأعلم أهل زمانه بمذهب الإمام أحمد، وله فيه كتابه الماتع: "الفروع".

التعريف بالكتاب:

عرَّف ابن مفلح رحمه الله كتابه في أول سطوره، فقال: "فهذا كتاب يشتمل على جملة كثيرة من الآداب الشرعية، والمنح المرعية، يحتاج إلى معرفته أو معرفة كثير منه كل عالم أو عابد، وكل مسلم، وقد صنف في هذا المعنى كثير من أصحابنا: كأبي داود السجستاني صاحب السنن، وأبي بكر الخلال، وأبي بكر عبد العزيز، وأبي حفص، وأبي علي بن أبي موسى، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، وغيرهم، وصنف في بعض ما يتعلق به -كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعاء، والطب، واللباس، وغير ذلك-: الطبراني، وأبو بكر الآجري، وأبو محمد الخلال، والقاضي أبو يعلى، وابنه أبو الحسين، وابن الجوزي وغيرهم.

وقد اشتمل هذا الكتاب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه على ما تضمنته هذه المصنفات من المسائل أو على أكثرها، وتضمن مع ذلك أشياء كثيرة نافعة حسنة غريبة من أماكن متفرقة، فمَنْ عَلِمَهُ عَلِمَ قَدْرَهُ، وعلم أنه قد علم مِن الفوائد المحتاج إليها ما لم يعلم أكثر الفقهاء أو كثير منهم؛ لاشتغالهم بغيره، وعزة الكتب الجامعة لهذا الفن".

وقد اعتمد المؤلف في بيان الآداب على الآيات والأحاديث، وهو مِن سمات مدرسة ابن تيمية السلفية؛ فجاء الكتاب حافلًا بالنصوص القرآنية والمتون الحديثية المقتبسة من المصنفات المشهورة، مع العناية بشرح المفردات الغريبة، والمشاركة في استنباط الأحكام، والرد على بعض أهل العلم في بعض المسائل، وعدم الاكتفاء بالنقل عنهم؛ فظهرت شخصية ابن مفلح رحمه الله ظهورًا واضحًا في الكتاب، مع أسلوبه المتميز بوضوح الألفاظ وجزالة التراكيب، وقد أورد رحمه الله جملة من الآداب الاجتماعية مما تعارف عليه الناس، كالطب والزراعة وبعض شؤون الحياة، وقد وقع في بعض المؤاخذات فيها.

وبدأ الكتاب بمقدمة وجيزة، يتحدث عن الكذب ومعاريضه ومواطن إباحته، ثم الخوف والرجاء والرضا، والبهت، والغيبة والنميمة، واللعن والسباب والفحش، وفضيلة الصدق والوفاء، وذم الغلو واتباع الهوى، والشكوى من أهل الزمان، والترحم على السلف، ثم تعرض للتوبة وأحكامها، وأدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وفوائد الصلاة البدنية والنفسية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعالجة بالرقى، ثم يحذر من علم الكلام والجدل، وما ينجم عنه من بدع وضلالات.

ومِن المواضيع المهمة التي عالجها: موضوع العلم، وهو من أهم وأمتع أبواب الكتاب، وأجاد في الكلام على حقوق المسلم والجار والوالدين والرحم والصحبة، وغيرها من الآداب مع الله ومع القرآن ومع الرسول ومع الخلق؛ مما يعد موسوعة عظيمة في الآداب، لتصنع حياة مليئة بالفضائل والقيم والأخلاق، ونفسًا زكية تربت على الإسلام، وقلبًا امتلأ بالإيمان.

المآخذ على الكتاب:

عدم التزام المؤلف رحمه الله بمنهجه في الكتاب، فجاءت فصول الكتاب ومواضيعها متداخلة فيما بينها، مختلطة في التفصيلات والشروح، مع التكرار والإعادة، والاستشهاد ببعض الأحاديث الضعيفة.