الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 09 سبتمبر 2021 - 2 صفر 1443هـ

الفساد (106) أين دور الزراعة في الاقتصاد المصري؟ (8)‏

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد عانت مصر -وما زالت تعاني- مِن: انحصار الإقامة والحياة فيها، والزراعة على الشريط الضيق لوادي النيل والدلتا.

لقد تقاعس المصريون -وتأخروا كثيرًا- في مدِّ البناء والعمران، والأنشطة الزراعية والصناعية إلى البقية الشاسعة من أرض مصر الواعدة في شبه جزيرة سيناء، وفي البحر الأحمر، والصحراء الشرقية، وفي الواحات والصحراء الغربية.

لقد أصبحت نهضة مصر في الحاضر والمستقبل مرهونة -ولابد- بالخروج من وادي النيل الضيق والدلتا إلى رحاب مصر الشاسعة؛ لتدب الحياة في الأرض الواعدة بخيراتها الوفيرة، وحتى تمتد النهضة التنموية إلى حيث يجب أن تكون.

إنه من الخطأ -كل الخطأ- أن تهجر أراضي مصر الخيرة بكل ما فيها مِن موارد وخيرات، ونعم لا تحصى، والتي تمثِّل أكثر من 90 % من مساحة مصر، ويستمر التمسك -والإصرار على هذا التمسك- بهذه المساحة الضيقة من الوادي والدلتا حتى خلال التطلع إلى نهضة قوية، وتنمية شاملة مستدامة.

لقد أخفقت الحكومات السابقة إخفاقًا غير عادي حتى وهي تقوم بمدِّ العمران والمشروعات إلى أراضي مصر خارج وادي النيل والدلتا، من خلال مشروعات أنفقت عليها عشرات ومئات المليارات واستغرقت سنوات طويلة، بدون عائدٍ مجدٍ أو نتيجةٍ ملموسةٍ، لتتحول كل هذه المليارات وكل هذه الجهود لسنواتٍ إلى مدن جديدة خاوية، وأراضٍ مستصلحة لا دور لها فعَّال في نهضة زراعية أو صناعية، أو تنمية حقيقية، بعد وعود وأمنيات بازدهار ورفاهية، ومستقبل مشرق ورخاء، ليبقى الحال على ما كان إن لم يكن إلى الأسوأ! في ظلِّ معدلات زيادة في السكان لم يفلح المسئولون على استيعابها والاستفادة منها، وفي ظل تفكير سكاني نمطي محدود ما زال يتمسك -في الواقع- بالشريط الضيق، وفي ظل مشروعات قيل عنها عبر عقود: إنها قومية تنموية، ثم ظهر جليًّا أنه مِن الصعب الاستفادة منها، في مقابل إمكانيات متاحة كان يسهل الاستفادة منها، ويعظم العائد من ورائها.

إن أمامنا فرصًا متاحة تحتاج لجهودٍ جادة للبناء والإنتاج في شبه جزيرة سيناء التي أهملت كثيرًا، وفي الواحات العديدة بالصحراء الغربية التي كانت في أزمانٍ سابقةٍ سلة الحبوب والغلال في مصر، وفي ممرات تنمية تربط وادي النيل بالبحر الأحمر والواحات الغربية.

ولدينا -ويجب أن يكون لدينا المزيد- من الأبحاث العلمية والدراسات، والأفكار المبتكرة النابعة من بيئتنا، وعقول علمائنا وباحثينا، وتناسب إمكانياتنا وظروفنا ولها عوائد إيجابية عظيمة إن تم دراسة جدواها جيدًا وطبقت تطبيقًا جيدًا، وأعظم الابتكارات ما كان منها وليد الحاجة والمعرفة، والعلم والبحث.

وقبل ذلك ومعه لا بد من عودة الاهتمام بالفلاح المصري الذي هو العمود الفقري للزراعة والإنتاج، ومفتاح النهضة والتنمية، والذي أصبح يعاني كثيرًا من الإهمال والظلم، فساءت أحواله عن ذي قبل، وقلَّ إنتاجه عما يجب أن يكون عليه وأصبح يشقى بعمله؛ لأنه يعمل كثيرًا، ويجني قليلًا، فأصبحت الزراعة مهنة يهرب منها الشباب، ولا يرتاد مجالها من رجال الأعمال إلا القليل؛ خاصة وقد رفعت الدولة يدها عن دعم الزراعة والفلاحين كما كانت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حيث تراجع دور الجمعيات التعاونية الزراعية، وافتقد الفلاح البذور والتقاوي الجيدة، والأسمدة والمبيدات ذات الفاعلية والأثمان المناسبة، وأصبح يشتري احتياجاته منها من السوق السوداء، وراج سوق المغشوش والمضروب منها، وتراجع الدور المطلوب من الدولة في التوعية والتوجيه والإرشاد الزراعي لما يجب أن تكون عليه الزراعة في عصرنا الحديث وظروفنا الحالية في ظل أمية طاغية، وعدم قدرة الفلاح بمفرده على تسويق المحاصيل التي زرعها من جهة، وجشع التجار والوسطاء في التعامل معه من جهة، مع تعرض أسعار الكثير من المحاصيل للتقلبات؛ خاصة ما يرتبط منها بالأسعار العالمية المتقلبة، مع ارتفاع التكلفة والتشغيل وأجور العمالة، وافتقاد الميكنة والآلات الزراعية الحديثة التي توفر الجهد والوقت، وفي ظل مشاكل تتصاعد بسبب تقلبات المناخ ونقص مياه الري، والتعدي المتزايد على نهر النيل وفروعه بآثاره السلبية الخطيرة، وسوء حالة الترع والمساقي والمصارف.

أضف إلى ذلك: صعوبة التخزين والحفظ، وعدم كفاءة النقل للمحاصيل، وما يترتب عليه من فاقدٍ لا ينبغي حدوثه مع ارتفاع التكلفة في وقتٍ يعاني فيه الفلاح من ضعف القدرة على التصرف المفيد أو التخلص الآمن مما يتراكم لديه من المخلفات الزراعية.

قال الكاتب فاروق جويدة: (وكنت قد تناولتُ هموم الفلاح المصري في مقال سابق، وللأسف الشديد: إن الفلاح بعيد تمامًا عن بوصلة الحكومة، إنه غائب في كل المناسبات، غائب عن الإعلام، فلا توجد قناة أو برنامج يتحدث عن همومه، هو غائب عن مناقشة قضايا المحاصيل والزراعة والبذور، والأسمدة والمبيدات، وهو يزرع القطن بأوامر حكومية ثم ترفض الحكومة تسلمه، وهو يشتري كل شيء من السوق السوداء، ابتداءً بالأسمدة، وانتهاءً بالبذور... وهنا أقترح على رئيس الحكومة إقامة مؤتمر يناقش هموم ومشاكل الفلاح المصري... هناك مؤتمرات للمرأة والشباب والمصريين في الخارج؛ ألا يستحق 50 مليون فلاح أن نقيم مؤتمرًا في إحدى المحافظات نسمع فيه شكواهم؟!)، (حتى يشعر الفلاح بأنه مواطن مصري له نفس الحقوق، وحتى لا تبقى قضاياه معلقة بين المحليات والزراعة وبنك التسليف ووزارة التموين) (راجع مقال: قضايا غائبة عن الحكومة فاروق جويدة - جريدة الأهرام - عدد الجمعة 21 ديسمبر 2018 م، ص 13 بتصرف).

وفي مقال للكاتب محمد المنسي في جريدة (فيتو) عدد 12 يناير 2021 م (ص 6) بعنوان: (رجال الأعمال يطيحون بالفلاحين من البرلمان) كتب يقول: (على خلاف التوقعات بشمول قائمة المعينين بمجلس النواب لممثلين لقطاع الفلاحين والزراعة، جاءت القائمة التي تم تعيينها بمجلس النواب، حيث خلت من أي تمثيل لذلك القطاع المهم، وهو السيناريو الذي تكرر أيضًا في مجلس الشيوخ العائد بعد غياب. وتسبب ذلك في حالة من الغضب لدى قطاع الفلاحين؛ لا سيما أن القائمة الوطنية من أجل مصر التي فازت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة خلت أيضًا من تمثيل ذلك القطاع رسميًّا، وكذلك خلت قائمة مجلس الشيوخ من أي ممثلين للقطاع أيضًا؛ الأمر الذي يشير إلى عدم تمثيل قطاع الفلاحين في البرلمان بغرفتيه على مستويات الاتحادات والجمعيات الزراعية، على خلاف البرلمان المنقضي الذي تضمَّن تمثيلًا لذلك القطاع على مستوى انتخابات القائمة والتعيين من جانب رئيس الجمهورية) (المصدر السابق).

(إن القيادات الحزبية التي أعدت القوائم الانتخابية حرصت على تطبيق النص الدستوري بشأن تمثيل الفلاحين من خلال ترشيح عددٍ مِن الشخصيات تحت صفة فلاح، دون أن يكون لها توصيف أو منصب في الكيانات الممثلة للفلاحين والزراعيين، وهو الأمر الذي رآه قيادات تلك الكيانات غير مناسب، وتجاهلًا لقطاع الفلاحين) (المصدر السابق).

ومعلوم أن هذا ما كان يحدث طيلة عقودٍ في برلمانات فترة حكم "مبارك"، حيث كان يدخل البرلمان مَن ينتحلون على الورق صفة فلاح أو عامل، وهم ليسوا كذلك!

ويرى البعض أن قطاع الزراعة والفلاحين (يعاني منذ عشرات السنوات بسبب تجاهل مشكلات الفلاح. والأزمة الحالية ليست تمثيل القيادات الرسمية في الكيانات بقدر ما هي التعبير عن مشكلات الفلاح وتبني همومه، والعمل على حلها، مستشهدًا بوجود قيادات في قطاع الفلاحين والعمال، وغيره من القطاعات في البرلمان المنقضي دون أن يقدِّموا شيئًا لصالح الفلاحين والعمال!).

واحة الفرافرة والتنمية الزراعية:

تعد واحة الفرافرة التابعة لمحافظة الوادي الجديد (منجم الخير في مصر يمكن أن تكون سلة الغذاء الرئيسية للوطن خلال الفترة المقبلة إذا أحسن استغلال الإمكانيات الكبيرة المتاحة في هذه المنطقة والاستفادة منها في مشروعات التنمية الاقتصادية ولاجتماعية... لِمَ لا والمنطقة يمكن الاستفادة منها في الزراعة والصناعة والسياحة، بجانب خلق وإنشاء تجمعات عمرانية جديدة تخفف من الضغط السكاني الهائل على منطقة الوادي والدلتا بسبب الزيادة السكانية) (راجع ملف: "واحات مصر كنز ينتظر الاكتشاف" جريدة الوطن - عدد 22 نوفمبر 2017، ص 9).

وتمتلك الواحة عيونًا مائية رومانية، أشهرها: عين السرو، وتتميز بالتدفق الذاتي للمياه، وبالواحة أكبر بئر جوفي على مستوى إفريقيا يمتد من الصحراء الغربية في مصر وحتى دولة موريتانيا، وهو مخزون جوفي لم يستفد منه الأهالي حيث يستخدم العاملون في مجال الزراعة هناك الخزان السطحي وجزء من الخزان المتوسط بينما يبقى الخزان الجوفي في العمق بدون استخدام على ضخامته، وهو مخزون يكفي استصلاح وزراعة مساحات كبيرة من الأراضي الصحراوية هناك، بما يكفي لسد احتياجات مصر الغذائية، والتوسع في المحاصيل الإستراتيجية من القمح والقطن، حيث تم زراعة 12 ألف فدان من القطن بإنتاجية وصلت إلى متوسط 6 قناطير في الفدان.

إن واحة الفرافرة تتميز باحتواء تربتها على طبقات من الطفلة والرملة، وبها عناصر غذائية تجعلها تنتج أنواعًا من المحاصيل الزراعية عالية الجودة والإنتاجية، مقارنة بمثيلاتها في وادي النيل.

منها على سبيل المثال: بنجر السكر الذي تصل فيه نسبة السكر فيه في الواحة إلى 15 %، بينما لا تزيد نسبة السكر في بنجر وادي النيل عن 8 إلى 13 %، وبحجم إنتاج في الواحة يصل إلى ضعف حجم الإنتاج في غيرها. وتحتاج الواحة إلى إنشاء مصنع لإنتاج السكر فيها. وواحة الفرافرة أيضًا تعد الأعلى في إنتاجية القمح والأرز والغلال على مستوى الجمهورية. ويعد الزيتون أيضًا من المحاصيل المميزة لواحة الفرافرة، حيث يبلغ عدد أشجار الزيتون بها 5 آلاف شجرة.

وتحتاج الواحة إلى إنشاء منطقة صناعية لتصنيع منتجات الواحة الزراعية، منها: مصانع زيوت لاستخراج الزيت من الزيتون، وفول الصويا، ونبات دوار الشمس؛ خاصة أن مصر تعاني مِن نقصٍ شديدٍ في إنتاج الزيوت، وتستورد كميات ضخمة من الزيوت من الخارج سنويًّا لتغطية الاستهلاك المحلي.

وبواحة الفرافرة نحو 100 ألف نخلة، ومن المتوقع أن يتضاعف العدد خلال السنوات المقبلة، خاصة من النخيل المجدول؛ لما له مِن قيمة كبيرة وفائدة تصديرية تجذب العملة الصعبة، إلى جانب أنواع أخرى من النخيل البرحي والسقعي والسيوي.

وتعد زراعة النخيل وإنتاج التمور والصناعات القائمة عليها من الاتجاهات التي تحتاج إلى النهوض بها وتنميتها، للكثير الذي يمكن أن تقدمه للاقتصاد المصري داخل وخارج البلاد؛ نظرًا لجودة التمور في مصر، والحاجة الماسة لفتح أسواق جديدة لها، وتطوير الصناعات القائمة عليها، من خلال تشجيع قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في هذا القطاع الهام، لتحقيق طفرة تزيد من التصدير، وتوفر فرص عمل للشباب مباشرة وغير مباشرة، حيث تحتل مصر المرتبة الأولى عربيًّا في إنتاج التمور (حيث تقوم بإنتاج 18 بالمائة من الإنتاج العالمي، و23 بالمائة من الإنتاج العربي، ويليها: السعودية والعراق والإمارات؛ إلا أنها لا تقوم بتصدير إلا حوالي 7و2 بالمائة فقط من جملة الإنتاج بما يمثِّل 6 و4 % من حجم التجارة الدولية للتمور) (راجع مقال: "التمور تعيد الحياة لواحة سيوة: مصر الأولى عالميًّا وعربيًّا في الإنتاج، و7و2 % فقط حجم التصدير" الأخبار الاقتصادي -عدد 8 نوفمبر 2016 م، ص 9).

(إن محافظة الوادي الجديد التي تتبعها واحة الفرافرة كانت نشأتها بهدف التنمية وتوسيع رقعة الأراضي الزراعية، فكان قرار الرئيس جمال عبد الناصر بإنشاء محافظة الوادي الجديد التي شكَّلت 40 % من مساحة مصر)، (وعندما زار الرئيس أنور السادات الواحة عام 1979 م قام بزرع نخلة وشجر البرتقال مطلقًا إشارة البدء في زراعة واستصلاح أراضي الواحة. ووصلت المساحة المزروعة من الأراضي حتى عام 2000 م إلى 262 ألف فدان. وتم بعدها حفر عيون وآبار جديدة حتى تستوعب الزيادة في مساحة الأراضي المزروعة، ووصلت إلى 101 عين).

وفي ديسمبر 2014 م جاء اختيار الرئيس عبد الفتاح السيسي للواحة ضمن مشروع استصلاح 5 و1 مليون فدان بما انعكس على الحياة الاقتصادية في الواحة، فساهم في تغيير الخريطة الزراعية بزيادة عشرات الآلاف من الأفدان المستصلحة في المرحلة الأولى من المشروع، وقام بجذب مزارعين من المحافظات القريبة، وتدشين شبكة جديدة من الطرق داعمة للمشروع، وتوسع الأهالي في زراعة الخضروات بعد زيادة الطلب عليها من الوافدين والمحافظات الأخرى، فقام الأهالي بزراعة 4 آلاف فدان من الخضروات تطرح في الأسواق الداخلية بجودة عالية وبسعر مناسب، بعد أن كانت الخضروات تأتي الواحة من كفر الشيخ وتطرح في السوق بأسعار عالية بسبب تكلفة النقل الذي كان يستغرق يومًا كاملًا.

وقد قامت الدولة بافتتاح أول مجمع استهلاكي تابع للدولة في الواحة، وبالجملة فالأوضاع تتغير في الواحة بقدوم المستثمرين والوافدين من المحافظات الأخرى للواحة مع بداية مشروع الاستصلاح.

وواحة الفرافرة يمكن أن تساهم: في زيادة الطاقة النظيفة حيث يمكن توليد كهرباء منها تغطي الصحراء الغربية من خلال طاقة الرياح؛ إذ إن الواحة على هضبة ارتفاعها 150 مترًا عن سطح البحر يسهل معها توليد الكهرباء من الرياح، حيث إن 100 طاحونة من طواحين الهواء تنتج طاقة قدرها 500 ميجاوات، بينما ينتج المفاعل النووي 2000ميجاوات، كما تتمتع الواحة بمناخ قاري جاف وسماء صافية يجعلها من أكبر المناطق لتوليد الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية.

واحة سيوة والتنمية الزراعية:

يقوم اقتصاد واحة سيوة الزراعي على محصولي: التمور والزيتون اللذين يحتلان أغلب المساحات المزروعة هناك، وعلى الصناعات الزراعية والحرفية المرتبطة بهما، حيث يعمل 80 % من سكان الواحة بالزراعة، ويبلغ إنتاج الواحة من الزيتون 70 ألف و600 طن، ومن النخيل 47 ألف و260 طن. ويوجد بالواحة 8 مصانع فرز وتعبئة لمحصول البلح.

ويقوم نظام الري في المناطق المستصلحة حديثًا في الواحة على الري الحديث، بينما تقوم الأراضي القديمة على طرق الري المطور عن طريق العيون.

وفي الثمانينيات مع التوسع في الزراعة واستصلاح الأراضي تم عمل آبار، ولكنها كانت غير محكمة الغلق والفتح، ويتم الصرف الزراعي لها في 3 بحيرات، ولكونها بحيرات منخفضة ابتلعت مع زيادة حجم الصرف فيها أراضٍ زراعية مع تملح مياهها.

وقد أصبح حل مشكلة الصرف الزراعي حتمية خاصة مع ارتفاع منسوب المياه ببحيرتي (سيوة) و(بهي الدين) غربي الواحة، وبحيرة (أغورمي) وبحيرة (الزيتونة) شرقي الواحة، بإجمالي مساحة 47 ألف و600 فدان ناتجة عن الصرف الزراعي وتجميع مياه الري (راجع: "الأهرام الزراعي" عدد مارس 2021 ملف: "بالبلح والزيتون سيوة قاطرة التنمية الزراعية"، ص 17 - 19).

وقد حظيت واحة سيوة باختيارها لجائزة خليفة الدولية لنخيل التمور والابتكار الزراعي، وتم إعلان نظم إنتاج التمور في الواحة ضمن مناطق التراث الزراعي العالمي، كما حظيت الواحة برعاية المهرجان الدولي للتمور في مصر، وهي خطوة محفزة للنهوض بزراعة وإنتاج وصناعة التمور بسيوة، لرفع الطاقة التصديرية لمصر (والتي تبلغ في الوقت الحالي مليونًا و46 ألف طن سنويًّا من التمور، بمعدل 18 % من حجم صادرات العالم و4 % من حجم التجارة العالمية) (راجع مقال: "التمور تعيد الحياة لواحة سيوة" الأخبار الاقتصادي - عدد 8 نوفمبر 2016، ص 9).

واحة الداخلة والتنمية الزراعية:

تُعد واحة الداخلة من أكثر الواحات إنتاجًا للتمور عالية الجودة التي يزداد الطلب عليه محليًّا وعالميًّا؛ خاصة لدول المغرب العربي، ودول شمال شرق آسيا الإسلامية التي تستخدم التمور في وجباتها، بل تقوم المملكة المغربية باستيراد تمور الواحة بكميات كبيرة لجودتها وإعادة تصنيعها وتصديرها إلى دول أوروبا وأمريكا؛ نظرًا لجودتها وارتفاع نسبة السكر بها.

وتتطلع صناعة التمور في الواحة -وغيرها من الواحات- إلى دعم الدولة الفعال لزراعة وتصنيع التمور وتصديرها للخارج في هذه الفترة من خلال زيادة رقعة زراعة النخيل بالواحات بشكل عام، وتوفير الماكينات والمعدات اللازمة، وتدريب الأهالي والشباب عليها لتمكين أهالي الواحة من تصنيع وتصدير هذه التمور والاستفادة من القيمة المضافة بسبب التصنيع.

ولا يعد حشو التمور بالمكسرات والشكولاتة تصنيعًا، وإنما يدخل ذلك في إطار التعبئة، أما تصنيع التمور فيدخل فيه استخدام أنواع من التمور في صناعة الحلويات كبديل لخام السكر، وإنتاج معجون العجوة، واستخدام مفروم البلح كبديل للشيكولاتات، وكذلك استخدامه في تصنيع منتجات البسكويت، وبالتالي: توفير كميات كبيرة من السكر المستخدم في صناعة البسكويت، وبالتالي تقليل استيراد السكر من الخارج، إلى جانب إنتاج المربى، وإنتاج العلف من النواة المستخرجة من التمور، مع الأخذ في الاعتبار أن الفائدة الغذائية للبلح أعلى بكثيرٍ مِن السكر، كما يمكن لوزارة التربية والتعليم تقديم هذه التمور ومنتجاتها في الوجبات الغذائية المدرسية للطلاب لكونها منتجًا مغذيًا مرتفع الجودة، وعالي القيمة الغذائية، ولا يعرض الطلاب لمشاكل الوجبات المدرسية، ومنها: حالات التسمم، وهي أقل في التكلفة، ولا تعتمد على السكر بشكلٍ كبيرٍ.

وهناك صناعات تتعلق باستخدام مخلفات النخيل، مثل: الجريد الذي يستخدم في صناعة الخشب الحبيبي والخشب المضغوط، حيث تعطي النخلة الواحدة 20 جريدة، ولدينا الملايين من النخل يمكن الاستفادة من جريدها في صناعة الأخشاب بدلًا من التخلص منه بالحرق؛ مما يحقق دخلًا للمزارعين، ويقلل من استيراد الأخشاب من الخارج (للاستزادة راجع الملف السابق في جريدة الوطن، ص 6).

وجريد النخيل (طراح البلح) -الجريد الأصلي وليس نخل الزينة- يستخدمه صناع الجريد في إنتاج أنواعٍ مِن المنتجات المتنوعة، وصناعة الجريد صناعة متميزة في محافظة قنا، التي تعد مِن أكبر المحافظات في الحفاظ على هذه الحرفة القديمة والتفنن فيها وتطويرها، من خلال الجريد الأخضر، وهو ما توجد في أنسجته بعض الماء بعد البتر عن النخلة الأم، ومن الجريد الجاف الذي مرَّ عليه أسبوع أو أكثر بعد البتر، فالجريد تصنع منه أقفاص الفاكهة والخضروات والدواجن.

وتنفذ منه أيضًا من خلال ورش متخصصة منتجات تحتاج إلى دقةٍ وحِرَفِيَّة: كصناعة الكراسي، والطاولات، والسرائر، والأباجورات، وأدوات الزينة والحلي، ومنتجاتها في مصر جيدة ومبهرة؛ لذا فهي مؤهَّلة للتصدير للخارج، واقتناء السياح لها، ولكن حرفة صناعة الجريدة رغم قدمها صارت مهددة بالانقراض رغم جودة منتجاتها والحاجة إليها، وتوافر فرص الإقبال على اقتنائها محليًّا وعالميًّا كتراث شعبي يتمشى مع حياتنا، ويتميز بما يوفره من الراحة والجمال والجودة والسعر المناسب، (وجريد النخل موجود في عدد كبير من الدول الأجنبية لكن جودة العمل المصري مختلفة، حيث يفضِّل السائح الأجنبي صناعاتنا اليدوية؛ نظرًا لجودتها واختلافها عما يوجد في بلادهم) (راجع مقال: "صانع لوحات الجريد: عازف على أوتار النخل المصري" ملحق الأدب - جريد الأهرام - الجمعة 1 يناير 2021 م، ص4).