الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 31 أغسطس 2021 - 23 محرم 1443هـ

مدخل إلى علم السياسة (1)

كتبه/ محمود عبد الفتاح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ما المقصود بعلم السياسة؟

كلمة "سياسة": مشتقة في اللغة العربية من فعل ساس - يسوس، ومعناه: عالج الأمر أو صرَّفه ودَبَّره. وقد يتم توظف كلمة "سياسة" للدلالة على الأنشطة التي تتطلب من القائمين عليها قدرًا كبيرًا من الحكمة، وحسن التصرف، وفي أحيانٍ أخرى توظف على العكس؛ للدلالة على الأنشطة التي تتطلب من القائمين عليها صفات ومهارات خاصة ليست إيجابية، فصورة السياسي لدى البعض منا أنه الشخص الذي يمتلك قدرات خاصة تمكِّنه من ممارسة الخداع والمراوغة، والغموض، أو حتى الابتزاز، وأحيانًا أخرى تكون هذه الصورة أقل سلبية.

وتكمن المشكلة في عدم وضوح مفهوم هذا المصطلح بدقة في أذهان الغالبية العظمى من عامة الناس، ففي الوقت الذي تجد فيه الكثير من الناس، وفي جميع أنواع، لديهم الاستعداد الذهني لتقبل حقيقة أن الاقتصاد، الحقوق، الهندسة، الطب، الكيمياء، الفيزياء، إلخ، وهي علوم لها قواعد وأصول ومناهج، وتشكل موضوعات للدراسة الأكاديمية وللبحث العلمي، في حين نجد القليل من الناس هم الذين يتوفر لديهم الاستعداد الذهني المسبق للتعامل مع "السياسة" باعتبارها علمًا له أصول وقواعد ممنهجة ومحددة.

ولا تزال هناك صعوبات عديدة تعترض طريق الاتفاق على تعريف واضح ومحدد، يمكن أن يلقى إجماعًا من جانب جمهور الباحثين، فعلماء السياسة لا يزالون مختلفين اختلافًا بينًا حول تعريف "السياسة" كعلم، ومِن ثَمّ حول نوع وطبيعة الموضوعات التي تشكِّل نطاق الحقل البحثي لهذا العلم.

وعلى أي حال فلا يوجد مَن قام بتقديم تعريف جامع ومانع حتى الآن لماهية علم "السياسة"؛ ولذلك يمكن القول: إن تعريفات علم السياسة المختلفة تتكامل لتشكل مجتمعة صورة أكثر وضوحًا عن ماهية هذا العلم ونطاقه البحثي.

"السياسة" كمرادف للسلطة وإدارة شؤون الحكم:

كلمة "سياسة" هي الترجمة العربية لكلمة  Politics، المشتقة من الكلمة اليونانية الأصل Polis ، ومعناها: دولة المدينة، وأصبحت السياسة من المنظور الأكاديمي، هي علم الدولة أو العلم الذي يعتني بكيفية إدارة شؤون الدولة.

وقد صاحب قيام الدولة القومية في أوروبا خلال القرن السابع عشر، ظهور وتطور نظريات ومدارس عديدة أسهمت في تطور علم السياسة، ويعتبر عالم السياسة الأمريكي "دايفيد إيستون" هو أشهر من عرف السياسة بمفردات معاصرة حيث عرّف السياسة باعتبارها: "عملية التخصيص السلطوي للقيم".

وبهذه العبارة المركزة أراد إيستون أن يقول: "إن السياسة تشمل مجمل الأنشطة التي تظهر من خلالها سلطة الدولة"، وبهذا المعنى يرى إيستون القيم السلطوية؛ أي: القيم التي تحددها وتفرضها السلطة السياسية في الدولة هي قيم تحظى بقبول واسع في المجتمع، ويتم التعامل معها باعتبارها ملزمة للعامة، وانطلاقًا مِن هذا التعريف تصبح العملية السياسية مرتبطة ارتباطًا عضويًّا بالسياسات الحكومية، أي: بالقرارات التي تتخذها السلطة السياسية في إطار خططها وأنشطتها لإدارة شؤون الدولة أو المجتمع.

وبذلك نرى أن شأن عالِم السياسة مع الظاهرة السياسية، هو شأن الطبيب مع الظاهرة المرضيّة؛ فالأصل في جسم الإنسان الصحة لا المرض، ومرض الجسم حافز للطبيب لتفهم العلة فيه للاهتداء للعلاج الذي يعيد للجسم عافيته، ويمكِّنه من القيام بوظائفه على الوجه الصحيح، والباحث السياسي يقارب الظاهرة السياسية محاولًا تفهم الواقع السياسي المتعلق بالسلطة وأبعادها، وخصائصها وعلاقاتها بالمجتمع والمؤسسات السياسية الداخلية والخارجية، وينتقل بعد ذلك إلى وصف العلاج الناجح ليعيد له عافيته السياسية، التي وجد لأجلها، وهي تنظيم المجتمع.