يا معشر الشباب... احذروا الكلاب! (1)
كتبه/ أحمد مسعود الفقي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالشباب هم أملُ الحَاضِر، وعدّة المستقبل، بل كلّ المستقبل، وهُم قادة الغد وحكّامه وقضاته، ومعلمو أجياله، وهم الطاقة والهمة والحماس، وهم الحيوية والتفكير والإبداع، وهم عماد الأمة ونهضتها، وحضَارتها، ومظهر تقدمها، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- في دعوته نصره الشباب، وخذله الشيوخ؛ ولذا أوصى -صلى الله عليه وسلم- باغتنام هذه المرحلة المهمّة من مراحل عمر الإنسان، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، ولكن تبدل الحال، وصار اهتمام كثير من الشباب في هذه الأيام بأمور أقل ما يقال عنها: إنها تافهة ومنحطة!
فمما انتشر بين الشباب -إلا مَن رحم الله-: اقتناء الكلاب في بيوتهم لغير مصلحة شرعية؛ إلا كنوع من الترفيه عن النفس!
وتعدى الأمر إلى المصاحبة والمرافقة والملازمة؛ فكثيرًا ما تقع عينك على شاب يسحب كلبًا، والعجيب أن ترى دائمًا الكلب في الإمام والشاب خلفه قد أمسك بسلسلة مربوطة في عنق الكلب -ولا حول ولا قوة إلا بالله-، وتجده معه في غرفته على سريره، ويحتضنه ويقبله، وينام معه في غطاءٍ واحدٍ! وتجده معه في سيارته، وتجده معه على طعامه وشرابه، ورغم ما يتمتع به الكلب من وفاء لِمن يقتنيه، حيث تراه أشفق من الوالد على ولده، والأخ الشقيق على أخيه، وذلك أنّه يَحرس ربَّه، ويحمي حريمه شاهدًا وغائبًا، ونائمًا ويقظانًا، لا يقصِّرُ عن ذلك وإن جَفوه، ولا يخذُلهم وإن خذلوه، ورُويَ لنا أنَّ رجلًا قال لبعض الحكماء: "أوصِني قال: ازهد في الدنيا ولا تُنازِع فيها أهلها، وانصح لله -تعالى- كنصح الكلب لأهله؛ فإنّهم يُجيعونه ويضربونه ويأبى إلا أن يحوطهم نصحًا"، وقد قال الإمام الشاطبي -رحمه الله- في مقدمة الشاطبية في القراءات السبع المتواترة:
وقد قيل: كن كالكلب يقـصيه أهله ومـا يـأتـلـي فـي نـصحـهـم متبذلًا
إلا أنه في الوقت نفسه يحمل له الكثير من الشرور والأخطار، وهذه الأخطار عندما يصبح الكلب ملاصقًا للإنسان في منزله، بل وفي سريره، حيث ينقل إليه الكثير من الطباع والسلوك، والأخلاق الرديئة والنجاسات، بل وينقل أيضًا الأمراض التي قد تؤدي به إلى الموت.
وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز اقتناء الكلب إلا لحاجة: كالصيد، والحراسة، وغيرها مِن وجوه الانتفاع التي لم ينهَ عنها الشارع، واختلفوا في نجاسة الكلب؛ فذهب الجمهور إلى نجاسة الكلب بجميع أجزائه، وذهب الحنفية في الأصح عندهم إلى نجاسة سؤره وطهارة بدنه، وذهب المالكية إلى طهارة سؤره وبدنه، والراجح هو مذهب الجمهور، والله أعلم.
ولا يخفى تأثير مخالطة الكلاب على الإنسان مِن نواحٍ عدة، نستكملها في المقال القادم -بإذن الله-.