الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 08 يوليه 2019 - 5 ذو القعدة 1440هـ

النظرة القاصرة!

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فبعض الناس لا ينظر إلا إلى النعم التي فقدها، وأمنياته التي لم تتحقق، والابتلاء الذي أصيب به، ولا يلتفت وينتبه إلى نعم الله عليه التي لا تُعد ولا تُحصى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم:34).

ولله -تعالى- على كل عبدٍ -مسلم أو كافر، بر أو فاجر- نعم لا تُعد ولا تُحصى؛ نِعَمٌ لا تستقيم حياته وحياة الناس حوله إلا بها، كنعمة الهواء والماء والشمس والقمر والليل والنهار، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ . وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص:71-73)، فهل تفكرت في تلك النعم، وأنه لو سُلبت واحدة منها لم نستطع العيش على هذه الأرض؟!

نِعَمٌ في البدن: هل تفكر الإنسان في نعمة البصر والسمع، والكلام، والتذوق، وغيرها مما في بدنه؟ أترى إنسانًا يرضى أن تسلب عينه ويفقد بصره ويعطى الملايين من الجنيهات؟! أتراه يرضى أن يُسلب الكلام فيخرس، ويسكن في مقابل ذلك أفخم قصر في الدنيا؟! أتراه يرضى أن تقطع رجليه ويصير رئيس بلده؟! فكم لله مِن نعمٍ، ما شعرنا بها؛ فضلًا عن شكرها!

هل تفكرت في نعمة الزوجة والولد؟

كم مِن إنسان يتمنى الزواج؟

وكم من إنسان يدفع الآلاف ليرى ابنًا أو بنتًا له، وأنت أعطاك الله بلا جهد، بل مع قضاء وطرك وشهوتك في الحلال!

هل تفكرت في نعمة المسكن؟!

جاء رجل إلى ابن عمر يشكو إليه الفقر، فقال له: "ألك منزل تسكنه؟ قال: نعم، قال: ألك زوجة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: أنت مِن الأغنياء. قال الرجل: ولي خادم، قال ابن عمر: أنت من الملوك!"، فتأمل هذه النظرة الرائعة، وهذا التفكير المستقيم مِن العقل السليم والقلب الرقيق!

لو مكثنا نعدد النعم لانقضت الأعمار، وما انتهينا مِن تعداد نعم الله -تعالى-.

هل تفكرت في نعمة البلاء؟!

نعم، نعمة البلاء، هل تفكرت لو كان البلاء أشد مما وقع، وأنت ترى غيرك أكثر وأكبر منك بلاء، أليس الله قد أنعم عليك ولطف بك؟!

هل تفكرت في أجر الصبر على البلاء؟

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَوَدُّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)؛ أليس الله قد أنعم عليك بالبلاء؟!

هل تفكرت في قربك مِن الله، ودعائك وابتهالك عند البلاء، وقد يكون فتح عليك في نوع عبادة لم تتعبد بها مِن قبل؟ أليس الله قد أنعم عليك بالبلاء؟ فكم في البلاء من لطف ونعمة، ورحمة ومنٍّ.

بل -لو على سبيل الفرض المستحيل- لو سلبك الله كل النعم، وأنعم عليك بالإسلام والإيمان، لقد حُزت من النعم ما تعجز عن شكره، (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) (الحجر:2)، أبعد الجنة فوز؟ وهل هناك نعيم أكبر مما فيها؟!

فلا تكن نظرتك سوداء قاصرة، لا ترى إلا بعين كليلة، ظلومة جهولة، جاحدة لنعم الله -تعالى-، واشكر ربك على ما أنت فيه من النعمة أو البلاء، وارضَ بما قسم الله لك، أو اصبر على ما تكره، فمَن رضي فله الرضا، ومَن سخط فله السخط.

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.