كتبه/ ياسر برهامي
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد
كان حِفَاظُ إخوة "الدعوة السلفية" و"حزب النور" على التلاحُم
بيْن القيادة والقواعد في الانتخابات السابقة مِن أهم معالم وأسباب النجاح الذي
حققوه -بتوفيق اللهِ وحَمْدِهِ-، وكان إدراكُ الهَدَف مِن الحفاظ على استقرار
البلاد، واستمرار الكيان الدعوي المُؤَثِّر على الساحة الإسلامية مِن أهم أسباب
هذا التلاحُم.
وكان
تَخَطِّي عَقَبة الشبهات التي يطلقها المخالفون -والتي خَصَمَت مِن رصيدنا في
مواقف سابقة- مِن أهم علامات الإفاقة مِن صدمات التُّهَم التي كانت تُكَال لأبناء
حزب النور، والتي كانت بالفعل عائقًا لدى قطاعاتٍ كبيرةٍ -خاصة الشباب والنساء- عن
المشاركة في المواقف والقرارات، وكانت الإجابة الواضحة على "التُّهَم
المنحوتة" التي يكررها إعلام الإخوان والمنتسبون للسلفية الموافقون لهم -مع
تناقض هذه المُوَافَقَة مع السلفية في حقيقة الأمر- مِن أهم أسباب التحرر مِن أسر
هذه الأوهام التي أمرضتْ قلوب الكثيرين!
فنحن لم نَبِعْ دينَنا بِدُنيا غيرِنا -كما يزعم الكاذبون!-؛ بل -بِحَمْدِ
اللهِ- حَافَظْنَا على الإسلام والإيمان والإحسان لأنفسِنا وأهلينا وإخوانِنا
والمسلمين؛ فَأَيُّ قضيةٍ مِن قضايا الدين -من الإيمان بالله بربوبِيَّتِه وإلهيته
وأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه، والحُبِّ فيه والبُغْضِ فيه، والتحاكُم إلى شرعه،
والإيمان بالملائكةِ، والكُتُبِ والرُّسُلِ، واليومِ الآخِر، والقَدَر خيرِه
وشَرِّه- قد تنازلنا عنها؟!
وَأَيُّ
قضايا الإسلام -مِن الشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وإتيان الحلال
واجتناب الحرام في المُعَامَلات- قد تخلينا عنها؟!
وَأَيُّ
قضايا الإحسان، وأعمال القلوب، ومراقبة الله قد هدمناها أو بعناها؟!
بِحَمْدِ
اللهِ لم يقع شيءٌ مِن ذلك؛ ولم يبقَ إلا إطلاق الألفاظ المبتورة مِن الأدلة التي
لو تأمَّلَها المتأملُ يعلم كيف جَنَى هؤلاء على أنفُسِهم أولًا ثم على مَن
ظَلَمُوهم من المسلمين ثانيًا حين استعملوا الآيات التي وَرَدت في الكفار
والمنافقين في حق المسلمين! نحو قوله -تعالى-: (فَإِنْ يَتُوبُوا
يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا
نَصِيرٍ) (التوبة:74)،
حين استعملوها في حَقِّنَا حين رفَضْنا الصِّدَامَ مع الدولة وتخريبَ الوطنِ، بل وتخريب
أنفسنا وجماعتنا ودعوتنا! مع أن مَن تأمَّلَ الآيةَ قبلَها: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ
الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا
نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ
يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ
عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ
وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (التوبة:74)؛ فَأَيُّ كلمات الكُفر قلناها؟! وَأَي
هَمٍّ بالفتك برسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للفتك بدين الإسلام قد
وَقَعَ مِنَّا حتى يُستَدَلَّ بذلك علينا؟!
كما استعملوا في خداع الشباب في الاعتصامات قوله -تعالى-: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا
لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ
وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الأنفال:16)،
الذي لم يتأمَّلْه الشباب الذين ظلوا يتلَقَّون الطلقات في صدورهم وظهورهم ورؤوسهم
العارية وهم عُزَّل؛ خوفًا مِن "جهنم، وبئس المصير"، مع أن الآيات قبلها
صريحة، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ .
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ
مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الأنفال:15-16)؛ فسبحان
الله! لم يكن مَن يخالفونهم كفارًا، ولا كان هناك زحف، ثم قد تَوَلَّى القادةُ
وفَرُّوا قبْل يومها، وفي آخر النهار مِن يومها!
وكذلك
قوله -تعالى-: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (هود:113)، والركون هو
الرضا والمُتَابَعَة على الشرك الذي نزلتْ فيه الآية، وتشمل بعمومها أنواع الظلم
الأخرى، وقد قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ،
وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ) (رواه مسلم)، وبِحَمْدِ
اللهِ وَقَع الإنكار، والتصريح بالكراهية لكل قتلٍ أو حبسٍ أو ظلم بغير حق، بل
وتكرر ذلك؛ فأين الركون؟!
مع أن الخلافات السياسية والصراع على المُلك قد وَقَع مئات المرات عبْر
الزمان؛ فمَن لم يشارك في سفك دمٍ حرامٍ أو أعان على ظلمٍ أو عدوانٍ؛ لم يكن قد
ركن إلى الظالمين، ولو أَقَرَّ حكمَهم وسلطانَهم، ومَنَع مِن تحويل البلاد
والمجتمع إلى فوضى وخراب؛ فَعَل ذلك الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- مع أمراء بني
أُمَيَّة، وفَعَلَه الأئمة الأربعة واحدًا بعد واحدٍ مع بني العباس، بل كان الإمام
أحمد -رحمه الله- أشدهم في هذا الباب؛ فمع أن
الخلفاء في زمنه كانوا يدعون إلى بدعة كُفْرِيَّة -عند الإمام وعند أهل السُنَّة
كُلِّهم- وهي بدعة القول بخلق القرآن؛ إلا أنه لم يسعَ للخروج والقتال والثورة، مع
كثرة الأتباع؛ بل كان يقول عن الخليفة: "أمير المؤمنين"، ويقول:
"السلطان سيفه مسلول"، وبقي في بيته مُدَّةً لا يخرج ولا يُدَرِّس ولا
يتكلم في المسألة لَمَّا مُنِعَ مِن ذلك؛ وكُلُّ ذلك حرصًا على دماء المسلمين
وأعراضهم وأموالهم وحُرُمَاتهم، ويوشك أن يعود الناس إلى السُّنة ويتركوا البدعة؛
وقد كان.
ونحن
إنما عَاوَنَّا على المعروف والبر والتقوى، واستقرار البلاد وبقائها، والحفاظ على
دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، ولم نتعاون على إثمٍ أو عدوانٍ.
وقد
آن الأوان للتخلص مِن أسر التأثر بدعايات أهل البدع الذين كان انتسابهم للسلفية
أعظم الضرر على "السلفية"، وأعظم الخطر في التأثير على آلاف الشباب
الذين ظَنُّوهم على طريقة السلف فعلًا!
والحقيقة التي لا شك فيها أن المنهج السلفي بريءٌ مِن هذه البدع، وأن ما
يسمونه: "الصف الإسلامي" إنما كانوا يعنون به: "الصف
الإخواني" ومَن يوافقهم مِن "التيار القطبي الصدامي"، وأن
محاولاتهم المتكررة لإنشاء ما يسمَّى بـ"التيار السلفي العام" لم يكن إلا محاولة لتأميم التيار السلفي، وتمكين
ذوي المشارب القطبية مِن قيادته وجعله تابعًا للإخوان بإرهاب كل مَن يخالِف أو ينقد
أو ينصح بأنه بهذا قد خرج عن الصف الإسلامي!
ولذلك
حذرنا -وما زلنا نحذر- جميع الدعاة السلفيين المعتقدين لعقيدة السلف في كافة
الأبواب "لا سيما مسائل الإيمان والكفر" مِن الانخداع أو الاستجابة لهذا
الإرهاب الفكري، ولكن تأخرت استجابة الكثيرين حتى رأوا جمعًا مِن تلاميذهم وإخوانهم
يُستدرجون إلى منزلق التكفير والتفجير الذي طالما حذر منه السلفيون!
وإن كان هناك الكثيرون خدعونا باسم "السلفية" فانخدعنا لهم، وكان
هذا هو الواجب علينا؛ فنحن لا نعلم الغيب، ولا نُنَقِّب عن قلوب الناس،
ولكن حين يظهر الأمر ويسير الناس على طريق الخوارج، ويستعملون أرذل الأخلاق وأقذع
أنواع السِّبَاب والشتم بالباطل، ويكذبون الأكاذيب بالليل والنهار وينشرونها في
الآفاق؛ فلابد لنا أن ندرك الحقيقة، وأن نفيق مِن وضع الناس في غير موضعهم.
فأنتم يا "شباب الدعوة السلفية" عندما قاومتم هذا الإرهاب الفكري
لم تخرجوا عن "الصف الإسلامي"، بل حافظتم على الصف الإسلامي،
بل لن نكون مبالغين إذا قلنا إنكم صرتم طليعة الصف الإسلامي بوجهه السلمي الإصلاحي،
وكل مَن خُدع بالإخوان فصار في ركبهم أو أرهبه شتمهم وسوء أخلاقهم، سوف يحتاج يومًا
إلى أن يصطف في هذا الصف الذي حافظتم عليه.
وأنتم "وبصورة أخص" تقدِّمون "التيار السلفي" في صورته
السلمية الإصلاحية التي تحارِب تيار الغلو في التكفير، وتيار الصدام مع المجتمعات في
وقتٍ يتعمد فيه الكثيرون أن ينسبوا "داعش" وغيرها مِن تيارات الغلو إلى "السلفية"؛
ليتوصلوا بهذا لا إلى حرب داعش "فحربها يسيرة عليهم
لو أرادوا"، ولكن ليتوصلوا إلى حرب المنهج السلفي الذي يقوم على الرجوع إلى
الكتاب والسُّنة بفهم سلف الأمة؛ منهج "أهل السُّنة والجماعة".
ونحب أن نُبَيِّنَ هنا عدة
أمور:
1-
لقد كشفتْ لنا الأحداث عن توجهاتٍ قطبيةٍ لدى عددٍ غير قليلٍ مِن مشايخ كنا نعدهم
مِن السلفيين -رغم ظهور بعض بوادر الغلو على بعضهم-، ولم نفترض حينها أنها تنطلق مِن
قاعدةٍ بدعيةٍ كليةٍ؛ حتى ظهر عليهم بعد الأحداث الكثير مِن الانحرافات التي تصل
إلى البدع؛ فوجب أن يُعامَلوا بمقتضى ظاهرهم الجديد كما عاملناهم بمقتضى ظاهرهم قبْل
ذلك.
2-
السَّبُّ والشَّتْمُ ليس مِن سلوك المؤمن، بنص حديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا
اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)،
ولكن ليس مِن ذلك بَيَانُ بدعة المبتدع، وكذب الكذاب، وجرح المجروح، وإنما
السَّبُّ كالطعنِ في عِرضه أو أبيه أو أمه، ونحو ذلك.
3-
مَدْحُ أهلِ البدع ببعض فضائلهم لا يُحتمل إلا مع بيان بدعتهم في نفس السياق؛ لئلا
يغتر بذلك أحد.
4-
جماعةُ الإخوان تَغَيَّرَ موقفُها الفكري تَغَيُّرًا كبيرًا بعد "2005م"
وسيطرة الفريق القُطْبِيِّ الغالي المبتدع عليها، وشَرب هذا الابتداع عامة أفرادها
ومَن انتسب إليها، ومَن تأثر بها ممَن ينتسبون للسلفية: كالسروريين، بل صار
شبابُهم أشدّ غُلُوًّا مِن قادتهم، وأكثر مَن ينتسبون للسلفية مِمَّن وَافَقَهم
يؤصِّل للغُلُوِّ أخطر منهم؛ فلا يصح أن نظل مستصحبين موقفنا السابق -الذي كان هو
الواجب علينا وقتها- حتى ينطلق البعض مُدَافعًا عنهم بما سبق لهم مِن الفضل، ويرى
أن بيان زيفهم سب أو شتم! مع أن البعض قد يتجاوز فعلًا؛ فلابد أن نلتزم بالوسطية.
و"الإخوان" -ومَن وَافَقَهُم- أهلُ بدعة؛ فلابد أن يُعامَلوا
كذلك؛ فهم مُخالِفُون في أصلٍ كُلِّيٍّ في مسائل الإيمان، بقضية "المجتمع
الجاهلي" الذي يعنون أنه "دار كفر" يستبيحون هدمَه وتخريبَه، وإن
لم يُكَفِّرُوا جميع أفراده -ومنهم مَن يفعل-، ولكن "الطبقة
المُتَمَيِّعة" التي لا يشغلون أنفسهم بالحكم عليها هي عندنا عامة أهل الإسلام!
وهذا كله هم يتفقون فيه مع الطوائف التي تنتسب إلى "السرورية" ونحوها.
إضافةً إلى أمرٍ آخر شديد الخطورة، وهو: أنهم -في
سبيل إرضاء الغرب- يقبلون القضايا المُخَالِفَة لأصل الإيمان، مثل: استباحة
المحرمات: كحرية المعاشرة الجنسية، وكذلك حرية الشذوذ والمِثْلِيَّة! وأنه ينبغي
أن توجد التشريعات التي تحمي حقوقهم، وكذلك مساواة الذكر والأنثى في الميراث،
وكذلك زواج المسلمة مِن الكافر، وكذلك القول بمساواة المِلَل، وأنه لا خلاف في
الأصول بينها؛ كل ذلك إرضاءً للغرب!
ولا شك أن هذا الخط الذي يجمع بيْن الليبرالية المزعومة والإسلامية، خطٌّ
يُمَثِّل أصلًا كُلِّيًّا بِدْعِيًّا خطيرًا؛ هذا بالإضافة إلى الفروع التي لا
تُحصى في شتى المواقف، والسروريون مثلهم في قضية الإيمان، والمنتسبون للسلفية
الذين استعملوا الخطاب التكفيري والتخويني الطاعن في دينِ مَن خَالَفَهم سياسيًّا
مثلهم كذلك؛ ولو كان قبْل ذلك رأسًا مِن رؤوس "الدعوة السلفية"، فضلًا
عن التَّوَجُّه الإسلامي العام.
آن
الأوان للتخلص مِن أثر الإعلام الإخواني والقطبي والسروري الذي كان خِداعًا
لاختراقنا بالتسمي بالسلفية!
فحَافِظُوا
على دعوتِكم وكيانِكم وبلادِكم، ولا تقبلوا دعوات الهدم لأي شيءٍ مِن ذلك؛
واتَّعِظُوا بما جرى لغيركم بسبب حماقة القرارات التي بُنِيَتْ على البدعة
والانحراف.
اللهم
يا مُقَلِّب القلوب ثَبِّت قلوبَنا على دينِك، ويا مُصَرِّف القلوب صَرِّف قلوبَنا
على طاعتِك.