الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 09 أغسطس 2017 - 17 ذو القعدة 1438هـ

تحديات وعقبات في طريق المنهج الإصلاحي (5)

كتبه/ محمد إبراهيم منصور

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ذكرنا في المقال السابق أن الناظرين مِن خارج الحركة الإسلامية لتاريخها بالنسبة للفصيل الإصلاحي الذي ينتهج "المنهج السلفي" كانوا على ثلاث نظرياتٍ.

وهذه النظريات هي:

- النظرية الأولى: تقول إن الحركة الإسلامية كلها شيء واحد، وأن الأمر ما هو إلا تبادل أدوار، وهؤلاء لا يصدقون أن هناك فصيلاً إصلاحيًّا اختار الإصلاح كخيارٍ إستراتيجي، وليس كخيارٍ تكتيكي.

- النظرية الثانية: ترى أن هناك فعلاً فصيلاً إصلاحيًّا يختلف عن غيره.

- النظرية الثالثة: نظرية المراقِب الذي يراقِب التصرفات والمواقف، والتعليقات المختلفة؛ حتى التي على وسائل التواصل الاجتماعي ليكوِّن رؤية: هل فعلاً هناك فصيل إصلاحي أم لا؟ وهذا بلا شك تحدٍ كبير أمام حملة المنهج الإصلاحي ليثبتوا مِن خلال الواقع العملي أن الإصلاح خيار إستراتيجي لهم، وليس خيارًا تكتيكيًّا، وأن الموقف أو التعليق الذي يتحمل الأمرين إن حمله حامل على الاحتمال الأسوأ لم نستطع أن نخطئه؛ لأن التاريخ يشهد له.

التحدي المحلي الثاني: "التحدي الفكري":

للحفاظ على النقاء الفكري، وتصحيح المفاهيم؛ فالذي يطالِع التاريخ يتبيَّن له تلك الحقيقة، وهي أن كل انحراف عن ثوابت المنهج النقي للفكر الإسلامي الصحيح يقود إلى فتنٍ ومحنٍ، وصراعاتٍ مدمرة؛ فالخوارج لم يكن لهم أن يصيروا خوارج إلا حين أسسوا تحركهم على أساسٍ فكري منحرف عن الفكر النقي، وأقنعوا أتباعهم به، وعلى أساسه كفـَّروا المسلمين، واستباحوا دماءهم وأموالهم، والشيعة كذلك، وغيرهم مِن أصحاب الأفكار المنحرفة.

وفي واقعنا الحاضر: هؤلاء الشباب الذين يفجِّرون ويقتلون، ويخرِّبون بلادهم، ويشوهون صورة العمل الإسلامي، بل ويشوهون صورة أمتهم ودينهم، ويصدون عنه!

وإنما أصَّل ذلك خلل فكري تم اللعب عليه وتزيينه للشباب؛ حتى صاروا معاول هدم لبلادهم بدلاً مِن أن يكونوا لبنات بناء، فالانحراف الفكري يؤدي بلا شك إلى انحرافٍ سلوكي، وأخطر ما يكون على استقرار الدول اهتزاز البنية التحتية الشبابية لها بالانحرافات الفكرية والسلوكية؛ سواء كان بالتفريط والانحلال والإلحاد أو كان بالإفراط والغلو والتطرف؛ ولذلك فكل منهج إصلاحي لا يتبنى رؤية واضحة لحماية الشباب مِن الانحراف الفكري والسلوكي، وفي نفس الوقت رؤية لتوجيه الطاقات الشبابية في الاتجاه الصحيح؛ اتجاه البناء والإصلاح التدريجي "لا الصدامي" - كل منهج إصلاحي لا يمتلك تلك الرؤية الواضحة في هذا؛ فهو منهج قاصر، وكل منهج يحمل -وبجدية- هذه الرؤية؛ منهج أصحابه همْ مِن أوائل المستهدفين في هذا التحدي.

وهذا يفسِّر لك: لماذا "الدعوة السلفية" و"حزب النور" مستهدفون مِن كلا الجابين؛ الجانب الإلحادي الداعي إلى التفريط والانحلال، والجانب المغالي الداعي إلى العنف والتكفير؟!

فقد وقفت "الدعوة السلفية" على مدى تاريخها مواقف واضحة في مواجهة الانحرافات الفكرية والسلوكية بما لا يدع مجالاً للشك في أن هذه الرؤية واضحة عند قادتها وأبنائها، ومِن ذلك: الموقف مِن "الشكريين" و"التكفيريين" في السبعينيات، فقد قامتْ بإصدار مصنفات تؤصِّل للرد عليهم، وتفنيد شبهاتهم، وعمل مناظرات معهم، وعمل دورات توعية للشباب؛ لتحصينهم ضد تلك الأفكار والتحذير منها بيْن القواعد الشبابية، والإجابة على تساؤلات الشباب.

وكذلك الموقف مِن الجماعة الإسلامية في الثمانينيات والتسعينيات؛ حيث أصدرت "الدعوة السلفية" عدة أبحاث ومصنفات لبيان صور الخلل في المنهج العنيف الذي كانت تنتهجه "الجماعة الإسلامية" في ذلك الوقت في التعامل مع قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدام مع المجتمع ومؤسسات الدولة، وعقدتْ لذلك دوراتٍ للشباب على نطاقٍ واسع، ونشرتْ موادًا مسجلة تؤصِّل للرد على الشبهات التي كانت تُلقى على الشباب في ذلك الوقت؛ حتى قامت "الجماعة الإسلامية" بعمل المراجعات التي رجعتْ في جملتها إلى ما كانت تؤصِّل له الدعوة السلفية مِن قبْل!