كتبه/ أحمد يحيى الشيخ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فكتاب "منة الرحمن" هو أحد الكتاب التي ألفها فضيلة الشيخ "ياسر برهامي" -حفظه الله-، وقد كتب الله له من القبول والانتشار ما فاق به بعض الكتب الأخرى؛ نظرًا لقرب مؤلفه من قطاع الشباب وحسن تواصله معهم، وسهولة مأخذ الكتاب، ووضوح مسائله، وشموله للمنهج الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم في العقيدة والعمل والسلوك، كما أشار إليه مؤلفه في مقدمته، فاشتمل على مسائل الإيمان الكبرى بعبارة سهلة ميسرة، ثم بيان لقضية الاتباع وما يجب على المسلم في ذلك، ثم فصَّل في قضية التزكية وما يجب على المسلم تجاه نفسه وإخوانه، فكان الكتاب تطبيقًا عمليًّا لأصول المنهج السلفي وهي: التوحيد، والاتباع، والتزكية.
ولذلك كان هذا الكتاب هو أحد الكتب التي كان يُنصح بها للمبتدئ في دراسة العقيدة الإسلامية، مما أدى إلى انتشار بعض الشائعات حول الكتاب، كان منها زعمُ البعض أن المنتمين للدعوة السلفية يعقدون الولاء والبراء على الكتاب ويزعمون أن "من لم يقرأ المنة فليس منا!".
وقد تكرر هذا الكلام كثيرًا من بعض مشايخ الفضائيات حتى بالغ فزعم أن هذه قاعدة معروفة عند المنتسبين للدعوة السلفية.
ولنا مع ذلك وقفات:
1- هذه العبارة التي زعمها ناقلها لا نعرف أحدًا ينتسب للدعوة السلفية قال بها، ولا أحدًا يعتقد بذلك ولو لم يقل بها، فضلاً عن أن الشيخ "ياسر" -حفظه الله- قام بنفي هذا الكلام مرارًا، بل وأقسم على ذلك، بل وتبرأ من قول ذلك ومن قائله، فتكرار هذا الكلام بعد نفيه هو من قبيل الفجور في الخصومة، والتمادي في الافتراء والطعن الباطل.
وقد روى البيهقي وابن ماجه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللَّهِ فَلْيَرْضَ، وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللَّهِ، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).
2- هذه الكلمة والتي تعد اتهامًا ظاهرًا بالتعصب لكتاب بعينه ولشخص بعينه، لو طُلب من زاعمها أن يسميَ واحدًا قال بذلك لما استطاع، إلا أن يقول: زعموا، ولا أدري هل يؤاخذ الناس بالأقوال المرسلة؟!
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سمع) (رواه مسلم في مقدمة صحيحه)، وعن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
3- والواقع نفسه يشهد بكذب هذا الادعاء وردِّه على مدعيه، فالدعوة السلفية أنشأت معهد الفرقان في بداية التسعينات، ثم أعيد عمله بعد الثورة، وكان الشيخ "ياسر" هو من يتولى تدريس مادة العقيدة لطلاب المعهد في الإسكندرية، ومع ذلك لم يكن كتاب "منة الرحمن" هو أحد كتب المنهج الدراسي لطلاب المعهد طيلة السنوات الأربع التي هي مدة الدراسة.
ولا نبالغ إن قلنا: إن بعض كتب العقيدة الأخرى للمبتدئين قد نالت شهرة في أوساط الصحوة الإسلامية بسبب نصح مشايخ الدعوة السلفية بدراستها، مثل: كتاب أعلام السنة المنشورة للشيخ حافظ الحكمي، وكتاب تطهير الجَنان والأركان للشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي.
وبعض الكتب الأخرى ازداد اهتمام طلبة العلم بها بسبب شرح الشيخ ياسر نفسه لها، ومنها:
- من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: العقيدة الواسطية - اقتضاء الصراط المستقيم - رسالة العبودية - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان - الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز - التحفة العراقية في الأعمال القلبية - الفتوى المصرية في التوسل.
- ومن كتب ابن القيم -رحمه الله-: مدارج السالكين - طريق الهجرتين - الرسالة التبوكية.
- ومن كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-: مسائل الجاهلية - كشف الشبهات، إضافة إلى شرح كتاب التوحيد المسمى: "فتح المجيد" للشيخ عبد الرحمن بن حسن.
وهذا كله دليل على بطلان ادعاء أن كتاب "منة الرحمن" مخصوص بالدراسة دون غيره.
4- ثم لو كان الكلام على حال بعض المتعصبين -كما يزعم البعض-؛ فهو غير صحيح أيضًا، فما ذنب الدعوة السلفية وأبنائها أن يؤخذوا بجريرة بعض المتعصبين؟!
وقد كان التعصب على أشدِّه في بعض الفترات بين المذاهب الإسلامية حتى حرَّم بعضهم الزواج من بعض! فهل كان هذا مبررًا لنقد المذاهب وكل المنتمين لها؛ لأن بعض المنتسبين إليها يسيئون إليها، خاصة مع إنكار العصبية والحزبية؟!
5- ولو كان المقصود من الكلام الإنكار على تخصيص كتاب "منة الرحمن" بالدراسة، فهو إنكار غير مقبول من أوجه:
أحدها: ما قدمناه من أن الواقع لا يشهد بهذا التخصيص.
وثانيها: أن تخصيص أحد الكتب لا يعني التعصب له ولا لمؤلفه، فضلاً عن عقد الولاء والبراء عليه، وقد حظيت بعض الكتب بالاهتمام والدراسة على مدار التاريخ الإسلامي، مثل كتب ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب والنووي وابن حجر، فلم يَدَّعِ أحد أن هذا من قبيل التعصب لهؤلاء العلماء.
وثالثها: أن دارس أي كتاب لا يختاره إلا لاعتقاده أفضليته على غيره من بعض الوجوه، وهذا مما تختلف فيه الأنظار، فهذا الزعم لو صح لاطرد في كل الكتب المختارة، فسيقال: لماذا اخترتم هذا وتركتم ذلك؟ ومعلوم ما في هذا من التكلف وعدم الموضوعية في النقد!
6- في النهاية نقول كما قال الشيخ "عبد المنعم الشحات" في مقاله: "كتاب منة الرحمن لماذا؟": "وإنما أرَدنا هنا فقط أن نـُنـَبِّهَ إلى أن "منة الرحمن" ما هو إلا مَتنٌ جَمَعَهُ صاحبُه؛ ليُيَسِّرَ به أمرَ تَدَارُسِ المَنهج السلفي -كما يَعتقده- على المبتدِئين في طلب العلم، وهو في ذلك لا يَختلِف عن أيِّ كتاب آخر".
ونسأل الله أن يؤلف بين قلوبنا، وأن ينزع الغل من صدورنا.