الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 25 مارس 2012 - 2 جمادى الأولى 1433هـ

هل تعزية غير المسلمين في كبرائهم من الإقرار بالباطل وتعظيمه؟

السؤال:

يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "فَإِنَّ كُلَّ مَا عُظِّمَ بِالْبَاطِلِ مِنْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ بِنِيَّةٍ يَجِبُ قَصْدُ إهَانَتِهِ، كَمَا تُهَانُ الأَوْثَانُ الْمَعْبُودَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لَوْلا عِبَادَتُهَا لَكَانَتْ كَسَائِرِ الأَحْجَارِ" (مجموع الفتاوى).

أولاً: معلوم أن شنودة كان رجلاً معظمًا عندهم بالباطل، وأن الله قد بيَّن ذلك في كتابه، فقال: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) (التوبة:31)، وكما كنا ولا نزال إلى الآن نراه بأعيننا.

ثانيًا: تتعارف المجتمعات على توصيل رسائل ومشاعر معينة إلى الطرف الآخر بكلمات يتعارفونها، وقد لا تحمل تلك الكلمات بذاتها المعنى التفصيلي لكل الرسائل المراد توجيهها، مثلاً: حين أقول: السلام عليكم، فكلماتها تعني أنك آمن معي، لكن في عرف الناس أصبحت تنقل معنى التحية والترحيب، وعلى هذا مثلاً رجحتم أن المقصود بـ"لا تبدؤهم بالسلام" هي في منع البدء بالتحية عمومًا، ولو بألفاظ أخرى، مثل: صباح الخير، فكلاهما وإن اختلفت المعاني التفصيلية في كلماتها، فإنها ترسل نفس المعنى مِن نفل مشاعر التحية والترحيب.

وأيضًا: حين يقول أحدنا لأخيه في مصاب يصاب به: "إنا لله وإنا إليه راجعون - لله ما أخذ ولله ما أعطى - وخالص التعزية - والبقاء لله... "، فإنها لا تقتصر على المعاني التي في كلماتها، بل تنقل معها أيضًا مشاعر المواساة، والمشاركة في الحزن والتصبير، وتقدير مشاعر الحزن لديه، وهو ما يصل للطرف الآخر شئنا أم أبينا، فهكذا تعارف الناس...

وبفرض أن لديك جارًا عاش حياته يعبد صنمًا مع الله، ثم كُسر هذا الصنم فحزن جارك لهذا حزنًا شديدًا: فهل يُستساغ أن تقول له: "معلش .. قدر الله وما شاء فعل"؟! الكلمات في نفسها تحمل معنى صحيحًا بالتأكيد، لكن تعارف الناس على أن مثل تلك الكلمة تنقل معها أيضًا مشاعر المواساة، هذه المشاعر تنتقل إليه رغمًا عنك، أليس مما يصل للطرف الآخر من هذه المشاعر المتعارف عليها بغض النظر عن كلماتها يؤكد لديه أنك تقدر حزنه، وبالتالي لا يشعر بنكارة ما كان يفعله قبل ذلك؟! أليس هذا من الإقرار على تعظيمه لهذا الصنم؟!

المسألة الثانية: معظم الإخوة يشعرون بنوع من التناقض، ففي قلوبهم فرحون بموت شنودة؛ فكيف يظهرون خلاف ما يبطنون من مشاعر التعزية والمواساة والتعاطف؟ وهل يدخل ذلك في الحادثة التي قال فيها النبي -عليه الصلاة والسلام-: (بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ) (متفق عليه)؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأولاً: أرجو أن تراجع الفتوى الملحقة المنشورة، وفيها نقل كلام أهل العلم في تعزية الكافر بكافر، وستجد فيها من كلام أهل العلم في استعمال ألفاظ يَفهم السامعُ منها معنى في المواساة، وهم يقصدون معنى آخر، نحو: "لا نقص الله عدوك"، مع أننا لم نستعمل مثل ذلك في التعزية المذكورة، بل كانت ألفاظًا تذكِّر بملك الله -سبحانه- وبقائه، دون ما ذكره العلماء.

ثانيًا: نحن لم نعزِ في كسر صنم، ولكن في الموت، وهو حدث جلل لكل مخلوق، وقد قف النبي -صلى الله عليه وسلم- لجنازة يهودي حين مرت به، وقال: (أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟!) (متفق عليه).

فقياسك الذي ذكرتَ على مَن عزَّى وواسى عابد الصنم غير صحيح؛ وإلا فكيف تفهم رسائل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ملوك الأرض وفيها: "إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ" (متفق عليه)، ونحوه؟!

وهل ذلك إلا لمراعاة المصالح المعتبرة ودرء المفاسد؟!

وأما المسألة الثانية: فهل يلزمني في كل موطن أن أقول كل ما نفسي من مشاعر صباحًا ومساءً؟!

ألا يكفي ما صرحنا به مِن عدم جواز الاستغفار والترحم، وتلاوة الآيات الواضحة الصريحة والتصريح بانطباقها عليهم؟!

والله ما أدري ما يريد الإخوة المنتقدون بعد هذا؟!