الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 25 مارس 2012 - 2 جمادى الأولى 1433هـ

حول فتوى التعزية في بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية "شنودة الثالث"

السؤال:

سمعنا أنكم أجزتم تعزية النصارى في وفاة "شنودة الثالث"، وعندي على ذلك استفساران:

- بفرض أنه كان من أهل الذمة، فهل يجوز تعزية أهل ملته ببيان رسمي لم نرَ مثله لأكابر ماتوا من المسلمين؟ أوليس في ذلك إعزاز وإكرام لهم؟ أوليس في ذلك تلبيس على العوام؟ قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- في حكم تعزية الكافر: "والراجح أنه إذا كان يُفهم من تعزيتهم إعزازهم وإكرامهم كانت حرامًا؛ وإلا فينظر في المصلحة" (مجموع فتاواه).

- الظاهر من حياة شنودة أنه كان حربًا علي الإسلام والمسلمين، وأنه لا يدخل بحال تحت توصيف أهل الذمة، وهو الذي طالما أرهب النصارى الذين اختاروا الإسلام، بل عذبهم وقتلهم، ولا يخفي تفاصيل ذلك عنكم. فالسؤال هل يجوز التعزية في وفاة الكافر الحربي؟

فنرجو منكم أن تحترموا عقولنا نحن الشباب، فلم يعد لدينا أي استعداد للتقليد الأعمى، فإما أن تقنعونا بأقوالكم؛ وإلا فلا تنتظروا منا التزامها.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- فقد قال الموفق ابن قدامة في المقنع 273/6: "ويقول في تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وغفر لميتك. وفي تعزيته عن كافر: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك. وفي تعزية الكافر بمسلم: أحسن الله عزاءك، وغفر لميتك. وفي تعزيته عن كافر: أخلف الله عليك، ولا نقص عدوك".

وقال المرداوي في الإنصاف: "ولا يدعو لكافر حي بالأجر، ولا لكافر ميت بالمغفرة. وقال أبو حفص العكبري: ويقول له أيضًا: وأحسن عزاءك. وقال أبو عبد الله بن بطة: يقول: أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحدًا من أهل دينك". ثم ذكر الخلاف في المذهب في تعزية الكفار على 3 أقوال: "التحريم - الكراهة - الإباحة".

وذكر جواز التعزية في الكفار بنحو ما سبق، الإمام النووي في روضة الطالبين 145/2.

وحكم تعزية المستأمن والمعاهد كأهل الذمة.

- بل لا دليل على المنع من تعزية المحاربين إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين، والقياس عند المانعين من التعزية عمومًا على العيادة لمرضاهم، وقد ثبت بالدليل عيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه أبي طالب، وللغلام اليهودي؛ فثبت عيادة الحربي والمعاهد، فعليه مسألة التعزية.

ومَن يبني الأمر على المصلحة ويعرف الواقع الحاصل؛ لا أراه إلا يجزم بوجود مصلحة بالتعزية؛ خصوصًا أن مجموعهم لا يصرح بالمحاربة، بل يلين الكلام للمسلمين، وأنت وغيرك تعلمون أيضًا ما قلناه في وسائل الإعلام من التصريح بعدم جواز الترحم والاستغفار له، واستدللت بنص الآية: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة:113-114).

فأي تدليس يحصل للناس بعد هذا البيان؟!

وأي إعزاز وإكرام يتصور بعد ذلك؟!

"راجع حلقة 90 دقيقة على قناة المحور، عمرو الليثي مع د. ياسر برهامي، بتاريخ: 2012/3/19".

ثم في النهاية شكرًا لكَ على حسن أدبك!