الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 06 سبتمبر 2006 - 13 شعبان 1427هـ

شهر شعبان فضائل وأحكام

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن لشهر شعبان عند الله -تعالى- فضيلة، فقد جعله الله نفحة مِن نفحاته، ومضمارًا للتسابق بيْن عباده إلى مرضاته؛ ولعظيم فضله رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه إلا قليلاً، ففي الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالتْ: "ْكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ"، وفي رواية قالتْ: "كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلاً" (رواه مسلم).

وعند أبي داود بسنده عن أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وطريقة الجمع بيْن هذه الروايات: أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم أغلبه، قاله ابن المبارك، واختاره ابن حجر حيث قال: "وهو الصواب؛ لأن أولى ما تفسر به الرواية، رواية أخرى" (فتح الباري 4/ 252).

ويُستدل بهذه الأحاديث أيضًا على أن أفضل الصيام بعد رمضان شهر شعبان؛ لمواظبته -صلى الله عليه وسلم- على صوم أكثر شهر شعبان، ويحمل حديث: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ) (رواه مسلم)، على التطوع المطلق، والله أعلم.

والحكمة مِن صومه -صلى الله عليه وسلم- أكثر شهر شعبان:

أولاً: "كان -صلى الله عليه وسلم- يصوم ثلاثة أيام مِن كل شهر، فربما شُغل عن الصيام أشهرًا، فيجمع ذلك في شعبان ليدركه قبْل صيام الفرض.

ثانيًا: أنه فعل ذلك تعظيمًا لرمضان، فهو صوم بمثابة السُّنة لفرض الصلاة قبْلها تعظيمًا لحقها.

ثالثًا: أنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب -صلى الله عليه وسلم- أن يرفع عمله وهو صائم" (تهذيب سنن أبي داود لابن القيم).

مِن فضائل هذا الشهر الكريم:

- ترفع فيه الأعمال إلى الله -عز وجل-:

عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

"فالأعمال تُرفع إلى  الله -عز وجل- كل يوم إجمالاً وتفصيلاً كما في الصحيح: (يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ) (رواه مسلم)، وكذلك ترفع إليه أعمال الجمعة في يومي الاثنين والخميس؛ لذلك كان -صلى الله عليه وسلم- يصومهما، وترفع إليه أعمال السَّنة في شهر شعبان" (تهذيب سنن أبي داود لابن القيم).

- فيه ليلة النصف:

وهي ليلة عظيمة، شريفة كريمة، ينزل فيها الرب العظيم -جلَّ وعلا- نزولاً يليق بجلاله وكماله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11)، إلى سماء الدنيا؛ فيغفر لأهل الأرض إلا لمشركٍ أو مشاحن، كما صح الحديث بذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ينزل ربنا -تبار وَتَعَالَى- إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لأَهْلِ الأَرْضِ إِلا مُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) (رواه أحمد، وابن أبي عاصم في السَّنة، وصححه الألباني).

قال العلامة الألباني -رحمه الله-: "ما ورد في فضلها مِن الأحاديث، وإن كانت مفرداتها ضعيفة الأسانيد، فبعضها يقوي بعضًا، ولكن ليس في الشرع ما يدل على خصوص إحيائها" (مساجلة علمية ص41).

ولا تعارض بيْن هذا الحديث وبيْن أحاديث نزول الرب -تعالى- كل ليلة؛ فحديث ليلة النصف مطلق، وحديث كل ليلة مقيد بالثلث الأخير مِن الليل.

وفسِّرت المشاحنة إما لعموم المسلمين، وهذا صحيح، والواجب أن يكون صدر المسلم سليمًا لإخوانه، وإن نزغ الشيطان نزغًا؛ فليستعذ بالله مِن الشيطان الرجيم، وليدفع عن نفسه ذلك، وليسارع إلى أخيه يضع يده في يده، وإما بالمشاحنة لصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يفعل الرافضة، والعلمانيون الزنادقة؛ خلافًا لقول المؤمنين: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10).

فمن كانت بينه وبيْن أخيه شحناء؛ فليبادر برفعها قبْل ليلة النصف تعرضًا لنيل مغفرة الله -تعالى- ورحمته -سبحانه وتعالى-، والحذر كذلك مِن مظاهر الشرك بنوعيه: الأكبر والأصغر، وليعش المسلم على توحيده الخالص لله رب العالمين.

وليس لليلة النصف إحياء مخصوص: كصلاة الرغائب، وغيرها، أو تجميع الناس لصلاة القيام في المسجد؛ فكل هذا مِن البدع، وكل بدعة ضلالة، والمبتدع مِن أبعد الناس عن الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) (متفق عليه)، أي: مردود، ولأن الأصل في القيام الانفراد، ولم يرد عن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- ولا عن القرون الخيرية أنهم فعلوا ذلك، وما لم يكن يومئذٍ دينًا فليس اليوم دينًا".

فأنت -أخي- في هذه الليلة تبحث عن رضوان الله، وتتعرض لمغفرته؛ فلا تكن ببدعتك هذه بعيدًا عن الله، ونسأل الله أن يغفر لنا جميعًا وأن يتقبلنا، لكن لو جلس في بيته يذكر الله -تعالى- ويصلي في هذه الليلة لا بأس، تعرضًا لمغفرة الله ورحمته.

قال ابن الصلاح -رحمه الله-: "أما ليلة النصف مِن شعبان؛ فلها فضيلة، وإحياؤها بالعبادة مستحب، ولكن على الانفراد مِن غير جماعة" (مساجلة علمية ص 41).

- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، هذا هو لفظ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، فورد عن أحمد وابن معين: أنه منكر، ومنهم مَن صححه كالعلامة الألباني -رحمه الله-، وورد حديث آخر يعارضه -وهو متفق عليه-: (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ)، والقاعدة: "إذا تعارض حديثان وجب الجمع"؛ فمنهم مَن قال بالحديث المتفق عليه على افتراض صحة الحديث الآخر، ومنهم مَن قال: الإعمال أولى مِن الإهمال، فيجمع بينهما، كالإمام الشافعي -رحمه الله-؛ قال: "مَن صام في النصف الأول جاز له أن يصوم في النصف الثاني، ومَن لا؛ فلا" (لطائف المعارف).

- يحرم صوم "يوم الشك"، وهو يوم الثلاثين مِن شعبان، ذلك الذي يُشك فيه: هل هو مِن شعبان أو مِن رمضان؟ فعن عمار -رضي الله عنه- قال: "مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)؛ إلا إذا وافق صومًا معتادًا فلا بأس؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ).