كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
خامسًا: مراعاة آداب النصيحة والتقويم:
النصيحة بين المتعاونين على الإصلاح من أعظم أسباب حفظ الأفراد من مسالك الأشقياء وطريق الاعوجاج؛ فالمؤمن مرآة أخيه كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (المُؤمن مرآةُ أَخِيهِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو المؤمنِ، يَكفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَه) (رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني)، وقال: (الْمُؤْمِنُ مَرْآةُ أَخِيهِ، إِذَا رَأَى فِيهَا عَيْبًا أَصْلَحَهُ) (رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني).
وهذا من جوامع كَلِم النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان حقوق الأخوة الإيمانية، فالمرآة تجمع من الصفات التي يحتاجها المؤمن في تعامله مع أخيه الكثير والكثير.
قال المناوي -رحمه الله-: "قال الطيبي: إن المؤمن في إراءة عيب أخيه إليه كالمرأة المجلوة التي تحكي كل ما ارتسم فيها من الصور ولو كان أدنى شيء؛ فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه يستشف من وراء حاله تعريفات وتلويحات، فإذا ظهر له منه عيب قادح كافحه، فإن رجع صادقه. وقال العامري: معناه كن لأخيك كالمرآة تريه محاسن أحواله وتبعثه على الشكر وتمنعه من الكبر، وتريه قبائح أموره بلين في خفية، تنصحه ولا تفضحه؛ هذا في العامة، أما الخواص فمن اجتمع فيه خلائق الإيمان وتكاملت عنده آداب الإسلام، ثم تجوهر باطنه عن أخلاق النفس ترقَّى قلبه إلى ذروة الإحسان فيصير لصفائه كالمرآة إذا نظر إليه المؤمنون رأوا قبائح أحوالهم في صفاء حاله وسوء آدابهم في حسن شمائله" (فيض القدير).
وقال أيضًا: "فأنت مرآة لأخيك يبصر حاله فيك، وهو مرآة لك تبصر حالك فيه؛ فإن شهدت في أخيك خيرًا فهو لك وإن شهدت غيره فهو لك، وكل إنسان مشهده عائد عليه، ومِن ثَمَّ قالوا: من مشهدك يأتيك روح مددك. (وَالْمُؤْمِنُ أَخُو المؤمنِ): أي: بينه وبينه أُخوة ثابتة بسبب الإيمان، فالمؤمنون إخوة. (يَكفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَه): أي: يجمع عليه معيشته ويضمها له، وضيعة الرجل ما منه معاشه. (ويحُوطُه مِن وَرَائِهِ): أي: يحفظه ويصونه، ويذب عنه ويدفع عنه مَن يغتابه أو يلحق به ضررًا، ويعامله بالإحسان بقدر الطاقة، والشفقة والنصيحة، وغير ذلك. قال بعض العارفين: كن رداءً وقميصًا لأخيك المؤمن، وحُطْه من ورائه واحفظه في نفسه وعرضه وأهله؛ فإنك أخوه بالنص القرآني فاجعله مرآة ترى فيها نفسك، فكما يزيل عنك كل أذى تكشفه لك المرآة؛ فأزل عنه كل أذى به عن نفسه" (فيض القدير).
كن كالمرآة:
ففي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (المُؤمن مرآةُ أخِيه) بيان لما يحتاجه المؤمن من صفات في تعامله مع أخيه المؤمن، وهذه الصفات مجموعة في المرآة كالآتي:
- فالمرآة كلما كان سطحها أنقى كان كشفها للعيب أوضح، والمؤمن كلما كانت نفسه أنقى، وقلبه أتقي كانت بصيرته بالعيب أوضح، وحرصه على أخيه أعظم.
- والمرآة تكشف لصاحبها العيوب الظاهرة؛ والمؤمن يكشف لأخيه عيوبه؛ سواء كانت باطنة -ظهر أثرها- أو كانت أمامه ظاهرة.
- والمرآة تكشف لصاحبها العيب بلا ضجيج؛ والمؤمن يبيِّن لأخيه عيبه بأسلوب حسن رقيق.
- والمرآة لا تكشف العيوب لغير حاملها؛ والمؤمن يستر أخيه ولا يكشف عيبه لغير مُصلِحه.
- المرآة لا تعرض صورة صاحبها إن غاب عنها، والمؤمن لا يفشي سرَّ أخيه إن غاب عنه.
- المرآة لا تقتصر على كشف العيب فقط، بل تعين على تلافيه، والمؤمن لا يقتصر على كشف عيب أخيه فقط، بل يساعده في علاجه وتخطيه.
- المرآة تتغير فيها صورة صاحبها بزوال العيب عنه؛ والمؤمن ينسى عيب أخيه بمجرد توبته منه، فلا يصلح هنا مبدأ: "الانطباع الأول يدوم".
وللحديث بقية -إن شاء الله-.