كتبه/ محمد صادق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ففي صفحات السيرة النبوية، نقف أمام مواقف تَهُزُّ القلوب وتُزَلْزِل المشاعر، مثل حادثة بئر معونة وحادثة الرجيع، حيث قُتِل خيار الصحابة من القراء والدعاة غدرًا وخيانة. للوهلة الأولى قد يظن الناظر أن الباطل انتصر، وأن الحق انهزم، لكن التدبُّر يكشف لنا غير ذلك تمامًا.
تأثُّر النبي -صلى الله عليه وسلم-:
هاتان الحادثتان وقعتا في وقت متقارب، بعد غزوة أُحد وما تبعها من آلام. تَأَثَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- تأثُّرًا بالغًا؛ إذ فقد سبعين من القراء في بئر معونة، ثم قُتِل وأُسِر خيرة أصحابه في الرجيع. لقد وَجَد وحَزِن -صلى الله عليه وسلم- حزنًا شديدًا، حتى دعا على الغادرين شهرًا كاملًا في صلاة الفجر. هذا الحزن النبوي يُبَيِّن مدى محبته لأصحابه وحرصه على الدعوة، ويُعَلِّم الأمة أن الفقد والألم لا يعنيان تراجعًا، بل صبرًا وثباتًا.
كرامة للشهداء:
ما نال هؤلاء الصفوة من الأذى لم يكن هزيمة، بل رفعة وكرامة، رفعهم الله إلى مقام الشهادة، وأكرمهم بالحياة عنده: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا. بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169)، لقد خُتِمت حياتهم في أعظم موقف، ثابتين على الحق، رافعين راية الدعوة حتى آخر لحظة.
شقاء للغادرين:
أما الذين خانوا وغدروا، فقد صار الغدر سِمَتَهم والعار عنوانهم. لم يَجْنَوْا من فعلتهم إلا خزيًا في الدنيا وعذابًا في الآخرة. وهكذا يُظْهِر الله أن الباطل مهما بدا قويًا، فإن عاقبته الهوان.
دروس دعوية:
الثبات أمام بطش الباطل رسالة دعوية أبلغ من الخطب والكلام. خُبَيْب بن عدي -رضي الله عنه- وهو مصلوب في مكة، لم يتراجع عن دينه، ولم يساوم على إيمانه، بل ازداد ثباتًا، فكان أكبر داعية بثباته، وقدوة للأمة بعد مماته.
دروس تربوية:
- الحق لا يُقاس بغلبة الدنيا، بل بصدق المبدأ وموافقة الوحي.
- قد يبدو الباطل منتصرًا حينًا من الزمن، لكنه سراب ينقضي، ويبقى الحق عاليًا.
- الابتلاء سنة ماضية لتربية النفوس وتزكية القلوب، حتى يثبت أهل الحق أن ولاءهم لله لا للمصالح.
الخاتمة:
إن ما جرى في بئر معونة والرجيع يُرَسِّخ قاعدة عظيمة: قد ينال أهل الباطل من أهل الحق ظاهرًا، لكن ذلك لا يقدح في صدق الحق، بل هو كرامة لأهله، وشقاء على أعدائه.
وهكذا تتجلى حكمة الله، ليبقى الحق ثابتًا راسخًا، وليعلم الناس أن النصر ليس دائمًا بما تراه العيون، بل بما يثبته الله في القلوب.