الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 6 جمادى الأولى 1447هـ

فقه السكوت (1)

كتبه/ إسلام صبري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتتردد بين الحين والآخر مقولة: ليتكم سكتم، أو كان يسعكم السكوت، أو إن لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل، ونحو ذلك.

وهنا نحب أن نقرر عدة أمور:

كثير من الخلاف ينشأ عن استخدام العمومات التي لا تتناسب مع محل النزاع، وتكون -تلك العمومات- في أغلب الأحوال غير مختلف فيها أصلًا؛ فمثلًا: من يقول لك متهجمًا أثناء نقاش هادئ في مسألة خلافية عادية: "يجب اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم"، فستجد نفسك تقول له بكل هدوء وحزم: "نعم يجب ذلك بكل تأكيد"، ولكن لأن المسألة خلافية وأنت تتبع قولًا ما ديانةً لله -عز وجل- فتجده يرفع عليك سيفًا لبعض العمومات التي لا تختلف معه فيها أصلًا، وذلك لضيق أفقه، أو لهوًى في نفسه وبغي على عباد الله المؤمنين؛ يظن بذلك أنه حامي الحمى والذاب عن الدين، وهو مسكين ضاق أفقه، أو اتبع هواه، إلا من رحمه الله -تعالى- ولسبيل الهدى وفقه وهداه.

بعض العمومات لا علاقة لها بمحل النزاع، أو يستعملها المخالف بصورة خاطئة كقولهم مثلًا: "إن لم تستطع قول الحق فلا تصفق للباطل"، وهي كلمة حق يُراد بها الباطل أحيانًا، فكثيرًا ما يكون الذي يريدون مني قوله ليس بحق أصلًا، ولا ما أفعله باطل أصلًا، وهكذا يضيع الحق بين الناس بمثل هذه العمومات.

بعض المسائل يكون فيها ثلاثة آراء، رأيان متقابلان وثالث بالتوقف (أو السكوت)، فيجب تحري الحق وإعمال الاجتهاد ليصل المجتهد إلى أحد هذه الآراء الثلاثة، ثم يلزمه ما وصل إليه باجتهاده ولا يسعه غيره، ولا يحق لمجتهد آخر -فضلًا  عمن هو دونه في العلم، فضلًا عمن ليس عندهم علم- أن يقول له: "كان يسعك السكوت" أو "كان يسعك الرأي الفلاني"، كلا، بل لا يسعه إلا ما وصل إليه باجتهاده ويحرم عليه مخالفة اجتهاده، وإن أرهبه الجهال أو البغاة.

وخير مثال على هذا: ما حدث بين الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- في الخلاف المشهور بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- وعن الصحابة أجمعين، فاختلفوا كالآتي: فريق مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وفريق مع معاوية -رضي الله عنه-، وفريق اعتزل ورأى الأمر فتنة، وتوقف فيها وغمد سيفه كسعد وطلحة وابن مسعود -رضي الله عنهم أجمعين-.

وقد قرَّر النووي -رحمه الله- في شرحه لصحيح مسلم: أن كل فريق لم يكن يسعه إلا هذا الموقف الذي اتخذه؛ وذلك لأنهم مجتهدون.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.