كتبه/ مصطفى حلمي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد صدرت في السنوات الأخيرة -عقب نكبة فلسطين- الكثير من الكتب والبحوث والدراسات حول دَوْر اليهود في أبرز الأحداث التاريخية المعاصرة.
دور اليهود في الأحداث التاريخية المعاصرة:
ومن الوثائق التي تسرَّبت من أحد اجتماعاتهم السرية، ما يكشف النقاب عن جزء من هذا الدَّوْر، تلك الوثيقة المتضمِّنة لخطبة أحد كبار الحاخامات في روسيا، قال فيها: "قد بُلينا بسبي بابل، وذُقنا به مَرَّ العذاب، وأمَّا الآن فقد صِرْنا وحدَنا القادرين على كلِّ شيء، هُدِّمت هياكلنا، وحُرِّقت مذابحنا، ولكنَّنا شَيَّدْنا منها كثيرًا، وأقمنا بدلَها آلافًا مؤلَّفة، مضى علينا في العبودية ثمانية عشر قرنًا، وخرجنا من وهدة الذُّلِّ وعَلَوْنا على كلِّ الشعوب" (مكائد يهودية عبر التاريخ، عبد الرحمن حبنكة، ص: 416، ط. دار القلم - بيروت) أي: إنَّهم عادوا للعلوِّ مرة ثانية.
وعلى أيَّة حال، فقد خدَع اليهود الأمم عندما بَنَوْا حركتَهم على صِلَتِهم التاريخية بفلسطين، مع أنَّ هذه الصِّلَة قد انتفت نهائيًّا منذ تخريب الإمبراطور "تيطس" للهيكل سنة 70م، وتشتيتهم في أنحاء الإمبراطورية الرومانية سنة 135م في عهد الإمبراطور "أدريان" (إسرائيل فتنة الأجيال، إبراهيم خليل أحمد، ص: 331، مكتبة الوعي العربي 1970م).
كما ظهر من بينهم مَنْ يعارض هذا الزعم، يقول: "أدوين مونتاجو الوزير البريطاني (1916-1922): إنِّي يهودي؛ ولكنِّي أعترف بأنَّه لا توجد قومية يهودية، وأنَّ فلسطين ليست لها عَلاقة باليهود" (المصدر السابق، ص: 308).
وقد وُظِّفت العقيدة الدينية اليهودية في تحقيق إقامة الكيان الصهيوني باسم إسرائيل، واتَّفق على ذلك المتديِّنون والعلمانيون معًا، وهي ظاهرة تبدو غريبة؛ لأنَّها تخالف ما عَهِدْناه من الخصومة التقليدية بينهما في بلاد العالم، وأرغمت إسرائيل العالم كله على الاعتراف بها؛ بل أصبحت مَحطَّ الأنظار وموضع التبجيل والتقدير من الدول الكبرى قبل الصغرى، ويتضح ذلك من مراسم تشييع أحد رجال السياسة والحرب هناك "إسحاق رابين" (مقالة غادة الكرمي بجريدة "الحياة" 23/11/1995م نقلًا عن كتاب "آليات الاختراق الإسرائيلي للمنطقة العربية"، ص: 287، مصطفى عبد الرازق، كتاب الغد - دار الغد العربي - نوفمبر سنة 1996م). شارك في جنازته خمسون رئيس دولة، إضافة إلى أربعة آلاف من الشخصيات الرسمية من إسرائيل وأنحاء العالم، بينهم وفد أمريكي من مائة مسؤول في الإدارة على رأسهم الرئيس "كلينتون"، ولم تكتفِ بريطانيا بإرسال رئيس الحكومة "جون ميجور"؛ بل كان هناك أيضًا ولي العهد الأمير "تشارلز"، إلخ.
ويستنتج "جارودي" من هذا الحدث البارز عدة ملاحظات:
أولها: أنَّ قاتل "رابين" ليس مجنونًا ولا عَرِبدًا؛ ولكنَّه نتاج خالص للتربية الصهيونية؛ إذ تشبَّع بتعاليم المدارس التلمودية، ويحتفظ في مكتبته بسيرة "باروخ جولدشتاين" الذي اغتال في الخليل سبعة وعشرين من العرب وهم يُصلُّون، ورأى في التلفزيون الرسمي الإسرائيلي عرض جماعة "إيال" -أي: محاربي إسرائيل- وهم يُقسِمون على قبر مؤسِّس الصهيونية السياسية "تيودور هرتزل" بأن يَعْدِموا أيَّ شخص يُفرِّط للعرب في أرض الميعاد في يهودا وسامرا -الضفة الغربية حاليًّا-.
ثانيها: اعترف القاتل -وهو لسان حال المتطرِّفين اليهود- بأنَّ الأمر بالقتل جاءه من الربِّ كما كان يحدث في عهد يوشع، وهو أيضًا نبت المجتمع الإسرائيلي، فإنَّ المستعمرين في قريتَيْ إربا وحبرون الجليل كانوا يرقصون فرحًا يوم اغتيال "رابين" وهم يردِّدون مزامير داود حول الضريح المقام على باروخ "جولدشتاين" (الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية، ص: 42، 43، رجاء جارودي، ترجمة قسم الترجمة بدار الغد العربي بالقاهرة سنة 1996م).
ثالثها: أنَّ "رابين" كان هدفًا رمزيًّا، لا كما ادَّعى "كلينتون" من أنَّه حارب طوال حياته من أجل السلام؛ لأنَّه في الحقيقة هو الذي قاد جيوش الاحتلال في بداية الانتفاضة الأولى وأعطى الأوامر بكسر عظام يدَيْ الأطفال الفلسطينيين الذين لم يكونوا يملكون شيئًا آخر سوى الأحجار للدفاع عن أرض أجدادهم <المصدر السابق، ص: 43>.
وإلى الذين لا يزالون يشكُّون في السيطرة العالمية لليهود، وتحكُّمهم في مجريات الأمور السياسية والاقتصادية والإعلامية، نسوق دراسة مختصرة لبروتوكولات حكماء صهيون، التي حقَّق اليهود أغلبَها ولم يَبْقَ إلا تحقيق الحلم في مدِّ حدود دولتهم الجغرافية من النيل إلى الفرات.
قال الأستاذ "أنيس منصور": "إنَّ إسرائيل نفسَها ليست لها خريطة رسمية، إنَّ حدودَها مفتوحة، لم تُحدَّد بعد، بل هم لا يريدونها محدودة؛ لأنَّ أطماعَهم لم تقف عند أيَّة حدود بعد، إنَّهم يريدون أن يحتالوا وأن يساوموا وأن يسرقوا، وليس صحيحًا أنَّهم يريدون سلامًا أو تعايشًا، إنَّهم لم يعرفوا السلام ولم يعايشوا أحدًا في أيِّ عَصْرٍ من العصور".
ثم يستطرد: "ويكذب "بن جوريون" عندما يزعم أنَّ العالم كله يقول: إنَّ اليهود يعيشون على أنَّهم سادة البشر، وأنَّهم يجب أن يتمكَّنوا من رقاب العالم كله، ونحن نقول: كان هذا رأي اليهود من آلاف السنين؛ ولكن ليس هذا رأيَهم الآن".
ويعلِّق أنيس منصور بقوله: "ولكن "بن جوريون" يُغالط طبعًا، فلا تزال الأحزاب الدينية والكتب الحديثة التي تصدر عن إسرائيل تؤكِّد ما يريد أن ينفيه" (وجع في قلب إسرائيل"، ص: 55، أنيس منصور، المكتب المصري الحديث بالقاهرة سنة 1979م).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.