الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 - 29 ربيع الثاني 1447هـ

أثر العربية في نهضة الأمة (11)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فهذا الوعي الخاصّ باللغة العربية لا بدّ أن تحميه إرادةٌ سياديّةٌ، نراها على أرض الواقع، بعيدًا عن التنظير، وذلك دأب أسلافنا مِن قديم، الذين كانت لهم عنايةٌ ملموسةٌ وجهودٌ مُكثّفةٌ في تشجيع طُلّاب العلم.

ومِن ذلك ما يُروى عن الملك المُعظَّم شرف الدين عيسى بن العادل بن أيوب، صاحب دمشق.

قال ابن خلّكان في "وفَيَات الأعيان" (3/ 494، 495): "وكان المُعظَّم يُحبّ الأدب كثيرًا، ومدحه جماعةٌ من الشعراء المُجيدين فأحسنوا في مدحه، وكانت له رغبةٌ في فنّ الأدب.. وقيل: إنّه كان قد شرط لكل مَن حفظ "المُفصَّل" لِلزَّمخشري مائةَ دينارٍ وخِلْعة، فحفظه لهذا السَّبب جماعةٌ، رأيتُ بعضهم بدمشقَ والنّاس يقولون: إنّ سبب حفظهم له كان هذا.. ولَم أسمع بمثل هذه المنقبة لِغيره" (انتهى).

ولا شكّ أنّ لُغةً تحوَّلت مِن لُغةِ بداوةٍ إلى لُغةِ عِلمٍ تستوعب كل ما عرفت الأمم القديمة من عُلومٍ لَجديرةٌ بكل إجلالٍ وحفاوة.

قال د. شوقي ضيف: "ومِن أكبر الدّلالات على هذه الطّاقات التي حازتها العربية قديمًا في دنيا العلوم أنّه حين بدأت إيران حركاتِها الاستقلاليّةَ في القرن الرّابع الهجري، وأخذت تستظهر لُغتَها الفارسيّة، لَم تجد بُدًّا من أن تظلّ قُرونًا عدّةً مُتمسِّكةً بالعربية لُغةً لِلعِلْم، مُؤمِنةً بأنّ الفارسيّةَ لا تستطيع في هذا المجال أن تسدّ مسدّها أو تغني غناءها، ويُصوِّر البيروني في القرن الخامس الهجري بوضوحٍ هذا المعنى قائلًا: (إلى لسان العرب نُقلت العُلومُ في أقطار العالَم وازدانت وحلّت إلى الأفئدة، وسرَت محاسنُ اللُّغةِ منها إلى الشَّرايين والأوردة.. ويعرف مصداقَ قولي مَن تأمَّل كتابَ عِلمٍ قد نُقل إلى الفارسيّةِ، ذهب رَونقُه وكُسف بالُه وزال الانتفاعُ به)، وهي شهادةٌ قديمةٌ مِن عالِمٍ إيرانيٍّ كبيرٍ بعبقريّةِ العربيّةِ في أداءِ العُلوم" (انتهى).

لذا ينبغي على مُثقَّفي أُمَّتِنا العربيّةِ وجميعِ هيئاتِها السِّياديّةِ أن يبذلوا ما يستطيعون مِن مجهودٍ في رفع الحواجز اللغوية الفاصلة بين حياتِنا الأدبيّةِ وحياتِنا العِلميّة، ممّا يتيح لِأُمَّتِنا تحقيق نهضتها الثَّقافيّة والحضاريّة المَرجُوَّة، وما أكثرَ الخُبراءَ والأساتذةَ وأصحابَ الفكرِ والرَّأيِ والكلمةِ القادرين على التَّغيير!

ونلتقي في المقال القادم -إذا قَدَّر اللهُ اللِّقاء-.