الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 19 سبتمبر 2024 - 16 ربيع الأول 1446هـ

اليهود كفار بالله ورسله (من تراث الدعوة)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقال الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا ‌بَيْنَ ‌ذَلِكَ ‌سَبِيلًا . أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) (النساء: 150-151).

قال ابن كثير رحمه الله: "يتوعّد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنّصارى، حيث فرّقوا بين اللّه ورسله في الإيمان، فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض، بمجرّد التَّشهِّي والعادة، وما ألفوا عليه آباءهم؛ لا عن دليل قادهم إلى ذلك، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك، بل بمجرد الهوى والعصبيَّة. فاليهود - عليهم لعائن اللّه - آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، والنّصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمّد صلى الله عليه وسلم.

ومن كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء؛ فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه اللّه إلى أهل الأرض، فمن ردَّ نبوته للحسد أو العصبيَّة أو التّشهّي تبيَّن أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعيًّا، إنما هو عن غرض وهوًى وعصبيَّة؛ ولهذا قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) فَوَسْمَهُمْ بِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، (‌وَيُرِيدُونَ ‌أَنْ ‌يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ) أَيْ: فِي الْإِيمَانِ (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا)؛ أي: طريقًا ومَسْلَكًا.

ثم أخبر تعالى عنهم، فقال: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا) أي: كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به؛ لأنه ليس شرعيًّا؛ إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره، وبمن هو أوضح دليلًا وأقوى برهانًا منه، لو نظروا حق النظر في نبوته.

وقوله: (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) أي: كما استهانوا بمن كفروا به؛ إما لعدم نظرهم فيما جاءهم به من الله، وإعراضهم عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه، وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته، كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة، وخالفوه وكذبوه وعادوه وقاتلوه؛ فسلَّط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) (البقرة: 61)، في الدنيا والآخرة.

وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) يعني بذلك: أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله، وبكل نبي بعثه الله، كما قال -تعالى-: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة: 285)، ثم أخبر -تعالى- بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل والثواب الجليل والعطاء الجميل؛ فقال: (أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) عَلَى مَا آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) أي: لذنوبهم؛ أي: إن كان لبعضهم ذنوب" (تفسير ابن كثير (2/ 445) باختصارٍ).

فاليهود يقولون: نؤمن بموسى وداود -عليهما السلام-، لكنهم لا يؤمنون بعيسى -عليه السلام-، والنصارى يؤمنون بعيسى ربًّا وإلهًا لا نبيًّا، ولا يؤمن هؤلاء ولا هؤلاء بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وهؤلاء جميعًا مَن وصفهم الله تعالى بقوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ‌وَأَعْتَدْنَا ‌لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا).

فمَن المؤمن إذًا؟!

المؤمن هو مَن آمن بكلِّ الرُّسُل، ولم يفرق بين أحدٍ منهم، أو يكذب واحدًا منهم؛ قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء: 152)

فهؤلاء اليهود بيننا وبينهم عداوتان؛ لأنهم أعداء عيسى -صلى الله عليه وسلم-، ونحن نعادي مَن عادى عيسى -عليه السلام-؛ ولذلك ينزل عيسى -عليه السلام- فيقتل المسيح الدجال اليهودي، كما في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ‌وَيَضَعَ ‌الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) (متفق عليه).

والدجال يهودي: كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-؛ قال: قَالَ لِي ابْنُ صَائِدٍ: وَأَخَذَتْنِي مِنْهُ ذَمَامَةٌ -أي: وحشة-: مَا لِي وَلَكُمْ؟ ‌يَا ‌أَصْحَابَ ‌مُحَمَّدٍ أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُ يَهُودِيٌّ) وَقَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: (وَلَا يُولَدُ لَهُ) وَقَدْ وُلِدَ لِي، وَقَالَ: (إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ) وَقَدْ حَجَجْتُ.

ومما يدل أيضًا على أن الدجال يهودي الملة: أنه عند خروجه من أصفهان -وتسمى أيضًا أصبهان- يتبعه سبعون ألفًا من يهودها، كما في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا، ‌عَلَيْهِمُ ‌الطَّيَالِسَةُ) (رواه مسلم).