الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 11 سبتمبر 2024 - 8 ربيع الأول 1446هـ

غزة رمز للعزة (17) (نتن ياهو بين الإرهاب وجرائم الحرب) (1-2)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فيعد (نتن ياهو) من أشهر الشخصيات السياسية في إسرائيل في العقود الأخيرة، وهو يرأس الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الحالية، وهي الحكومة التي قادت إسرائيل إلى المثول أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية لشعب غزة، وأصبح هو وبعض أعضاء حكومته أيضًا مرشحين بقوة للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، في ظل ضغوط أمريكية وغربية؛ دفاعًا عنه وعن حكومته لمنع صدور أي إدانة دولية له ولها، رغم كل الأدلة التي تثبت بما لا يدع مجالًا للشك ممارسة إسرائيل في عهده لإرهاب الدولة، وتورطها في جرائم إبادة حربية.

الميلاد ومسيرة الحياة:

نتن ياهو: اسم عبري يعني عطية الله. ولد نتن ياهو في تل أبيب في 21 أكتوبر عام 1949، وحصل على شهادة الماجستير في الإدارة من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة. 

عُيِّن في وزارة الخارجية الإسرائيلية في عهد (موشى أرينز)، وتولى منصب مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة، حيث تحول إلى شخصية إعلامية معروفة للإعلام ولليهود والأثرياء في أمريكا. انتقل إلى إسرائيل بعد مقتل أخيه (يوناثان) عام 1976 في عملية اقتحام الطائرة الإسرائيلية المخطوفة في مدينة (عنتيبي) الأوغندية، حيث خدم في إحدى وحدات الكوماندوز العسكرية تحت إمرة إيهود باراك، وحصل على رتبة رقيب قبل تسريحه. ثم أصبح نائبًا لوزير الإعلام في مكتب رئيس الحكومة عام 1993، ثم تولى بعد ذلك رئاسة حزب الليكود، ليصبح زعيمًا للمعارضة، ثم تولى بعدها رئاسة الوزارة في إسرائيل في انتخابات 1996. 

ثم تعرض في 1999 لهزيمة ساحقة على يد تحالف (إسرائيل الواحدة) بقيادة إيهود باراك، فاعتزل بعدها العمل السياسي لفترة ثم عاد إلى قيادة الليكود في ديسمبر 2005 بعد تنحي شارون، ليشكل حزبًا جديدًا وهو حزب (كاديما). 

ظل زعيمًا للمعارضة من 2006 وحتى 2009، ثم شكل حكومة ائتلافية وتولى خلالها منصب رئيس الوزراء للمرة الثانية. واصل قيادة الليكود للفوز في انتخابات 2013 و2015، ثم تعرض للفشل في تلاث انتخابات متتالية، ثم شارك في تناوب ائتلافي لتولي الحكم عاد بعدها زعيمًا للمعارضة من جديد. وهو يشغل حاليًا منصب رئيس وزراء إسرائيل منذ 29 ديسمبر 2022 حتى الآن، ليعتبر بذلك أطول فترة رئاسة للوزارة في تاريخ إسرائيل؛ إذ تولى هذا المنصب لأكثر من 15 عامًا. (وقد حفلت تجربة نتن ياهو في السلطة بالخلافات والانشقاقات داخل اليمين الإسرائيلي وحزب الليكود، وبعضها يعود للسمات الخاصة بشخصية نتن ياهو، أو بسبب تصاعد التناقضات داخل النظام السياسي الإسرائيلي بين السفارد والإشكناز، والمتدينين والعلمانيين، خصوصًا بين المهاجرين الروس وحركة شاس (انظر: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، د. عبد الوهاب المسيري - دار الشروق ط. الخامسة 2009: المجلد الثاني ص 484).

العائلة والنشأة:

لنشأة نتن ياهو العائلية تأثير كبير على أفكاره العنصرية التي يعتنقها؛ فوالده: بنزيون (بن صهيون) نتنياهو، أمضى جزءًا كبيرًا من حياته في الولايات المتحدة، كان يملؤه الشعور بالمرارة والتمييز ضده بسبب فشله في الاندماج في المؤسسة السياسية أو الأكاديمية، وكان ذو شخصية محافظة متسلطة، ومن أتباع فلاديمير جابوتنسكي أحد زعماء الصهيونية المتطرفين، والأب الروحي للمتطرف مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل السابق. 

ونظرًا للاختلاف مع بيجن، عاش (بن صهيون) بقية حياته طواعية شبه منفي في الولايات المتحدة، حيث أقام بالقرب من فيلادلفيا، وكرس حياته لدراسة محاكم التفتيش في إسبانيا، وله عنها كتاب بعنوان: (أصول التفتيش الإسباني في القرن الخامس عشر)، وجوهر أطروحة دراساته أن اليهودي الذي يحاول الاندماج يقابل دائمًا بكراهية عميقة نحو شخصه، ونحو الجنس اليهودي ككل؛ فاليهودي هو الهدف الأزلي لكل الأغيار؛ ولأنه لا يملك الهروب من هذا الوضع لذا يجب عليه أن يحيط نفسه بحائط فولاذي (كما قال جابوتنسكي) وألا يعهد بأمنه للآخرين. (ينظر: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، 2/ 483).

يقول د. المسيري: (ألا يوحي هذا بأن أباه التصحيحي -أي: المتأثر بحركة جابوتنسكي التصحيحية- الكاره للأغيار قد شكل رؤيته)، و(رغم كل هذا يحاول نتن ياهو أن يتملص من ماضيه دائمًا، وأن ينكر أن هذا الماضي ساهم في تشكيل آرائه بشكل جذري) (انظر: المصدر السابق)، مع أنه صرح بتأثره بفكر جابوتنسكي من قبل.

- أما والدته: فولدت لأبوين مسنين، فقامت أخواتها الثلاث الأكبر سنًّا بتربيتها. نشأت في الأراضي المحتلة خلال الحرب العالمية الثانية، كرست حياتها الزوجية لعمل زوجها، فكانت الدافعة له في حياته المهنية والشخصية العائلية. وصفت بأنها كانت امرأة باردة علمت أطفالها ضبط النفس وإخفاء الانفعالات وإظهار القوة، وكانت تتوقع لهم النجاح العالي.

- أما أخوته: فكان إخوته من والدهم الذي كان بعيدًا عنهم، منغلقًا على مكتبه بالساعات، وقد فرضت والدتهم عليهم الصمت. دفع الأب أبناءه للنجاح في المدرسة وأبقاهم تحت سيطرته، كانت العائلة مكرسة لعمل الأب، معزولة اجتماعيًّا، لديهم القليل من الأصدقاء، يعيشون حياة اجتماعية محدودة، يرون أنفسهم كوحدة مغلقة تواجه عالمًا معاديًا، في أجواء من الشك والمرارة والشعور بالظلم رغم كل نجاحاتهم. 

كانت رسالة الوالدين لهم: انجحوا بأي ثمن، وكرسوا كل شيء لهدفكم؛ كان أخوه (يوناثان) كبير الأسرة، وقتل في الغارة على مطار عنتيبي، فانتقل نتن ياهو بعد موت أخيه إلى إسرائيل وانضم إلى الجيش، وشارك في عدة مهام، وحصل على رتبة نقيب قبل أن يتم تسريحه. وقد ركَّز نتن ياهو بعد موت أخيه كثيرًا على قضية الإرهاب، وكتب عدة كتب فيها، كما أسس معهد (يوناثان نتن ياهو) لمكافحة الإرهاب.

حياته الشخصية:

تزوج نتن ياهو ثلاث مرات وطلق مرتين، في المرات الثلاث تزوج من امرأة قوية ومسيطرة، لكنها تلزم نفسها بمهنة زوجها، كما هو الحال المألوف في عائلة نتن ياهو الأصلية؛ كانت زيجته الأولى عن حب، وانتهت بقرار من الزوجة بإنهاء علاقة الزواج، ورغم معاناته من هذا الانفصال إلا أنه تعافى سريعًا وواصل مسيرته. زوجته الأخيرة سارة، مضيفة قابلها في إحدى سفرياته. (وقد اعترف بخياناته الزوجية المتكررة، وسلوك سارة نفسها أصبح موضوعًا متداولًا في الصحف الإسرائيلية) (انظر: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، د. المسيري، 2/ 483).

التحليل النفسي لشخصيته:

قال الدكتور محمد المهدي رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر، وخبير طب الأعصاب في تحليله لشخصية نتن ياهو بعد دراسات عنها: إن سلوك بنيامين نتن ياهو يكشف عن الميل إلى جنون العظمة؛ حيث (ربط مصيره بالمصير الوطني)، والطموح القوي والتفاني الكامل لهدفه، وهو النجاح بأي ثمن، وعدم الاعتراف بالضعف، ورفض تحمل اللوم، والافتقار إلى الأخلاق الشخصية والسياسية، والحساسية الكبيرة للنقد، والاهتمام الشديد بمظهره (وهي سمات الشخصية النرجسية). يرى الأحداث والأشخاص من حيث القوة، فهو عدواني بتناقضات صارخة. ينظر إلى تاريخ الصهيونية على أنه استمرار مباشر لمسار الأجداد الذين استوطنوا أرض إسرائيل -أي: فلسطين-، وكان لهذا أثر كبير في تعنته إزاء محاولات الحلول السلمية للقضية الفلسطينية، بل وارتد على كثير من الاتفاقيات التي عقدها أسلافه، والتي كانت مقدمات لإيجاد حل سلمي للقضية؛ مما أدى إلى تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية عدة مرات خاصة في قطاع غزة، وتورط نتن ياهو في مجازر متكررة للفلسطينيين.

ويضيف د. المهدي: (يبدو أن جزءًا كبيرًا من إخفاقات نتنياهو ومشكلاته في منصبه كان نتاجًا لشخصيته، وليس بسبب افتقاره إلى الخبرة. ويتساءل كثيرون عن صعوده السريع إلى السلطة من ناحية وفشله كرئيس وزراء من ناحية أخرى، وربما السبب شخصيته كما هو موضح هنا، فسمات شخصيته مثل: الطموح والتصميم والمهارات الإعلامية الفائقة والبلاغة الهائلة والسحر الشخصي مناسب للغاية لتحقيق أعلى منصب سياسي، ومع ذلك فإن هذه السمات ليست كافية للمسؤول الفعال. وعلى الجانب الآخر: كانت هناك صفات شديدة السلبية والخطورة في شخصيته؛ مثل: الافتقار إلى المصداقية وضعف القدرة على العلاقات الشخصية، وجنون العظمة، والعدوان والشك والأنانية، والتلاعب والرغبة في الانتقام (راجع في كل ذلك، وللاستزادة: حوار جريدة الأسبوع مع الدكتور محمد المهدي رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر - عدد الأول من يناير 2024، ص 10).

ويذكر د. المهدي أنه جرى تحليل شخصية نتن ياهو من خلال مسح شامل على مدى سنوات لشخصيته سواء في كتب أو تصريحات صدرت عنه هو نفسه، أو ما كتب عنه بواسطة آخرين، أو لقاءات قام بها، وأيضًا على ملاحظة سلوكه في مواقف وأحداث عديدة، ونظرًا لأنه من أكثر الشخصيات ظهورًا في قيادة إسرائيل على مدى سنوات طويلة؛ فقد كانت هناك فرصة كبيرة لقراءة شخصيته من خلال منهجية علمية نشرت في العديد من الدراسات.

ويذكر د. المهدي أن من السمات الأساسية في شخصية نتن ياهو (الأنانية)، فهو يسعى باستمرار للنجاح على حساب أي شيء، ويتجلى هذا النمط في قبوله المساعدة من المساهمين الأمريكيين الذين لديهم وجهات نظر متطرفة تختلف تمامًا عن آرائه، ولا يتردد في استغلال الآخرين، بما في ذلك الزملاء من أجل تحقيق النجاح. 

ويذكر د. المهدي أن من أبرز سمات نتن ياهو كذلك (رغبته في أن يكون الأفضل والأول)، وأن ينتصر على الآخرين وأن يصل إلى القمة. 

ويلاحظ: أنه يضع أهدافًا عالية ولا يكتفي بالنجاحات الجزئية، ولا ييأس ولا يستسلم أبدًا. ويرى نتن ياهو أن اللعبة السياسية تحكمها قوانين الغابة، حيث يبقى القوي ويسقط الضعيف على الجانب. وبالنسبة له تحقيق الهدف يبرر أي وسيلة سياسية، وهو يهاجم بشكل استباقي أي شخص ينظر إليه على أنه خصم أو منافس، وقد يكون الهجوم مباشرًا أو غير مباشر. 

وإذا لزم الأمر طرد الحلفاء الذين قد يهددونه في المستقبل، ويتم التعبير عن ذلك في المراوغة والسخرية من المنافسين المحتملين أو حتى الحلفاء الذين قد يهددون مكانته المستقبلية كما يستعين بمساعدين وزملاء للقيام بأفعال قد تثير الغضب أو الانشقاق، ثم اعتمادًا على النتائج إما أن يدعمها أو ينكر أي تورط شخصي له فيها. وهو يقدم، بل ويوقع وعودًا ثم لا يفي بها؛ لذلك فهو غير جدير بالثقة. وقد اتهمه العديد من القادة "ومنهم الرئيس الراحل حسني مبارك" بأنه وعدهم بأشياء ثم نفى القيام بذلك. 

وهو لديه شغف وهوس بالسلطة؛ لا يكاد يغادرها حتى يعود إليها، ولديه إحساس بالعظمة. والإعلام يناسب شخصيته، فهو رجل كلام، يمتلك كل مقومات النجم التلفزيوني؛ مظهر أنيق، ثقة بالنفس، موهبة خطابية، لغة إنجليزية ممتازة، ذكاء وقدرات منطقية تمكنه من التعامل مع أي محاور أو منافس. 

أما لغة الجسد عند نتن ياهو: فتعكس قدرًا كبيرًا من العصبية والحدة والتوتر، وأحيانًا كثيرة الغضب والاستهانة بالآخرين والعدوانية (للاستزادة: راجع الحوار السابق مع د. محمد المهدي بجريدة الأسبوع).

تطرف نتن ياهو الفكري:

(ينطلق نتن ياهو في كتابه: (مكان تحت الشمس) وغيره من الدراسات من الرؤية الصهيونية القائمة على أحقية اليهود المطلقة فيما يسمى: (أرض إسرائيل التاريخية)، ويساندها رؤية صهيونية تؤكد أن إسرائيل انتصرت في كل الحروب ضد العرب)، و(يأتي نتن ياهو بالشواهد التاريخية والجيوسياسية والتلمودية التي تساند وجهة نظره. ثم وعلى عادة الصهاينة لا يكتفي نتن ياهو بذلك، بل يذكر الجميع بمأساة الشعب اليهودي والهولوكوست، ثم يؤكد في الوقت نفسه قدرة هذا الشعب على النهوض، ويعلن نتن ياهو بلا مواربة أن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة)، (ويرى نتن ياهو ضرورة إجبار الغرب على الإذعان للاعتراف بوجود إسرائيل عبر استخدام سلاح الردع، فالسلام الوحيد الذي يمكن أن يقام مع العرب هو (سلام الردع) مقابل (سلام الديمقراطيات) الذي لا يصلح مع العرب، فإسرائيل دولة ديمقراطية غربية في بيئة إقليمية معادية بدائية)، (ومستقبل إسرائيل يكون بالتحصن داخل الستار الفولاذي (وهي نفس عبارة جابوتنسكي التي اقتبسها والده بنزيون)، وإعادة الأولوية لفكرة العمق الإستراتيجي الجغرافي، وعدم الانفتاح على هذه البيئة، مع ضبط التفاعلات في المحيط الإقليمي على النحو الذي يحقق مصالح إسرائيل الحيوية) (انظر موسوعة المسيري، 2/ 484 بتصرفٍ).

السلام عند بيريز وعند نتن ياهو:

ينظر الإسرائيليون إلى السلام على أن للإسرائيليين الحق المطلق في أرض فلسطين، وأن حق الفلسطينيين فيها حق ثانوي؛ لذا فإن نقطة انطلاق عملية السلام تبدأ من القبول بالأمر الواقع، وتوقف كافة صور المقاومة، لتنعم إسرائيل بالأمن والأمان، وفي مقابل ذلك فهناك اتجاهان:

- اتجاه الأرض مقابل السلام:

بتسليم بعض المدن أو القرى الفلسطينية، لا بانسحاب القوات الإسرائيلية المحتلة منها بالكلية بقدر إعادة انتشار لها فيه، وهو الاتجاه الذي سار فيه شيمون بيريز مع ياسر عرفات، وأسفر عن اتفاق أوسلو. وهو الاتجاه الذي قوضه نتن ياهو بعد ذلك.

- اتجاه السلام مقابل السلام:

ويرى أن إسرائيل طالما أنها دولة قوية؛ فهي قادرة على فرض السلام على جيرانها العرب الضعفاء، دون تنازل منها عن أي جزء من أرض فلسطين.

رؤية بيريز للسلام:

توصف رؤية بيريز عند البعض بأنها رؤية إستراتيجية للسلام في المنطقة بناءً على مبدأ الأرض مقابل السلام. وقد بيَّن بيريز رؤيته تلك في كتابه: (الشرق الأوسط الجديد)، على أساس أن السلام لا بد أن ينطلق من نوايا جماعية تكون لدى أطرافه، تدفع باتجاه الثقة وتزيل مشاعر الشك والقلق، ومن خلال ترتيبات ومؤسسات مشتركة، تصبح معها المنظمات الإقليمية مفتاح الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة. وهذا التصور يهدف في النهاية إلى أن (المركز إسرائيل، وهي التي تمسك بكل الخيوط، أما بقية المنطقة فهي مساحات وأسواق)، و(بحيث يتحول العرب إلى كائنات اقتصادية تحركها الدوافع الاقتصادية التي ليس لها هوية أو خصوصية)، ومن خلال كيانات عربية اقتصادية مفتتة متصارعة نشاطها الأساسي نشاط اقتصادي محض وعندها فإن (الإستراتيجية الاستعمارية والصهيونية للسلام تكون قد تحققت دون مواجهة، ومن خلال التفاوض المستمر) (راجع في ذلك موسوعة المسيري، 2/ 522).

(وهذه الرؤية تقتضي توفير مناخات اقتصادية تطبيعية تهمش الشأن القومي التاريخي وتلغيه، وتحل محله شأنًا جيواقتصاديًّا جديدًا، وهذا ما أسماه (الشرق الأوسط الجديد) باعتباره وحدة متكاملة اقتصاديًّا وأمنيًّا وسياسيًّا بما يحقق الهدف الإسرائيلي المتمثل في إسرائيل العظمى، عبر السيطرة على المنطقة، ويضمن أمنها عبر موافقة معظم الأنظمة العربية المشاركة في مؤتمر شرم الشيخ على ضمان أمن إسرائيل. في هذا الإطار يمكن السماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة على جزء من أرض فلسطين المحتلة، على أن تظل هذه الدولة خاضعة للاعتبارات الأمنية الإسرائيلية) (راجع موسوعة د. المسيري، 2/ 522 بتصرفٍ).

رؤية نتن ياهو للسلام:

(أما رؤية نتن ياهو فترفض الفكرة السابقة، وتعارض أسلوب بيريز، باعتبار أنها أضعفت السياسة الإسرائيلية وشلتها إستراتيجيًّا، فالمؤسسات والاتفاقات التي ركزت عليها حكومة بيريز فشلت جميعها في توفير الأمن لإسرائيل، ولذلك لا بد من إجراءات أكثر حسمًا، وإعادة ترتيب سلم الأولويات) وَفْق رؤية طرحها نتن ياهو في كتابه: (مكان تحت الشمس) لتكون الأولويات على النحو التالي:

- الأمن قبل الاقتصاد:

والأمن هنا يعني الأرض، فالأرض ملازمة للأمن؛ لذا لا بد من أسس جديدة للمفاوضات تستند إلى مبدأ (السلام مقابل السلام) بدلًا من (الأرض مقابل السلام)، وعلى الجيش الإسرائيلي أن يتولى مباشرة حماية الإسرائيليين في كل مكان دون قيود أو حدود. والسلطة الفلسطينية مطالبة بتوفير الأمن لإسرائيل. أما الجولان فهي عمق إستراتيجي لإسرائيل؛ لذا فهي غير قابلة للتفاوض في هذه المرحلة.

- الاقتصاد قبل السياسية:

فإسرائيل القوية تجذب الاستثمار وتصبح قوة اقتصادية تقود المنطقة، وتدخل الاقتصاد العالمي دون حاجة إلى جسر شرق أوسطي. وكون الأمن قبل الاقتصاد لا يلغي أهمية الاقتصاد؛ لأن الأمن الداخلي لإسرائيل هو الشرط الأساسي لجذب الاستثمار وازدهار الاقتصاد، إلى جانب الهجرة اليهودية التي ستواصل تحريك الاقتصاد الإسرائيلي، وإلى جانب التطور التكنولوجي والمساعدات الخارجية.

- السياسة قبل السلام:

حيث يريد أن تكون إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة بينما الدول العربية جميعها ذات نظم استبدادية، فإسرائيل إذًا هي الدولة القوية في المنطقة، وبحكم قوتها يمكنها فرض السلام المبني على الردع في الشرق الأوسـط، فكلما بدت إسرائيل قوية أبدى العرب موافقتهم على إبرام سلام معها؛ لذا فإن الأمن وقوة الردع العنصر الحيوي للسلام ولا بديل عنه.

وخلاصة هذه الرؤية -كما هو واضح-: غياب أي إستراتيجية للسلام، مع الاكتفاء بطرح الحكم الذاتي الموسع على الفلسطينيين في ظل السيادة الإسرائيلية. ويكتفى تجاه سوريا بمحاولة التوصل إلى اتفاق أمني لا يقود بالضرورة إلى اتفاق سلام، بل يضمن الأمن الحدودي كما هو في الجولان، ويطرح مقابلها السلام مقابل السلام، أما في لبنان فيمكن إعادة الأرض مقابل الأمن.

إسرائيل تمارس إرهاب الدولة:

وعلى ذلك فإسرائيل في عهد حكومة نتن ياهو تمثل دولة إرهابية تمارس الإرهاب بامتياز:

- فحكومتها بقيادة نتن ياهو حكومة صهيونية يمينية متطرفة تحمل فكرًا عنصريًّا متطرفًا يقوم على تمجيد الجنس اليهودي، وعلى حقه التاريخي المزعوم في أرض فلسطين، ولو على حساب شعب فلسطين صاحب هذه الأرض منذ آلاف السنين.

- وهي تعمل جاهدة بكل السبل على فرض هذا الفكر العنصري المتطرف على جيرانها وعلى الآخرين شاءوا أم أبوا.

- وهي تستخدم لتنفيذ وتحقيق ذلك القوة العسكرية -بل القوة العسكرية المفرطة- مهما كان الثمن والضحايا.

وهذا هو الإرهاب بعينه وفي أشد صوره؛ سواء مارسه أفراد أو مارسته جماعة أو دولة.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.