كتبه/ عبد الرحمن
راضي العماري
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مواعظ وحِكَم عمرو بن العاص -رضي الله عنه-:
لعمرو
بن العاص -رضي الله عنه- مِن المواعظ والحِكَم ما يدل على سعة علمه، وتفكره في أحوال
الدنيا والآخرة، ولا شك أن المقام لا يتسع لحصرها، ولكن منها -على سبيل المثال-:
أن معاوية -رضي الله عنه- سأله: "ما بقي من لذة الدنيا تلذه؟ فقال: محادثة
أهل العلم، وخبر صالح يأتيني من ضيعتي".
- وقال
معاوية لعمرو بن العاص: "مَن أبلغ الناس؟ قال: مَن اقتصر على الإيجاز، وسلب
الفضول. قال: فمَن أصبر الناس؟ قال: مَن كان رأيه رادًّا لهواه. قال: فمَن أسخى
الناس؟ قال: من بذل دنياه في صلاح دينه. قال: فمَن أشجع الناس؟ قال: من ردَّ جهله
بحلمه".
ومن
حكمته وعلمه واعتباره لمآلات الأفعال، والنظر لمراتب الأحوال لاختيار أصلحها أو
أقلها شرًّا؛ قوله لابنه عبد الله: "يا بني، سلطان عادل خير من مطر وابل،
وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم".
ولما حضرته الوفاة قال: "اللهم إنك أمرتني فلم آتمِرْ،
وزجرتني فلم أنزجر"، ووضع يده على موضع الغل، وقال: "اللهم لا قوي
فأنتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستكبر، بل مستغفر، لا إله إلا أنت"، فلم يزل
يُردِّدها حتى مات!
وكان
موتُه -رحمه الله- ورضي عنه بمصر ليلةَ عيد الفطر، سنة 43هـ وقد قارب التسعين، فصلى
عليه ابنُه عبد اللَّه، ودُفِن بالمقطم.
قال الإمام الذهبي في ترجمته: "كان مِن رجال قريش رأيًا
ودهاءً، وحزمًا وكفاءة، وبصيرًا بالحروب، ومِن أشراف ملوك العرب، ومن أعيان
المهاجرين، والله يغفر له ويعفو عنه... وقال عنه: وقد تأمر على مثل أبي بكر وعمر
لتبصره بالأمور ودهائه" .
ولك
أن تتخيل بعد هذه المناقب والفضائل أن يعمد أناس لبعض زلات عمرو بن العاص ويتتبعون
أخطاءه، ولا يرقبون فيه خيرًا ولا معروفًا، ويتعامون عما قدَّمه للإسلام، ولا
يعتبرون رضا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه، ولا يقدِّرون فضيلة صحبته، ولا
أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مات وهو على عمان ينوب عنه، ولا يلتفتون لفتوحاته
التي أسلم على إثرها ملايين من البشر عبر السنين في مصر والشام وإفريقية؛ فأذاعوا
عنه شبهات في نسبه وعدالته، وإيمانه وديانته، ونسبوا إليه ما لا يصح نسبته لمسلم
ضعيف الإيمان، حديث عهد بإسلام!
فكيف
بمَن اجتمعت له فضيلة الصحبة مع البذل والجهاد والعدل؟!
وأكثر
ما قيل فيه يتعلَّق بالفتنة التي وقعت بين الصحابة بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه-،
وانقسموا فيها لطائفتين: طائفة علي -رضي الله عنه- ومعه أهل العراق، وطائفة معاوية
-رضي الله عنه- ومعه أهل الشام، فإن مذهب أهل السنة والجماعة هو الكف عن الخوض في
هذه الفتن التي دارت بين الصحابة، واعتقاد أنها كانت عن اجتهاد منهم؛ المصيب فيه
له أجران، والمخطئ له أجر.
والالتزام بقول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- المشهور: "تلك
فتنة عصم الله منها سيوفنا؛ فلنعصم منها ألسنتنا". وكفى بالمرء نبلًا أن تعد
معايبه.
وكثير مما نُسِب إلى عمرو -رضي الله عنه- فيه أكاذيب وقصص واهية؛ لا تثبت
سندًا، ولا تصح عقلًا، مثل ما يفترون عليه في "قصة التحكيم"، وغيرها؛ قد
كشف زيفها أهلُ السنة فلتراجع في مظانها.
فما
أخبث مَن يتتبعون الزلات والأخطاء المغفورة، وينسون الفضائل ويكتمون المناقب المشهورة؛
اتباعًا للهوى، وطعنًا في حملة الدين وناصريه، وأفاضل الصحابة الذين بلَّغوا
الرسالة، وأكملوا المسيرة، وقامت على أكتافهم حضارتنا الإسلامية؛ لا يفعل ذلك إلا
أهل حقدٍ على الملة والدِّين -فإن الطعن في الرسول طعن في الرسالة، والصحابة رسل
رسول الله للعالم وورثته- أو جاهل يستمع لهم، ولا يتحقق مما يقولون.
فمَن
منا يقتبس مِن أنوار هذه السيرة العطرة، ومَن منا يحسن العمل بما وهبه الله ويجعله
في مصالح المسلمين كعمرو بن العاص -رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين-؟!
ومَن
مثله ومثلهم ينهض لبيان الحق ونصح الخلق بنشر سِيَر السلف الصالح، وإبطال
الافتراءات على جيل الصحابة -رضوان الله عليهم-؟!
نسأل
الله -تعالى- أن يوفقنا لاتباعهم بإحسانٍ، والله المستعان.