الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 15 يونيو 2022 - 16 ذو القعدة 1443هـ

البناء الفكري من قصص الكتاب والسنة (6) قصة إبراهيم وسارة عليهما السلام

كتبه/ محمد سعيد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَدِمَ إِبْرَاهِيمُ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ؛ فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي، فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الإِسْلاَمِ؛ فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ فِي الأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِى وَغَيْرَكِ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ؛ فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ دَخَلَ أَرْضَكَ الآنَ امْرَأَةٌ لاَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إِلاَّ لَكَ؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِىَ بِهَا، وَقَامَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الصَّلاَةِ.

فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً؛ فَقَالَ لَهَا: ادْعِى اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِى وَلاَ أَضُرُّكِ؛ فَفَعَلَتْ؛ فَعَادَ فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَةِ الأُولَى؛ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَعَادَ فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَتَيْنِ  الأُولَيَيْنِ، فَقَالَ: ادْعِى اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِى وَلَكِ اللَّهَ أَنْ لاَ أَضُرَّكِ؛ فَفَعَلَتْ، فَأُطْلِقَتْ يَدُهُ، وَدَعَا الَّذِى جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِى وَأَعْطِهَا هَاجَرَ. قَالَ: فَأَقْبَلَتْ تَمْشِى فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهَا: مَهْيَمْ؟ فَقَالَتْ: خَيْرًا، كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِمًا" (متفق عليه).

- "مَهْيَمْ" أي: ما الأمر؟

- "أَخْدَمَ خَادِمًا" أي: وَهَبَني خادمًا، وهي: هَاجَر.

الدروس المستفادة:

1- كانت عادةُ هذا الجبار ألا يتعرَّض إلا إلى المرأة التي لها زوج؛ لذلك قال لها إبراهيم: "فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي".

2- مَشروعيةُ أن يُقالَ: أخي في غير النَّسَبِ، ويرادُ به الأخُوة في الإسلام.

3- يجوزُ الكذبُ وقد يجبُ؛ لتحمُّل أخَفِّ الضررين دَفعًا لأعظمهما.

4- التَّعرِيضُ أوْلى مِن الكذب، وهو: أن يُظهِر غيرَ ما يريده، كما قال إبراهيم عن سارة أنها أخته (يَقصِدُ أنها أخته في الإسلام).

5- مَن حَصَلَ له أمرٌ مُهِمٌّ مِن الكَرْب ينبغي له أن يفزَعَ إلى الصلاة.

6- أرادَ إبراهيمُ دفع أعظم الضَّررين بارتكاب أخَفِّهِما؛ لأنَّ اغتصابَ الملِك إياها واقعٌ لا محالة، لكن إن عَلِمَ أنَّ لها زوجًا حَمَلَتهُ الغَيرة على قَتلِهِ، أمَّا إذا عَلِمَ أن لها أخًا فلن تكون هناك غَيرة.

7- تَقريرُ القاعدة الشرعية: "حِفظُ النَّفس مُقدَّمٌ على حِفظِ العِرضِ"، وهنا حالتان:

الأولى: لو تيقَّن الإنسان أنه سيُقتل إن دافَعَ عن عِرضِه؛ فلا يجب الدفاع.

الثانية: لو كان هناك احتمالٌ للدَّفع (كأن يُقاتِل حتى يَهرُبوا ويترُكوا عِرضَه)؛ فإنه يجب القتال دفاعًا عن العِرضِ؛ حتى لو قُتِل في هذه الحالة.