الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 08 يونيو 2022 - 9 ذو القعدة 1443هـ

جهود الشافعية في تقرير عقيدة السلف (1)

كتبه/ عصمت السنهوري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن العلماء الربانيين: الإمام المطلبي الشافعي محمد بن إدريس رحمه الله؛ فقد كان في الفقه إمامًا متبِّعًا للأثر، معظِّمًا للسنن، ومذهبه في الأصول كما هو في الفروع، قال السمعاني: "هو الإمام الذي لا يجارى، والفحل الذي لا يقاوم؛ فلو جاز الرجوع إليه وطلب الدِّين من طريقه؛ لكان بالترغيب فيه أولى من الزجر عنه، وبالندب إليه أولى من النهي عنه؛ فلا ينبغي لأحدٍ أن ينصرَ مذهبه في الفروع ثم يرغب عن طريقته في الأصول"؛ فحري بمَن أخذ بمذهب الشافعي في الفروع أن ينظر في مذهبه في أصول الدين ليكون شافعيًّا في الموضوعين.

وقد كان أصحاب الشافعي علي مذهبه في أصول الدين، ثم حَدَث فيهم الأخذ بمذاهب المتكلمين، وسُئِل أبو إبراهيم المزني عن عقيدته في القرآن، فقال: "مذهبي مذهب الشافعي؛ قيل: فأي شيء مذهب الشافعي؟ قال: كان مذهبه كلام الله غير مخلوق".

والذين أخذوا بمذهب الأشعري من متقدمي الشافعية إنما اتبعوه؛ لظنهم أنه على مذهب الشافعي، فإذا تبيَّن لهم مخالفته للشافعي تركوا قوله، قال أبو محمد الجويني: "وأبو الحسن أحد أصحاب الشافعي، فإذا خالفه في شيء أعرضنا عنه فيه، ومِن هذا القبيل قول: إنه لا صيغة للأمر.

قال الإمام أبو الحسن الكرجي الشافعي: "ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن يُنسَبوا إلى الأشعري، ويتبرؤون مما بَنَى الأشعري مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه، على ما سمعت عِدَّة من المشايخ، والأئمة يقولون: سمعنا جماعة من المشايخ الثقات قالوا: كان الشيخ أبو حامد الإسفراييني إمام الأئمة الذي طبق الأرض علمًا وأصحابًا، إذا سعى إلى الجمعة يقبل على مَن حضر ويقول: اشهدوا عليَّ بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، كما قاله الإمام أحمد بن حنبل؛ لا كما يقول الباقلاني، وتكرر ذلك منه جُمعات. فقيل له في ذلك! فقال: حتى ينتشر في الناس وفي أهل البلاد أني بريء مما هم عليه -يعني الأشعرية- وبريء من مذهب أبي بكر الباقلاني، فإن جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية ويقرؤون عليه، فيُفتَنون بمذهبه، فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة، فيظن ظانٌّ أنهم مني تعلموه قَبْل، وأنا ما قلته، وأنا بريء من مذهب الباقلاني وعقيدته.  

قال أبو الحسن الكرجى: ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام، حتى ميًّز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري، وعلقه عنه أبو بكر الزاذقاني، وهو عندي، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه: "اللمع" و"التبصرة"، حتى لو وافق قول الأشعري وجهًا لأصحابنا ميًّزه، وقال: هو قول بعض أصحابنا، وبه قالت الأشعرية. ولم يَعُدًّهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم ومَن مذهبهم في أصول الفقه فضلًا عن أصول الدين". 

قال الشيخ أبو الحسن الكرجي: "وسمعت شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني يقول: سمعت شيخنا الإمام أبا بكر الزاذقاني يقول: كنت في درس الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وكان ينهي أصحابه عن الكلام وعن الدخول على الباقلاني؛ فبلغه أن نفرًا من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكلام، فظن أني معهم ومنهم ... وذكر قصة قال في آخرها: إن الشيخ أبا حامد قال لي: يا بني قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل -يعني الباقلاني-؛ فإياك وإياه فإنه مبتدع يدعو الناس إلى الضلالة؛ وإلا فلا تحضر مجلسي. فقلت: أنا عائذ بالله مما قيل وتائب إليه، واشهدوا عليَّ أني لا أدخل إليه.

قال الشيخ أبو الحسن: وسمعتُ الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن علي العجلي يقول: سمعت عدة من المشايخ والأئمة ببغداد -أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم- قالوا: كان أبو بكر الباقلاني يخرج إلى الحمام متبرقعا خوفًا من الشيخ أبي حامد الإسفراييني".

وللحديث بقية إن شاء الله.