الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 06 يونيو 2022 - 7 ذو القعدة 1443هـ

الحفاظ على الفطرة (2)

كتبه/ شريف طه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالإسلام -كما ذكرنا في المقال السابق- هو دين الفطرة، والله تعالى أمر عباده بالحفاظ على هذه الفطرة، في مواجهة شياطين الإنس والجن الذين يريدون تغيير خلق الله تعالى.

وهذا التغيير يشمل تغيير دين الله تعالى، كما أوضحنا في المقال السابق، ويشمل كذلك التغيير الظاهري لخلقة الله عز وجل، ويشمل ذلك صورًا عديدة، فمنها:

- تحويل الذكر لأنثى، والأنثى لذكر، وهو ما يعرف اليوم بـ(العبور الجندري)؛ فهذا التحول والعبور يعد في الغرب الآن من أعظم حقوق الإنسان التي لا يجوز لأحدٍ حتى الأبوين الاعتراض على ذلك، وقد وصل الأمر كما في مقطع متداول على الإنترنت لأبٍّ كندي يشكو من تهديد الشرطة له بالحبس، إذا ما استمر في إزعاج ابنه الذي يريد التحول دون أدنى مبرر لذلك؛ فقط لمجرد تأثره بالدعاية التي تحسن هذا الأمر، وترغب فيه الشباب!

- ومن أعظم صور التناقض عندهم في ذلك: أنهم في الوقت الذي يجرمون الختان -الذي هو من الفطرة ومن سنن الأنبياء والمرسلين وجوبًا أو استحبابًا على الأقل- بحجة أنه اعتداء وتشويه للأعضاء التناسلية للمرأة، يبيحون للمرأة إذا أرادت أن تزيل هذه الأعضاء بالكلية وتركب مكانها ذكرًا يلحقها بالرجال، فهذا عندهم حقها الذي لا يجوز الاعتراض عليه، ويجب على المجتمع تقبُّل هذا التحول ومعاملة صاحبه وَفْق صورته الجديدة، رغم ما يسببه ذلك من مشكلات عديدة، بدأت تظهر في نواحي مختلفة: كالجيوش حيث تعامل المرأة باعتبارها رجلًا، بينما الواقع أنها لا تتحمل ذلك، والسجون حيث يحبس رجل متحول في سجن النساء فيترتب على ذلك حدوث الاغتصاب، وليس آخرها المنافسات الرياضية التي لا تتحقق فيها المساواة بين المتحولين الذكور المنافسين للإناث.

- وقد حافظت الشريعة على هذا التمايز بين الذكر والأنثى، ونهتهما عن التشبه ببعضهما البعض، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "لَعَنَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بالنِّسَاءِ، والمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجَالِ" (رواه البخاري).

وذلك -والله أعلم- لأن هذا السلوك المشين، وهو: تخنث الرجال وترجل النساء، ينمي في النفس هذا المرض الذي يتحول إلى الشذوذ الكامل، ويظن صاحبه أنه لا علاج له، وللأسف؛ فإن شياطين الإنس يخدعون الناس باسم العلم، ويقولون: إن المثلية ليست مرضًا، وإنما عبارة عن تأثير جيني، ومِن ثَمَّ لا يمكن علاجه، بل ولا يحتاج أصلا لعلاج! وهذا كذب، وليس الأمر كذلك حتمًا، بل الدراسات العلمية الحديثة أكَّدت أنه لا يوجد "جين بعينه للمثلية الجنسية"، لكن مزيجًا معقدًا من العوامل الوراثية والبيئية تؤثِّر على ميل شخص لشركاء من نفس الجنس.

ففي البحث الذي أجراه فريق من الباحثين، قالت أندريا جانا، عالمة الأحياء بمعهد الطب الجزيئي في فنلندا، والتي شاركت في قيادة فريق الدراسة: "فحصنا الجينوم البشري بالكامل، ووجدنا بضع نقاط؛ خمسًا تحريًا للدقة، ترتبط بوضوح بما إن كان يمارس سلوكًا جنسيًّا مثليًّا".

وأضافت جانا: إن لهذه النقاط "تأثيرًا ضئيلًا للغاية"، وأنها تفسر مجتمعة "ما هو أقل بكثيرٍ مِن واحد في المائة في فروق سلوك المثلية الجنسية".

وأوضح الباحثون: أن ذلك يعني أن العوامل غير الجينية، مثل: الظروف المحيطة والتنشئة والشخصية والتربية، تلعب دورًا أهم بكثير في التأثير على السلوك الجنسي، كما هو الحال مع أغلب السمات البشرية الشخصية والسلوكية والجسدية الأخرى(1).

ولا شك أن من هذه العوامل تعزيز الشعور الأنثوي لدى الرجال، والعكس عند النساء، في المشية والملبس والحركات، وكثرة الإلحاح على العقل بمشاهدة الشذوذ وتمريره لكي يقبله ويستحسنه؛ فهذا كله مما يساعد على تعاظم هذا المرض في النفس.

- ولا يدخل في هذا إزالة العيوب المرضية أو الموجودة في الخلقة، كتثدي الرجل، أو بروز بظر المرأة بما يشبه الذكر، ونحو هذا مما يدخل في باب التداوي والعلاج؛ فهو في حقيقته إرجاع الشيء لأصله الذي خلقه الله تعالى، وليس تغييرًا لخلق الله تعالى.

- وهذا ضابط مهم قرره الفقهاء ودلت عليه نصوص الشريعة: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (القاعدةُ في هذه الأمورِ: أنَّ العمليَّةَ لإزالةِ العَيبِ جائِزةٌ، والعمليَّةَ للتَّجميلِ غيرُ جائزةٍ، ودليلُ ذلك: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم لعَنَ المتفَلِّجاتِ في أسنانِهنَّ؛ مِن أجلِ تجميلِ السِّنِّ، ولكِنَّه أذِنَ لأحَدِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنه لَمَّا أُصيبَ أنفُه وقُطِعَ، أن يتَّخِذَ أنفًا من ذهَبٍ؛ فالقاعدةُ: أنَّ ما كان لإزالةِ عَيبٍ فهو جائِزٌ، وما كان لزيادةِ التَّجميلِ فهو ليس بجائزٍ" (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 17/51).

- وجاء في قرار مجمَعِ الفقه الإسلامي: (لا يجوزُ إجراءُ جِراحةِ التَّجميلِ التَّحسينيَّةِ التي لا تدخُلُ في العِلاجِ الطِّبيِّ، ويُقصَدُ منها تغييرُ خِلقةِ الإنسانِ السَّوِيَّة تبعًا للهوى والرَّغَباتِ بالتقليدِ للآخَرينَ، مثل عمليَّات تغييرِ شَكلِ الوَجهِ للظُّهورِ بمَظهرٍ مُعَيَّنٍ، أو بقَصدِ التَّدليسِ وتضليلِ العدالةِ، وتغييرِ شَكلِ الأنفِ، وتكبيرِ أو تَصغيرِ الشِّفاهِ، وتغييرِ شَكلِ العَينَينِ، وتكبيرِ الوَجناتِ) (قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي) قرار رقم: (173) (11/18).

 

 

-------------------------------

(1) رابط التقرير على رويتر https://www.reuters.com/article/us-science-sex/no-gay-gene-but-study-finds-genetic-links-to-sexual-behavior-idUSKCN1VJ2C3