الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 10 أبريل 2022 - 9 رمضان 1443هـ

تنبيهات رمضانية حول صلاة التراويح (2) مسائل تتعلق بصلاة التراويح

كتبه/ محمد إسماعيل المقدم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فما زال الحديث موصولًا حول بعض الفوائد والتنبيهات الرمضانية التي تمس الحاجة إلى بيانها، مما يتعلَّق بمخالفات للسنة تتكرر في شهر رمضان المعظم بصورة موسمية.

مسائل تتعلق بصلاة صلاة التراويح:

الأولى: الإفراط في القراءة من المصحف في التراويح إعلان عن التفريط في حفظ كتاب الله تعالى: إن تناول هذه القضية هنا ليس من منظور جوازها كحكم فقهي فرعي، ولكن من خلال منظور "إستراتيجي" تعليمي تربوي؛ نحن نبدأ من حيث ينتهي بنا الشرع الشريف، فنتجافى في استعمال الرخص، نعم لا حرج أن يقرأ الإمام في المصحف إذا كان لم يحفظ، أو كان حفظه ضعيفًا، لكن ينبغي أن يفهم الجميع أن هذا خلاف الأصل، وأن الأصل أن يؤم الحافظُ لكتاب الله "يؤم القومَ أقرؤهم لكتاب الله"، فينبغي التفتيش عن الحفاظ المتقنين، وأن يُقدَّموا للإمامة في القيام، والأوَلى: أن يؤم الناسَ بما يحفظه غَيْبًا، ويكرره ولو كان حزب المفصل.

لقد ترتَّب على هذه الظاهرة الإفراطُ فيها، والتفريطُ في حفظ القرآن الكريم، وبعد أن كان الناس يضعون حوامل المصحف في المحاريب على استحياء، وعلى سبيل الندرة؛ أدَّى التساهل في الأمر إلى شيوع وضع هذه الحوامل في المحاريب طوال شهر رمضان، بدون أدنى تحرج إعلانًا من مجتمعنا عن تقصيره في الاعتناء بحفظ كتاب الله تعالى.

وسُئِل أحمد في رجل يؤم في رمضان في المصحف فرخَّص فيه، فقيل له: "ما يؤم في الفريضة؟" قال: "ويكون هذا؟!"، وعنه أيضًا: "وقد سُئِل: هل يؤم في المصحف في رمضان؟ قال: ما يعجبني؛ إلا أن يُضطَّر إلى ذلك. وبه قال إسحاق".

الثانية: إدمان بعض الأئمة حركة تناول مكبر الصوت قبل التسليم من الصلاة: وهذه حركة يسيرة لا بأس بها إن كانت في مصلحة الصلاة، لكن الناس تمادَوْا فيها حتى صارت لازمة لكلِّ صلاة، وكأنها جزءٌ من هيئتها، ولو لم تكن هناك حاجةٌ إليها، وسيسمع المأمومون تسليم الإمام بدون هذه الحركة، كما أنه يمكن الاستغناء عنها بوضع حامل للميكروفون قريب من الإمام في حال جلوسه. 

الثالثة: أخذ الإمام الأجرة على الإمامة في رمضان: لا يجوز الاستئجار على الإمامة؛ سواء كان ذلك في صلاة الفرض أو النفل ومنه التراويح؛ إلا إذا كان الشخص موظفًا من قِبَل الحاكم؛ فإنه يُعطى رزقًا (مرتبًا) من الأموال العامة. وإذا صلى رجل بالناس التراويح ثم أعطاه أحدٌ شيئًا من غير سؤال أو مشارطة؛ فلا حرج عليه في أخذه، وإنما الحرج إذا كان لا يصلي إلا من أجل المال، وفي هذا جاءت آثار عن بعض السلف، فعن ابن المبارك: "أكره أن يصلي بأجر". وقال: "أخشى أن تجب عليهم الإعادة".

- وسُئِل أحمد عن إمـامٍ قال لقوم: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهمًا؟ فقال: "أسأل الله العافية، مَن يصلي خلف هذا؟!"، وقال في رواية إسحاق: "لا يُصلَّى خلفه، ولا كرامة"، ويُحمَل هذا على أنه أراد الدنيا مِن إمامته.

قال البغوي: "ورخَّص فيه مالك، وقال الأوزاعـي: الإجارة مكروهة، ولا بأس بالجُعْل، وكرهه الشافعي، وقال: لو رَزَقَ الإمامُ المؤذنَ من بيت المال ... فلا بأس إذا لم يجد متطوعًا، قال البغوي: وَكَذَلِكَ ‌لَوْ ‌رَزَقَهُ ‌وَاحِدٌ ‌مِنْ عُرْضِ النَّاسِ، فَلا بَأْسَ" (شرح السنة).

رابعًا: ضابط التطويل في الصلاة: إن كسبَ قلوب الناس، وجعلهم يحبون التردد على المساجد، ويحافظون على الجماعة، مطلب عظيم لا تخفى على أحدٍ ثمراتُه الطيبة، وضد ذلك مفسدة يجب دفعها، وقطع أسبابها.

وهذه مسؤولية الإمام الذي أخلص نيته، وفقه سنةَ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في مراعاة أحوال المصلين؛ بحيث لا يشق عليهم فيطيل بهم، ويفتنهم وينفرهم، فإنه يكون بذلك محُبَّبًا ومؤثِّرًا في الناس ومرغِّبًا لهم في هذا الفضل العظيم.

ولذا حث النبيُّ صلى الله عليه وسلم على التجوز، وحذَّر في موعظة قوية من التنفير، فقد جاء عن أبي مسعود رضي الله عنه أن رجلًا قال: "والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلانٍ مما يطيل بنا، قال أبو مسعود: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبًا منه يومئذٍ، ثم قال: إن منكم منفرين، فأيكم صلَّى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيفَ والكبيرَ وذا الحاجة" (متفق عليه).

ندرك أن تطويل الصلاة فتنة وتنفير للناس عن الصلاة في جماعة، ولا يخفى ما في هذا من المفاسد، والتسبب في تعطيل الواجب، وحرمان الناس من فضل الجماعة؛ ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا كما في حديث أبي مسعود، ووصف معاذًا بأنه فتان بهذا الصنيع لكي يحذر منه.

ولا يعني هذا أن يخفف الإمام الصلاة إلى درجة إسقاط الواجب أو التساهل المقيت كما يفعل البعض -هداهم الله- بحجة مراعاة الناس، فإن في هذا مفسدةً أعظم، ولكن الأمر يعني التزام الوسطية في الأمر، والشعور بالمسؤولية وهو يؤدي هذا العمل، ومحاولة كسب الناس، والعمل على أن يحبب لهم القيام بما فرض الله عليهم مع إتمام الصلاة في جميع ما أوجبه الله فيها من القراءة، والطمأنينة، وإتمام الركوع والسجود، والتسبيح والتحميد وسائر ما يجب فيها.

ونحن نجد أحيانًا مِن بعض الأئمة مَن هو على طرفي نقيض، فنجد مَن يطيل بهم، ويشق على الكبير والضعيف والمريض وذي الحاجة، فينفرهم وينفر غيرهم فلا يصلي وراءه إلا القليل، ونجد آخر يسارع في الصلاة إلى درجة لا يتمكن معها المأموم من أداء الواجب، وكِلا طَرَفَيْ قَصْدِ الأمورِ ذميمُ.

ومِن هنا نأخذ أن الإمام يقدِّر الأمر بنفسه، فهو أعرف بجماعته، وهنا تقع المسؤولية عليه في تقدير الأحوال، وأخذ الحيطة والحذر أثناء قيامه بهذا العمل الجليل. والله أعلم.