الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 07 أغسطس 2021 - 28 ذو الحجة 1442هـ

غربة الأوطان وغربة الدين

كتبه/ أحمد رشوان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فلا شك أن كلَّ مَن اغترب في وطنٍ غير وطنه، تجده يحدثك عن وحشة الغربة، والخوف من المجهول فيها، واشتياقه للعودة إلى موطنه، وكيف أنه يعد الساعات ويفعل كل ما في وسعه حتى يعود، وكذلك لابد أن يكون حال المؤمن في هذه الدنيا؛ فقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الغربة في أحاديث.

ولكن سنقف مع حديثين منها:

الأول: عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "َخَذَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمنْكبيَّ فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ) (رواه البخاري).

والثاني: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) (رواه مسلم). وفي رواية: قِيل: مَنْ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: (الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

فالحديث الأول أمر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- عبدَ الله بن عمر -رضي الله عنهما- بالغربة في هذه الدنيا، وفهم ابن عمر -رضي الله عنهما- الغربة في الدنيا، فكان يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح"، وهذا يجعلك لا تتعلق أبدًا بالدنيا وملذاتها كما لا يتعلق أبدًا المغترب المحب لوطنه بالغربة، وخصوصا أننا نعلم مِن ديننا أن الموطن كان الجنة التي خلق الله فيها آدم -عليه وعلى نبينا السلام-، وفيها خُلقت حواء.

ولولا قَدَر الله النافذ وتقديره لأن يغوي الشيطان آدم وحواء -عليهما السلام- لظلا في الجنة يتنعمون فيها، ولكن لما تعلقت القلوب بسبب الغواية بشجرة نزل بنو آدم إلى الأرض ومَن انتصر لنفسه منهم وحارب الشيطان في الدنيا ونجا منه، عاد إلى موطن الأب، وهو: "الجنة"، اللهم اجعلنا من أهلها، ومَن تَعَلَّق أكثر بالدنيا ونسي الغربة، وأسلم نفسه أكثر للشيطان، لن تكون الأرض مستقره، بل النار أسوأ مصيرًا، نعوذ بالله من النار.

والعاصم بحول الله هو: تذكر الغربة، وفيه النجاة والعودة للوطن ولذلك كانت أغلى نصيحة مِن الحبيب: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ).

ثم في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- الثاني، وَضَّح النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن الدِّين كما بدأ سيعود غريبًا، وأن وعدَ الله للغرباء هو الجنة.

ووضَّح فيه -صلى الله عليه وسلم-: أن الغرباء في الدين هم الذين لا يتأقلمون أبدًا مع الفساد الذي يصنعه غيرهم؛ لأن عيونهم دائمًا على ما يوصلهم للوطن وهو الجنة؛ ولذلك ليس فقط يرفضون الفساد، ولكنهم يسعون في إصلاحه؛ ولذلك كانت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مِن سمات الغرباء، وبها يصلحون الفساد.

فاللهم ارزقنا الجنة، واجعلنا ممَّن يصلحون ما أفسده الناس.