الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 13 يوليه 2021 - 3 ذو الحجة 1442هـ

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (25)

قصة بناء الكعبة (23)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

قوله -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:127-131).

في هذه الآيات بيان حال المؤمنين في إشفاقهم من عدم القبول؛ خوفًا من التقصير في العبادة ظاهرًا أو باطنًا، فآفات النفس الإنسانية لا يحيط بها إلا الله -سبحانه- الذي يعلم السر وأخفى، والذي يعلم مَن خَلَق، وما يُسِرُّه الإنسان في نفسه داخل في السر، فما هو أخفى مِن أعماق النفس البشرية العجيبة، وإراداتها الخفية التي تخفى على صاحبها، لا يطلع عليها إلا الله، فمن أين يجزم الإنسان لنفسه بالإخلاص والصدق حتى يجزم بالقبول؟!

وإذا كان خليل الله إبراهيم وابنه إسماعيل الرسول النبي -صلى الله عليهما وسلم- يبنيان لله بيته الحرام، ويخافان من عدم القبول؛ فكيف بحال مَن دونهما؟! فلن يدخل الجنة أحد بعمله؛ إلا أن يتغمدنا الله برحمته، وقد قال بعض السلف: "مَن ظن في عمله الإخلاص فهو يحتاج إلى الإخلاص".

ولا يزال المؤمن ينظر في عيوب عمله وآفات نفسه ويخشى مِن الرد وعدم القبول، ولا يأمن مكر الله على دخائل في نفسه لا يعلمها؛ قد تنمو مع الزمن، وقد تظهر مع الابتلاء، وحال إبليس عبرة وعظة لكل سائرٍ إلى الله، وهذا أمر عظيم الأهمية في لزوم التزكية، والتهذيب للنفس ودوام المراقبة والمراجعة، فاللهم لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، قال الله -سبحانه وتعالى- (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (المؤمنون:60)، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

وفي هذه الآيات الكريمات التعلُّق بأسماء الله وصفاته، ومشاهدة اطلاعه -سبحانه- بسمعه وعلمه على أقوال العباد وأعمالهم ودعائهم، وفيها عظم الرجاء في القبول؛ رغم التقصير والنقص والآفات.

ثم بيَّن -تعالى- أن الإسلام هو دين إبراهيم وبنيه -إسماعيل وإسحاق- وبعدهم يعقوب وذريتهم جميعًا، فكَذَب مَن نسب إلى إبراهيم دينًا غير دين الإسلام، وقد بيَّن -سبحانه- ارتباط دين الإسلام بالكعبة والحج إليها من زمن إبراهيم إلى يوم القيامة، أو إلى ما قبل ذلك بيسير؛ حين يهدم الكعبة ذو السويقتين من الحبشة؛ حين لا يبقى في الأرض أحد يقول: الله الله، كما بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وفي هذه الآيات ارتباط هذا الدِّين بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- من حين مبعثه إلى يوم القيامة، وقد خص الله رسالته باسم الإسلام عَلَمًا على هذا الدين وهذه الشريعة دون شرائع مَن سبقهم من الرسل؛ كموسى وعيسى -عليهما السلام-؛ رغم أن دينهم الإسلام ودين جميع الأنبياء، لكن -بفضل الله- كان الاسم العَلَم "الإسلام" على هذه الشريعة المحمدية، واسم "المسلمون" العَلَم على أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، رغم أن أتباع موسى وعيسى مسلمون حقيقة، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ . فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (يونس:84-86).

وقال -سبحانه وتعالى- عن فرعون حين أراد أن يعلن دخوله في دين موسى -صلى الله عليه وسلم-: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس:90).

وقال -سبحانه وتعالى- عن المسيح -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه: (عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:52).

وقال الله -عز وجل-: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) (المائدة:111).

فلا يصح أبدًا الانتساب إلى دين إبراهيم ومنهج إبراهيم وملة إبراهيم؛ إلا باتباع محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الشريعة الإٍسلامية؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) (رواه أحمد، وحسنه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، وَالأَنْبِيَاءُ أَوْلاَدُ عَلَّاتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَالذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ إمامًا مُقْسِطًا، وحَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، ويَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، ويَضَعَ الجِزْيَةَ، ويَفِيضُ المالُ حتّى لا يَقْبَلَهُ أحَدٌ) (متفق عليه).

وقال -سبحانه وتعالى-: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة:133).

وقد سبقت الرواية بحج سارة وإسحاق -عليه السلام-، وقال -تعالى- عن صهر موسى -عليه السلام-: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (القصص:27).

وهذا يدل على معرفة الأمم السابقة بالحج وتوقيتهم به، بل وفعلهم له، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ، فَقَالَ: (أَيُّ وَادٍ هَذَا؟) فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ)، ولما مرَّ بِثَنِيَّةِ هَرْشَى قال -صلى الله عليه وسلم-: (أيُّ ثَنِيَّةٍ هذِه؟) قالوا: ثَنِيَّةُ هَرْشى، قالَ: )كَأَنِّي أنْظُرُ إلى يُونُسَ بنِ مَتّى -عليه السَّلامُ- على ناقَةٍ حَمْراءَ جَعْدَةٍ عليه جُبَّةٌ مِن صُوفٍ، خِطامُ ناقَتِهِ خُلْبَةٌ وهو يُلَبِّي) (رواه مسلم). وكل هذه الأحاديث في الصحيح.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح أيضًا: (والَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابنُ مَرْيَمَ بفَجِّ الرَّوْحاءِ، حاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُما) (رواه مسلم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيُحَجَّنَّ البَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) (رواه البخاري).

فلا دين إبراهيمي إلا بالحج فعلًا أو عزمًا ونية، وإلا باستقبال القبلة الكعبة المشرفة، وإلا باتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، فمَن زعم جمع الديانات الثلاثة -اليهودية والنصرانية والإسلام- باسم دين إبراهيم؛ فهو يقول أبطل الباطل ويُكَذب القرآن العظيم؛ لأن مَن كذَّب كلام الله -عز وجل- في الشهادة بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، ولبيته الحرام بوجوب استقباله كان مُكذبًا لله -عز وجل- مشركًا به كافرًا به.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "قوله -تعالى- حكايةً لدعاء إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:128). قال ابن جرير: يعنيان بذلك: واجعلنا مستسلمين لأمرك، خاضعَين لطاعتك، لا نشرك معك في الطاعة أحدًا سواك، ولا في العبادة غيرك. وروى  ابن أبي حاتم: عن عبد الكريم: (وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) قال: مخلصين لك، (وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ) قال: مخلصة.

وروى أيضًا عن سلَّام بن أبي مُطيع في هذه الآية: (وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ)، قال: كانا مسلمين، ولكنهما سألاه الثبات.

وقال عكرمة: (وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) قال الله: قد فعلت، (وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)، قال الله: قد فعلت.

وقال السدي: ‏(وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)‏ يعنيان العرب.

قال ابن جرير: والصواب أنه يعم العرب وغيرهم؛ لأن مِن ذرية إبراهيم بني إسرائيل، وقد قال الله -تعالى-: (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (الأعراف: 159).

قلتُ -أي: ابن كثير-: وهذا الذي قاله ابن جرير لا ينفيه السدي؛ فإن تخصيصهم بذلك لا ينفي مَن عداهم، والسياق إنما هو في العرب؛ ولهذا قال بعده: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ... )، والمراد بذلك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد بعث فيهم كما قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) (الجمعة:2). ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود؛ لقوله -تعالى-: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) (الأعراف: 158)، وغير ذلك من الأدلة القاطعة.

وهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- كما أخبر الله -تعالى- عن عباده المتقين المؤمنين، في قوله: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان:74).

وهذا القَدْر مرغوب فيه شرعًا، فإن مِن تمام محبة عبادة الله -تعالى- أن يحب أن يكون مِن صلبه مَن يعبد الله وحده لا شريك له؛ ولهذا قال الله -تعالى- لإبراهيم -عليه السلام-: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة:124)، وهو قوله: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (إبراهيم:35).

وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ).

(وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) قال ابن جريج، عن عطاء (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا): أخرجها لنا، عَلِّمْناها.

وقال مجاهد: (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) مذابحنا، وروي عن عطاء أيضًا، وقتادة نحو ذلك. (قلتُ: أي: الأماكن التي نذبح فيها ذبائحنا تقربًا إلى الله -عز وجل-).

وقال سعيد بن منصور: حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن مجاهد، قال: قال إبراهيم: (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) فأتاه جبرائيل، فأتى به البيت، فقال: ارفع القواعد. فرفع القواعد وأتم البنيان، ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصفا، قال: هذا من شعائر الله. ثم انطلق به إلى المروة، فقال: وهذا من شعائر الله، ثم انطلق به نحو منى، فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة، فقال: كبر وارْمِهِ، فكبر ورماه. ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى، فلما جاز به جبريل وإبراهيم قال له: كبر وارمه، فكبر ورماه. فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يُدْخِل في الحج شيئًا فلم يستطع، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام، فقال: هذا المشعر الحرام. فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به عرفات. قال: قد عرفت ما أريتك؟ قالها ثلاث مرار. قال: نعم. وروي عن أبي مجلز وقتادة نحو ذلك.

وروى  أبو داود الطيالسي  عن ابن عباس، قال: إن إبراهيم لما أُرِيَ أوامر المناسك، عَرَضَ له الشيطان عند المسعى، فسابقه إبراهيم، ثم انطلق به جبريل حتى أتى به منى، فقال: مناخ الناس هنا. فلما انتهى إلى جمرة العقبة تعرَّض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به الجمرة الوسطى، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به الجمرة القصوى، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، فأتى به جمعًا. فقال: هذا المشعر. ثم أتى به عرفة. فقال: هذه عرفة. فقال له جبريل: أعرفت؟" (انتهى من تفسير ابن كثير).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.