كتبه/ رجب صابر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالمقصود بالحضارة مَدَى ما وصلت إليه أمة مِن الأمم في نواحي نشاطها الفكري والعقلي، مِن: عمران، وعلوم، ومعارف، وما إلى ذلك، والترقي بها في مدارج الحياة ومسالكها، حتى تصل إلى الغاية التي تناسِب أحوالها، ولكي يمكننا التعرف على مقومات أي حضارة وخصائصها، ومدى تأثيرها، ومستوى استفادة البشرية منها؛ فلا بد أن نحدد العناصر الأساسية التي ينبغي أن تتكون منها حضارة ما.
وقد ذكر بعض الباحثين أن الحضارة تتكون من عناصر أربعة رئيسة، هي:
1- الموارد الاقتصادية.
2- النظم السياسية.
3- التقاليد الخلقية.
4- متابعة العلوم.
ولانهيار الحضارات عوامل متعددة هي عكس العوامل التي تؤدي إلى قيامها وتطورها، ومِن أهمها: الانحلال الخُلُقي والفكري، واضطراب القوانين والأنظمة، وشيوع الظلم والفقر، وفقدان الموجِّهين الأكفاء، والزعماء المخلصين.
وكلما كانت الحضارة عالمية في رسالتها، إنسانية في نظرتها خُلُقية في اتجاهاتها، واقعية في مبادئها؛ كانت أخلد في التاريخ، وأجدر بالتكريم، وأبقى ذكرًا، وأنفع أثرًا.
وقد امتازت حضارتنا الإسلامية إبان ازدهارها بكل مقومات قيام الحضارات، وكانت أعظم حضارة عرفها التاريخ غير أنها تميَّزت بخصائص فردية جعلتها تختلف عن الحضارات الأخرى التي يعرفها الناس.
ومِن أبرز ما يلفت نظر الدارس لحضارتنا أنها تميزت بالخصائص التالية:
- أنها قامت على أساس الوحدانية المطلقة في العقيدة: فهي حضارة تنادي بعبادة الله الإله الواحد الأحد الذي لا شريك له؛ في ملكه، وحكمه؛ فهو وحده الذي يُعبد، وهو وحده الذي يُقصد، وهو الذي يُعِز ويُذِل، ويُعطي ويَمنع، وهذا السمو في فهم الوحدانية كان له أثر كبير في رفع مستوى الإنسان، وتحرير الجماهير، وتصحيح العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، كما كان له أثر كبير في خُلو الحضارة الإسلامية مِن كلِّ مظاهر الوثنية وآدابها وفكرها: في العقيدة، والحكم، والفن، والشعر، والأدب.
- وثاني خصائص حضارتنا: أنها إنسانية النزعة والهدف عالمية الأفق والرسالة، فهي حضارة انتظمت فيها جميع العبقريات للشعوب والأمم التي خفقت فوقها راية الفتوحات الإسلامية؛ فضمت علماء من بلدان شتى، ومِن أجناس مختلفة في شتى العلوم ومختلف التخصصات.
- وثالث خصائص حضارتنا: أنها جعلت للمبادئ الأخلاقية المحل الأول في كل نظمها ومختلف ميادين نشاطها، ففي الحكم وفي العلم، وفي التشريع، وفي الحرب وفي السلم، وفي الاقتصاد وفي الأسرة - رُوعيت المبادئ الأخلاقية؛ تشريعًا وتطبيقًا، وبلغت في ذلك منزلة سامية لم تبلغها حضارة في القديم والحديث.
- ورابع هذه الخصائص: أنها حضارة تؤمن بالعلم، وترتكز على العقيدة؛ فهي خاطبت العقل والقلب معًا، وأثارت العاطفة والفكر في وقتٍ واحدٍ؛ فاستطاعت أن تنشئ نظامًا للدولة قائمًا على مبادئ الحق والعدالة، مرتكزًا إلى الدِّين والعقيدة دون أن يقيم الدِّين عائقًا ما دون رقي الدولة، واطراد الحضارة، بل كان الدِّين مِن أكبر عوامل الرقي فيها.
هذه هي بعض خصائص حضارتنا وميزاتها في تاريخ الحضارات، ولقد كانت بذلك محل إعجاب العالم، ومهوى أفئدة الأحرار والأذكياء مِن كلِّ جنس ودِين، يوم كانت قوية تحكم وتوجِّه، وتهذِّب وتعلم. (يُنظَر: كتاب من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي).
فاللهم أَعِد للمسلمين مجدهم وعزهم.
وكم في التاريخ من عِبَرٍ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.