الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 03 يناير 2021 - 19 جمادى الأولى 1442هـ

وطائر آخر!

كتبه/ مصطفى دياب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فحينما نذكر قوله -تعالى-: ((وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) (النمل:??)، فإننا أول ما نفكر فيه هو ذلك الطائر المعروف، وعلى وجه الخصوص هذا الهدهد المشهور، لكنني في هذا المقام أبحث عن طائر آخر، وهو الأجدر أن نتفقده، ونجتهد في إصلاحه إن كان فيه عطب؛ هذا الطائر هو الذي يحدد سرعتك على الصراط، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ، فَأَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ البَرْقِ، ثُمَّ كَالرِّيحِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

إن هذا الطائر يحدد مقدار النور الذي سيكون معك على الصراط حتى تجتاز العقبة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فيَمُرُّونَ على قدْرِ نورِهِمْ، فمنهم مَنْ يَمُرُّ كانْقِضاضِ الكوْكَبِ، ومنهم مَنْ يَمُرُّ كالطَّرْفِ، ومنهم مَنْ يمرُّ كالريحِ، ومنهم مَنْ يمُرُّ كشَدِّ الرَّجُلِ، ويرمُل رَمْلاً، فيمرُّون على قدْرِ أعْمالِهم، حتى يمرَّ الذي نورُه على إبْهامِ قدمهِ؛ تَخِرُّ يدٌ وتَعَلَّقُ يدٌ، وتخِرُّ رِجْلٌ وتَعلَّقُ رِجْلٌ، فتصيبُ جوانِبَهُ النارُ) (رواه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني).

هل أدركت أخي، ما هذا الطائر الذي يجب علينا أن نتفقده؟

إنه (عملك) الذي عملته؛ خيرًا كان أو شرًّا، قال الله -تعالى-: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا . اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (الإسراء:13-14)، فطائرك ما طار عنك مِن عملك من خير أو شر، تُلزَم به، وتُجَازَ? عل?ه، فيكون كالقلادة في عنقك.

وكيف لا وقد قال الله -تعالى-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة:7-8)؟!

فما أحوجنا أن نتفقد طائرنا ونتفقد ما تنتجه جوارحنا من عمل: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء:36)، فهل تفقدنا أعيننا وأسماعنا وأيدينا وأرجلنا وفروجنا، وحاسبناها قبل أن تُحَاَسب؟! (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (الصافات:24).

هل سألناها قبل أن تسأل يوم: (نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يس:65)؟!

إن الطريق إلى الله -عز وجل- ليس فيه إشارة تحدد السرعة، ولا رادار يُعاقِب المسرع؛ فبادِروا بالعودة بأقصى سرعة إلى الله -عز وجل-، وأحسنوا العمل قبل فوات الأجل (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (الإسراء:7).

أيها الأحباب...

تفقدوا أقوالكم وأعمالكم، ومواقفكم ونوا?اکم، واصادقوا وأخلصوا، واستبقوا الخيرات، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وكما تحرص على نقاء ثوبك، احرص على نقاء قلبك؛ فلا نجاة يوم القيامة إلا لمن أتى الله بقلب سليم: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:87-89).

أسأل الله أن يرزقني وإياكم القلب السليم، ويجعلنا ممن يتفقدون قلوبهم وأعمالهم وأقوالهم.