الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 02 ديسمبر 2020 - 17 ربيع الثاني 1442هـ

هل أخطأت هيئةُ كبارِ العلماء في بيانِها حول الإخوان؟!

كتبه/ محمد إبراهيم السعيدي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد أثار بيانُ هيئة كبار العلماء والمتضمِّن التَّحذير من جماعة الإخوان المسلمين ووصفهم بالإرهاب كثيرًا من الانطباعات المتفاوتة بين العجب والإعجاب، والنَّقد والتشكيك، وتم طرح عددٍ من الأسئلة من باب التعريض بالبيان ونقده والحمل عليه.

وفيما يلي سوف أُورد بعض ما اطَّلعتُ عليه من أسئلة حول هذا البيان، وأجتهد في مناقشتها، متقدمًا بين يدي ذلك بأمر عظيم وهو وجوب العدل في القول على كل مسلم، وأنَّ الجناية بالقول باب عظيم من أبواب الظلم، والله -تعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: ?)، فقد قرن -تعالى- الأمر بالشَّهادة بالقسط إلى القيام لله -تعالى- وحده، وأمر بالعدل مع الشَّانئين أصحاب العداوات والبغضاء، وبيَّن أنَّ العدل مع هؤلاء هو علامة التقوى؛ وعليه فلا يحل بحال من الأحول لمن خالف الإخوان أن يظلمهم وأن يفجر في خصومتهم، وفي المقابل لا يحلُّ لمن وَالَى الإخوان ظلمُ مَن خالفهم؛ فظلم الإخوان محرم، وكذلك ظلم هيئة كبار العلماء محرَّم، وظلم الدول التي تجرم الإخوان محرم.

ولو تحرينا العدل وعلمنا أنَّه واجب لكل أحد، وليس من وافقنا وحسب؛ لأفلحنا فلاحًا كبيرا، لكن مأساتنا اليوم هي أننا نستعمل بديلًا عن العدل انحيازنا المسبق لجهة دون أخرى، فمن انحزنا لهم هم أهل الحق ومن سواهم هم أهل الباطل، وهذا ما يورثنا الظُّلم في كلامنا لا لخصومنا وحدهم، بل لمن نواليهم ونتبع خطاهم، وذلك أنَّ تزيين الخطأ لصاحبه والاعتذار والتذرع له هو من عظيم ظُلمه.

وفي هذه المقالة أسأل الله -تعالى- أن يريني الحق حقًّا ويرزقني اتباعه، ويريني الباطل باطلًا ويرزقني اجتنابه.

تساءل بعضهم لامزًا: كيف لم تعرف هيئة كبار العلماء الإخوانَ قبل هذا التاريخ؟

والعدل أن يُقال: إنَّ هيئة كبار العلماء ولجنتها الدائمة ليس لهم من قديمٍ تزكيةٌ مطلقة للإخوان حتى يقال: إنَّ قولهم اليوم مناقضٌ لقولهم بالأمس، فلا أعرف أنَّ الهيئة مجتمعة أو لجنتها الدائمة بصفتهم الاعتبارية أو بصفاتهم الشخصية أطلقوا التَّزكية للإخوان حتى يقال: إنَّهم لم يكونوا يعرفونهم، أو أنَّ البيان الجديد مناقض لِمَا كانت عليه الهيئة؛ وإليك هذا المثال مع التعليق عليه من أجوبة اللجنة الدائمة:

 "العنوان: أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق.

السؤال الأول من الفتوى رقم (6250):

س1: في العالم الإسلامي اليوم عدة فرق وطرق، الصوفية مثلًا، هناك جماعة التبليغ، الإخوان المسلمين، السنيين، الشيعة، فما هي الجماعة التي تطبق كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟

ج1: أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه: أهل السنة؛ وهم أهل الحديث، وجماعة أنصار السنة، ثم الإخوان المسلمون.

وبالجملة، فكل فرقة من هؤلاء وغيرهم فيها خطأ وصواب؛ فعليك بالتعاون معها فيما عندها من الصواب، واجتناب ما وقعت فيه من أخطاء، مع التناصح والتعاون على البر والتقوى.

وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء"(1).

فالفتوى جعلتهم صفًّا ثانيًا من أهل السنة ومَيَّزَتْهُم عن أهل الحديث وأنصار السنة بأداة العطف ثُمَّ.

وهذه أيضًا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز فيهم، أُورِدُها مثالًا لرأي أعضاء هيئة كبار العلماء بصفتهم الشخصية: "السؤال: أخ يسأل عن بعض الجماعات الإسلامية، مثل: جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين، ويقول: هل هؤلاء من أهل السنة والجماعة؟

الجواب:

كلهم عندهم نقص، جماعة التبليغ وجماعة الإخوان المسلمين، يجب أن يحاسِبوا أنفسهم وأن يستقيموا على الحق، وأن ينفذوا ما دل عليه الكتاب والسنة، في توحيد الله والإخلاص له، والإيمان به واتباع شريعته، وعلى الإخوان المسلمين وفقهم الله أن يحاسبوا أنفسهم وأن يحكموا شرع الله فيما بينهم، وأن يستقيموا على دين الله: قولا وعملًا وعقيدة، وأن يحذروا مخالفة أمره أينما كانوا، وعلى جماعة التبليغ أيضًا أن يحذروا ما كان يفعله أسلافهم من تعظيم القبور، والبناء عليها، أو جعلها في المساجد، أو دعائها والاستغاثة بها، كل هذا من المنكرات، والاستغاثة بها من الشرك الأكبر، فعليهم أن يحذروا ذلك، لهم نشاط في الدعوة إلى الله، وكثير منهم ينفع الله به الناس، لكن عند أسلافهم عقيدة غير صالحة، فيجب على الخلف أن يتطهروا منها، وأن يحذروا العقيدة الرديئة، وأن يستقيموا على توحيد الله حتى ينفع الله بهم وبجهادهم"(2).

فواضحٌ أنَّ الشيخ لم يزكِّهم، بل أنحى عليهم باللائمة، وطلب منهم مراجعة أنفسهم وما هم فيه.

إذًا فالهيئة وعلماؤها لم يكونوا يُزكون الإخوان تزكية مطلقة، وكذلك لم يكونوا يسيئون فيهم الحكم أو الظَّن، وذلك لأنَّ الإخوان كسائر الجماعات، بل وسائر الأفراد يتغيرون، فليس كل من يكون ثقةً في أول عهده يبقى كما هو حتى نهايته، وليس كل من يكون غير ثقة في أول عهده يبقى كذلك حتى نهايته، والأمر مثله في الجماعات تتغير بتغير قاداتها وتغير الظروف التي تحيط بها، أو تُظهِر اليوم ما كانت تضمره بالأمس؛ وكذلك لا يمتنع أن تعلم عيبًا غيرَ ظاهر عند فرد أو جماعة، فيمنعك عدم ظهوره واشتهاره من أن تكون أنت المُدلي به، وترجِّح فضل النصح سِرَّا، حتى إذا ظهر وانجلى لم يعد لك بُدٌ من التحذير منه علنًا، وهذا كذلك كائن في الجماعات وفي الأفراد، فليس سترك عيبًا في أحد اليوم مانع لك من التحذير من عيبه هذا غدًا حين يصبح ضرر عدم التحذير أولى بالاتقاء من جلب منفعة الستر، فَيُحمل صمت هيئة كبار العلماء عن التحذير من الإخوان زمنًا طويلًا على أحد هذه المحامل؛ كما أنَّ الإخوان اليوم ليسوا هم من كانوا قبل ثلاثين سنة ولا الأوضاع المحيطة هي الأوضاع، فقد استجدَّ الكثير من الأحداث وتغير كثيرٌ من الناس.

يأتي السؤال التالي: وهو: ما مستند وصف جماعة الإخوان بالإرهاب، مع أن الظاهر لكثيرين من المتابعين أنها هي الجماعة التي وقع عليها الإرهاب؟

فالجواب: أن الهيئة تعني بالإرهاب: العنف المحرَّم شَرْعًا، وعلى ذلك فجماعة الإخوان رائدة في ذلك، وهو منهج لها منذ مؤسسها حسن البنَّا -رحمه الله-، ومن أدلة ذلك قوله في افتتاحية جريدتهم في كلمة طويلة يؤكد فيها على أنَّ العنف والصدام هو المرحلة الثانية التي انتقلوا إليها في التعامل مع الحكام والوزراء والمسؤولين يقول: "فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة والروغان وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة، فنحن حربٌ على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين"(3).

ولا شكَّ أنَّ ما دعا إليه في هذه الكلمة خروج محرم على الحاكم، وإلقاء بالأَتْبَاع إلى التهلكة، فإن قيل: هو يقصد الإنجليز المحتلين لمصر آنذاك، فيُجاب بأن العبارة عامة يدخل فيها حكام العرب والمسلمين، ولم يرد فيها ذِكر الإنجليز، كما أن له أقوالًا كثيرة على هذا النحو ولا تذكر أن عداءه واستهدافه كان للإنجليز، وفي ذلك بُعْد عن الاستفادة من تجارب الصِّدام مع الحكام طيلة التاريخ الإسلامي من عهد بني أميَّة حتى عصر البنا، وظهر أنَّ الفشل كان نتيجة دعوته إلى الصدام مع الدولة، والتي ذهب هو أول ضحاياها.

وفي أول تجربة لحسن البنا للخروج بتنظيمه خارج مصر قام التنظيم في اليمن بقتل الإمام يحيى لِتَولِيَةِ إمامٍ جديد يميل إلى الإخوان، ولم يتَّبعوا الطرق الشرعية في الإصلاح، مع أنَّها أيسر بكثير من قتل شيخ جاوز الثمانين عاما، وهي الجريمة التي لم تقم لليمن بعدها قائمة، وابتُلي إثرها بالثورات والنزاعات حتى يومنا هذا؛ إلا أنَّ الجماعة لم تستفد من خطأ إقرار العنف في حياة حسن البنا فاستمرت عليه، ورَعَت ما كانوا يُسَمُّونه "التنظيم الخاص" تحت أغطية الكشافة والجوالة والنشاط الرياضي، وحقيقةُ ما يفعلونه: إنشاء جيشٍ داخل الدولة!

يقول "أحمد عادل كمال" -وهو أحد قادتهم القدامى ومؤرخيهم، وله كتاب: "النقط فوق الحروف"-، فيتحدث عن النظام الخاص فيقول: "ولنعد إلى ذكر الجوالة، فما زلت أذكر تلك الطوابير الاستعراضية الضخمة التي كان يتراوح عدد المشتركين فيها بين الستة آلاف والعشرة آلاف جوال، كنا ننتهز الفرص لإجراء هذه الاستعراضات في الشوارع، لم تكن تلك المناسبات مقصودة لذاتها دائمًا، وإنما كانت ذريعة، وكان بيت القصيد إظهار قوة الجماعة، ومظهرها العسكري، ولفت النظر إلى أن الجوالة بالذات هي القوة العسكرية للجماعة، وفي هذا صرف للنظر عن التشكيل الجديد الذي أُعد سرًّا وفي كتمان تام بعيدا عن مظهريات الجماعة وهو: "النظام الخاص"، وسوف نعرض له -إن شاء الله-"(4).

واستمرت فكرة النظام الخاص حتى بعد الثورة على الملكيَّة التي كان الإخوان من أهم المحرضين عليها، لكنهم رفضوا الحِصة التي أُعطيت لهم في نظام الحكم، وفي هذه المرحلة خَطَّطَ النظام الخاص لأعمال اغتيالات وتفجيرات وحرائق وحرب أهليَّة في مصر، لكن كل ذلك لم يحدث بسبب اكتشاف النظام المصري لهم، فأُخذوا ونُكِّل بهم وحوربت الدعوة الإسلامية في مصر على إثر ذلك بسببهم، وقد سجل ذلك بدقة آخر رئيس لتنظيمهم الخاص: علي عشماوي، في كتابه: "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين" ، وهو رجل اتهموه هم بالكذب في بداية الأمر؛ لكن كثيرًا من الوقائع التي أثبتها في كتابه شهدت بها مذكرات كُتَّاب آخرين؛ إما بأعيانها أو بجنسها، كما في كتاب عباس السيسي: "في قافلة الإخوان المسلمين" .

وبعد الانقلاب أو الثورة (سمها ما شئت) على حكم الإخوان، أصدر الإخوان بيان "نداء الكنانة"، والذي وقع عليه علماؤهم ومفكروهم في العالم الإسلامي، وأجازوا فيه قتل كل من تعاون مع هذا الانقلاب ليس من العسكريين وحسب، بل من المفتين والإعلاميين والسياسيين، وأكدوا فيه على أنَّ الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتين والإعلاميين والسياسيين، وكل مَن يَثْبُتُ يقينًا اشتراكُهم ولو بالتحريض في انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق… حكمهم في الشرع أنهم قتَلةٌ، تسري عليهم أحكام القاتل، ويجب القصاص منهم بضوابطه الشرعية، والله -تعالى- يقول: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة:32)، وهو بيانٌ وقع عليه أكثر من مائة وخمسين من علماء الإخوان والمتعاطفين معهم، وعدد من المؤسسات العلمية المحسوبة عليهم، وعند صدوره رحَّبت به الجماعة كما رحَّب به موقع حزب الحرية والعدالة.

وهذه الفقرة من البيان وحدها تُعد جريمةً عظيمة؛ فهي تدعو إلى استباحة قتل الحكام في مصر، وفي البلاد التي تعاونت مع الحكم الجديد في مصر، وكذلك القضاة، وأكثر من خمسة ملايين من أفراد الجيش بجميع رُتبهم، وقريبًا منهم من العسكريين في القطاعات الأُخرى، وكذلك قتل كل السياسيين والإعلاميين والمفتين الذين أيَّدوا الثورة أو الانقلاب؛ وأبانت هذه الفقرة خواء هؤلاء المنتسبين للعلم من الأدلة الشرعية على هذا الإفساد، وذلك باستدلالهم بقوله -تعالى-: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة:32)، دليل عليهم؛ فبأي دليل يحكمون بالقتل على الحاكم المتغلب وقد وجبت له أحكام الولاية؟ وهذا هو اتفاق العلماء من أهل الحديث وأهل الكلام منذ مئات السنين سواء أكان مُحقًا في تغلبه أم غير محق، وذلك صيانة لجماعة الأمة ووحدتها ودمائها وأعراضها من توالي الفتن، وبأي حق شرعي يحكمون بالقتل على الملايين من العسكريين والأكثرية الكاثرة منهم من الذين لم يشاركوا في الإطاحة بالرئيس مرسي؟ وأي فساد أعظم من الحكم بالقتل على كل من كان له رأي يوافق هذا الانقلاب أو الثورة من إعلاميين وسياسيين ومفتين؟

وإن زعموا أن تقييدهم في هذه الفقرة بقولهم "مَن ثَبَت قطعًا" عاصم لهم؛ فليس بصحيح، لأنهم أعلنوا هذه الفتوى على عموم الناس، وأجازوا لعموم الناس القيام بهذا العمل الإفسادي وهو القتل، فمن من عموم الناس لديه القدرة على التمييز بين القطع والظن والوهم؟!  

والحق أنهم أرادوا بهذه الفتوى غير الشرعية الإفساد في الأرض وشيوع الاقتتال بين الناس، فهذا يقتل شرطيًا؛ لأنه يراه مع الانقلاب تحقيقًا للفتوى الخبيثة، وآخر يقتل صحفيًّا؛ لأنه أيَّد الانقلاب، وثالث يقتل مفتيًا، ثم يأتي أقارب هؤلاء ليثأروا من القاتل، فلا تستقر الأمور ولا تنضبط، ولا تزداد الدماء والأموال والأعراض إلا هدرًا.

ثُمَّ أليس الإخوان هم مَن ينتقدون الأنظمة لاستباحتها السجن والقتل بزعمهم دون محاكمة؟ كيف يصح أن يأمروا باستحلال دماء الملايين من العسكريين والمفتين والسياسيين دون محاكمة، أم أنه يحل لهم مالا بحل لغيرهم؟!

ومن نعمة الله -تعالى- أن الشعوب العربية والشعب المصري بخاصة كانوا أفقه وأعرف بالحق وأقرب للفطرة من أدعياء العلم هؤلاء، ولولا ذلك لكانت مصر اليوم مقبرة لأهلها، كما هي ليبيا وسوريا واليمن والعراق.

وقد يقول محسنٌ للظن بهم: إنهم بهذه الفتوى لم يخاطبوا الناس على الإطلاق، ولم يريدوا القتل على الإطلاق، بل قيدوه بقولهم في البيان: "بضوابطه الشرعية".

والجواب: أنَّ أول الضوابط الشرعية هو كون القصاص في كل المذاهب الأربعة وعند جميع المجتهدين لا يأخذه إلا السلطان أو من يُنيبه، ولم يقل أحد من أهل العلم بجواز أن يأخذ الناس القصاص بأيديهم حتى لو كانوا أولياء دم المقتول المباشرين، فكيف يُعطى الحقُ لكل من أراد الاقتصاص ممن شاء؟! وأين الضوابط الشرعية والحكم كله ليس شرعيًا، بل حكم خارجي لا يرضاه عالم يحكم بعلمه، ولا عاقل يركن إلى حكمته وتبصره.

ثُمَّ ها هو شيخهم "يوسف القرضاوي" يؤكد هذا الإطلاق ويأمر عموم الناس بممارسة القتل غير عابئ بما سيصيب الخلق جراء ما يفتي به من المفاسد! وذلك حين أجاز القتل على عواهنه، وكيف ما اتفق في الثورة السورية، فقال في قناة الجزيرة بعد سؤال المذيع له عن العسكريين الذين لا زالوا واقفين مع النظام السوري ويوجد منهم مَن يريد الانشقاق ولا يستطيع، فأجاب: "الذين يعملون مع السلطة يجب أن نقاتلهم جميعًا، عسكريين مدنيين، علماء، جاهلين، إن لم يكونوا على هذه السلطة الظالمة المتجبرة في الأرض التي قتلت الناس بغير حق هو ظالم مثلُها، فيأخذ حكمها، فكل من يقاتل فعليه أن يقاتل هؤلاء، إذا كان فيهم واحد مظلوم فالله سبحانه و-تعالى- سيدافع عنه، وسيأخذ حقه (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال:25)"(?).

فقد جعل لكل من أراد القتال أن يقتل كيف ما اتفق، عالمًا أو جاهلًا، عسكريًّا أو مدنيًّا، ظالمًا أم مظلومًا، ولم يقدم كلمة واحدة عن التحري ووجوبه؛ لاسيما في الدماء، ولم يتحدث عن اشتراط الراية في القتال، خلاصة رأيه لمن شاء قتل من يرى أنه اتصف بمشاركة النظام دون تمييز، وهذا ما وقع، وهو ما أوصل سوريا لما هي فيه اليوم؛ مناط الحكم بالقتل عنده هو العمل مع السلطة؛ وأي دعوة للفساد في الأرض واستباحة الدماء أكبر وأعظم من هذه؟ والأعجب منها: أن القرضاوي يُدِين ما تفعله داعش، فأي فرق بين ما يفتي به وما تعمله داعش، فمناط الحكم بالقتل عند داعش هو التعاون مع الأنظمة وهو المناط نفسه الذي ذكره القرضاوي.

ويخالف القرضاوي مهمَّة العلماء مع الناس وهي المحافظة على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم فيحرض الشباب والشيوخ والبنات والأمهات على الخروج في مواجهة الجيش المصري والآلة العسكرية، يقول: "نحن ندعو المصريين جميعًا أن يخرجوا، اخرجوا من بيوتكم أيها المصريون، لا تتركوا الأمر يزداد، لا يستطيع هؤلاء أن يفعلوا معكم شيئا، اخرجوا من بيوتكم في صلاة العصر، في صلاة المغرب، كلكم اخرجوا، الرجل يخرج، وامرأته تخرج، وبناتها تخرج، وأولادها يخرجون، حتى الأطفال المميزون: اخرجوا، اخرجوا من بيوتكم، هذا فرض عين على المصريين… !"(?).

وقد أدرك المصريون بِفِطَرِهم وبأهل العلم الصادقين عندهم بأنهم سواء أرضوا باستيلاء الجيش على السلطة أم سخطوه، فلا يحل لهم مصادمة السلطة لما في ذلك من تسليط الناس بعضهم على بعض، وتسليط الجيوش والحكام على الناس مما يفضي إلى الشر العظيم كما هو الحال في سوريا التي أصبح الناس يرون أن حكم أسوأ مستبد وظالم لها خير مما هي عليه من حال، وكذلك الأمر في سواها من الدول.

ويقول الإعلامي "محمد ناصر" في برنامجه الذي يُبثُّ من تركيا على الهواء: "اقتلوا ضباطهم، أنا بقول على الهوا: اقتلوا الضباط، أنا عايز أقول لكل زوجة ضابط زوجك هيُقتل، النهاردة لا؛ بكرة نعم، سيقتل يقتل"(?)، وهذا الخطاب وإن كان من إعلامي وليس من عالم فإنه يوافق فتاوى العلماء التي نقلنا وفتوى القرضاوي وغيرهم، لكن الإضافة فيه أن الأمر انتقل إلى التحريض الإعلامي الصريح بقتل الضباط، وإدخال الشباب في مواجهات مع سلطات هم أضعف منها بعشرات المراحل، ولن يصلوا منها إلا إلى تحطيم مستقبلهم وإيغالهم في الدماء وجر البلاد إلى دوامة الصراع.

وبلغ الأمر ببعض مفتيهم وهو "شرف عبد الغفار" -أحد قيادات الإخوان- في لقاء طويل إلى أن يدعو إلى تفجير محطات الكهرباء ويرى أن ذلك درجة من السلمية!

والعجيب أن عنوان اللقاء كان: "سلمية الإخوان وطمع الانقلاب في جر البلاد للعنف"؛ فأي سلمية لمن يدعون للقتل وتفجير محطات الكهرباء، ومن هو الذي يجر البلاد إلى العنف حينئذٍ؟!(?).

وهذه الدعوات إلى الإفساد في الأرض بزعم الإصلاح لا نعرف أن أحدًا من علماء الإخوان انتقدها، أو رد عليها أو تبرأ منها، وإذا قامت هيئة كبار العلماء بالحكم على الجماعة بكونها إرهابية بناءً عليها فلها الحق في ذلك، فتحذير الأمة من مصادر هذه الأفكار التي لا تفضي إلا إلى الخراب واجب، وقد علمتنا التجارب أن هذه الأفكار حيثما حلت حققت في الأرض فسادًا عظيمًا.

وحين نُرَاجع أصل تكوين هذه الأفكار نجدها ناشئة عن التكفير المطلق للأمة الإسلامية والحكم عليها بالردة؛ وهذا الرأي التكفيري وإن كان لا يتبنَّاه كل الإخوان؛ إلا أنه أصبح ذا تأثير عظيم حتى على من لا يتبنونه، وقد كان أعظم من تبناه من قادتهم الفكريين سيد قطب، وكان كما يؤكد ذلك علي عشماوي يوجه من خلاله التنظيم الخاص في آخر تكوين له، وله في ذلك كلام كثير مشهور أقتصر منه على النص التالي: "لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله، فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: "لا إله إلا الله"، دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية الحاكمية التي يدعيها العباد لأنفسهم– وهي مرادف الألوهية– سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية، أو كشعوب.

فالأفراد، كالتشكيلات، كالشعوب، ليست آلهة، فليس لها إذن حق الحاكمية.. إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله، فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية، ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء… البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات: "لا إله إلا الله" بلا مدلول، ولا واقع... وهؤلاء أثقل إثمًا وأشد عذابًا يوم القيامة، لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد -من بعد ما تبين لهم الهدى- ومن بعد أن كانوا في دين الله! فما أحوج العصبة المسلمة اليوم أن تقف طويلًا أمام هذه الآيات البينات"(?)، فالمسلمون ليسوا فقط واقعين في أخطاء وانحرافات خطيرة؛ بل هم بأعيانهم مرتدون عن الإسلام؛ والذي يقع في ذهن الشاب وهو يرى مُنَظِّرًا كسيد قطب يقول ذلك: أن المجتمع تقع عليه أحكام المرتدين من المفارَقة والمقاتَلَة، وهو ما صرح به قُطب وغيره، وانبثقت بسببه جماعات عدة منها تحكم بقتال الناس وقتلهم وآخرهم القاعدة وداعش ومن نحا نحوهما.

ويقول "فتحي يكن" وهو من منظري الإخوان في لبنان: "واليوم يشهد العالم أجمع ردة عن الإيمان بالله وكفرًا جماعيَّا وعالميا لم يعرف لهما مثيل من قبل، ولقد ساعد على هذا عوامل كثيرة، منها: انعدام وجود واقع إسلامي صحيح ولو في قطر واحد من الأقطار يطبق في الحكم الإسلامي، وتسوده شريعة لا إله إلا الله مما يمكن أن يعتبر نموذجا عمليا للمنهج الإلهي الذي يقوم أساسًا على الإيمان بالله"(??).

والعجيب أن هذا الذي ينعى على بلاد المسلمين عدم وجود واقع إسلامي صحيح، كان أبرز مؤيدي "حسن نصر" إيران، زعيم الحزب الصفوي الإيراني، ومن أكبر داعمي العماد ميشال عون، وأحد من رافق حزب الشيطان في اجتياح بيروت، فلا ندري أي واقع إسلامي وجد عندهم؟!

أمَّا بالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية، فإننا نَعُدُّ من أعظم الإرهاب والإجرام وأخطره: كل ما يتعلق بإرادة زعزعة الأمن في بلادنا، واستهداف كيان المملكة العربية السعودية بالقول أو الفعل أو تأييد من لهم ضلع في العمل على استهداف كِياننا ومكتسباتنا.

وإذا رجعنا لجماعة الإخوان تاريخًا وواقعًا نجد أنَّ زعزعة الدولة والاستيلاء عليها كان موجودًا في أدبيات تأسيسها، وانظر في ذلك قول حسن البنا: "ونريد بعد ذلك أن نضمَّ إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرَّقته السياسة الغربيَّة، وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية، ونحن لهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية، ولا نسلم بهذه، والاتفاقات الدوليَّة التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزَّقة يسهل ابتلاعها على الغاصبين، ولا نسكت على هضم حرية هذه الشعوب واستبداد غيرها بها، فمصر وسورية والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وكل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله، كل ذلك وطننا الكبير الذي نسعى لتحريره وإنقاذه وخلاصه وضمِّ أجزائه بعضها إلى بعض"(??).

لا شك أن البنا كتب هذا الكلام بعد عام 1348هـ عام تأسيس الجماعة، وفي ذلك الوقت كانت الحجاز التي يرمي إلى تحريرها تحت حكم الملك عبد العزيز رحمه الله، ولم تطأها قدم محتل منذ تركها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الرَّفيق الأعلى، فأي تحريرٍ كان يريد للحجاز؟ وأي تطبيق للشريعة كان يريد للحجاز أعظم مما كان مطبقًا فيها من القضاء والقيام بالدين في كل مناحي الحياة؟ لكن نزعته -غفر الله له- في عدم الاعتراف بالدُوَل القطرية جعلته لا يُفَرِّق بين دولة محتلة ودولة مستقلة.

وهذه النزعة ضد السعودية يبدو أن حسن البنا أسَّسها في أتباعه وأورثهم إياها؛ فطول تاريخ السعودية لم يُعرف عنهم إلا في القليل النادر الثناء على السعودية أو حكامها، بل العكس هو الصحيح، فكثيرًا ما كانت كتاباتهم وخطاباتهم في التشكيك في الدولة وقادتها، بل والتآمر المكشوف عليها، وأخص ما بعد عام 1399هـ وهو العام الذي قامت فيه الثورة الإيرانية، والتي قاموا معها بالعظيم من الدعاية والتزكية حتى وصفوا الخميني بأنه خليفة المسلمين، مع أنَّك حين تستعرض مؤلفاتهم ومذكرات قادتهم لا تجد فيها أي ثناء على السعودية منذ قيامها؛ ككتابات حسن البنا، والهضيبي، وعبدالقادر عودة، والتلمساني، وعبدالرحمن خليفة، ومحمود عبد الحليم، ويوسف ندا، ويوسف القرضاوي وغيرهم؛ كلهم تخلو كتبهم من الثناء على السعودية؛ بل في بعضها نقدٌ وكذبٌ؛ ككتاب يوسف ندا، والقرضاوي، وعبد الرحمن خليفة.

بالرغم من أمرين:

الأول: مواقف السعودية معهم، فإنهم كلما اضطُهِدُوا في بلد من البلدان -في مصر والعراق وليبيا وسوريا- لم يجدوا لهم مأوى سوى السعودية.

الآخر: أنَّ حسن البنا في إحدى رسائله قد ذكر ماذا يريد من مشروعه، فذكر أنه يريد الدولة التي تعمل بالكتاب والسنة، وتقيم الفضائل، وتربي الأجيال على كتاب الله وسنة رسوله، قال: "ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هدا الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر وعمر من قبل، ونحن لهذا لا نعترف بأيِّ نظامٍ حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه"(??).

ولا يخفى أنَّ هذه الصفات لم تكن في دولة من دول العالم كما هي في السعودية؛ لاسيَّما في الزمن الذي عاصره البنَّا وهو عهد المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله-، وبقيت المملكة عليه بشكل ليس في غيرها من بلاد العالم؛ والإخوانُ الذين وفدوا إليها يعلمون ذلك حقَّ اليقين، وكانوا يرونها أفضل بلد يسكنون فيها ويربون أولادهم في أجوائها تربية دينية، ومع ذلك لم يكن منهم أي إشادة بها، وعدم إشادتهم مع غنى الدولة -ولله الحمد- عنها أقل ما يقال فيها: إنها غمط الناس وبطر الحق؛ خاصة وأنهم يحسنون المديح، بل هم خبراء في تدبيجه، وقد اتضح ذلك من ثنائهم ومواقفهم مع الثَّورة الإيرانية بالرغم من بعدهم عنها مذهبيًا إلا أنهم حملوا راية الدعاية الكاذبة للتقريب والتي كانوا هم فيها الفخ الذي نصبته إيران لعموم المسلمين.

وأيضًا بالرغم من معرفتهم عداء الخميني للسعودية ودعايته ضدَّها ونشره للدعوة إلى الانقلاب عليها مستهدفًا وجودها، لم يحركوا ساكنًا، بل كل ذلك تجاوزوه، وصرحت الجماعة في بيانها أثناء أزمة الرهائن بأن إيران هي النظام الإسلامي الوحيد(??)، فإذا كان عدو السعودية هو النِّظام الإسلامي الوحيد في نظر الإخوان؛ فأين تكون السعودية عندهم التي دستورها الكتاب والسنة، بينما ينص دستور إيران على أنها شيعية اثنا عشرية؟!

بل زعم الإخوان في بيانهم عند زيارتهم للخميني: أنَّ الثورة الإيرانية ليس مكانها إيران بل كل العالم الإسلامي، وأنَّ الله الذي نصر الخميني على الشاه سينصر كل خميني على شاهه، وأن رصيد ثورة إيران كل مسلم يقول: لا إله إلا الله(??).

ولمَّا قامت الحرب العراقية الإيرانيَّة والتي وقفت السعودية فيها إلى جانب العراق لعلمها بحقيقة المشروع الخميني، وقف الإخوان مع الخميني ضدَّ العراق وضدَّ السعودية، بل وضد كل أهل السنة والجماعة، فأصدر التنظيم الدولي للإخوان بيانًا يؤيدون فيه إيران ويطالبون أفراد الجيش العراقي بالقتال إلى جانب عدو بلادهم الذي وصفوه بالإمام المسلم ضد صدام حسين الذي وصفوه بالبعثي الكافر!(??)، وهذا البيان ليس من أفراد الإخوان بل من الاتحاد الدولي الذي يمثلهم في كل مكان.

ومن هنا فليس العجب أن تعادي السعودية الإخوان الذين يقفون مع عدوها، وليس العجب أن تفتي هيئة كبار العلماء بإرهاب الجماعة؛ بل العجب هو تأخير ذلك، هذا التأخير الذي ينقضي عجبنا منه حين نعلم تؤدة حكام السعودية وعلمائهم على من يبسط لهم العداء إذا كان من المسلمين، وأنهم لا يفقدون الأمن في هدايته واستصلاحه، فإذا بلغ السيل الزبى لم يجدوا بُدَّا من إبداء ما يقتضيها لموقف في حقه شرعيًا وسياسيًا؛ وأيُّ إرهابٍ أكبر من تأييد الإرهابي الأكبر الخميني، والذي نصَّ في كتابه: "الحكومة الإسلامية" على أنَّ مشروعه إسقاط كل الحكومات الإسلامية؟!(??).

ومِن العدل أن نستثني هنا إخوان سوريا؛ فإنهم لم يقفوا مع الخميني، بل كانوا ضده، وكتب عالمهم الشيخ سعيد حوى رسالة يحذر فيها من الخميني بعنوان: "الخمينية... شذوذ في العقائد، شذوذ في المواقف".

ومِن العدل أيضًا أن ننبه إلى أنَّ: الاتحاد الدولي قبل مساندته لإيران كلَّف لجنة من أساطين العلماء وصلت إلى أنه لا يمكن التقارب مع إيران سياسيًّا ولا عقائديًا؛ ولكن التقرير تمَّ إخفاؤه من قِبَل بعض القيادات الإخوانية، وهذا ما رواه مراقب الإخوان في سوريا عدنان سعد الدين في مذكراته.

فالإخوان يعرفون حقيقة الخميني ودعوته المخالفة لأصول الشريعة، كما يعرفون مستوى العنف والقتل الذي واجه به معارضيه شيعةً وسنةً؛ بل يعرفون من قتلهم الخميني من قادة الإخوان المسلمين الإيرانيين، ودعم الشيوعيين ضدَّ الإخوان المسلمين في الإقليم الكردي الإيراني، وقد روى جزءًا من ذلك القيادي الإخواني وهذا ما والمعادي للسعودية، ومع ذلك بقي مناصرًا لإيران التي قتلت زعماء جماعته ضد السعودية التي آوته شخصيًا وسمحت له بالعمل التِّجاري في طول البلاد وعرضها، وآوت قادة وأفراد جماعته ثلاثين سنة وأكثر، ومنهم من لا يزال في السعودية -وأعني به يوسف ندا-(??)، وروى ندا كيف قتلت إيران أحمد مفتي زادة -أحد قادة الإخوان في إيران- ثم قتلت جميع أنصاره في البرلمان، ومع ذلك لم تزده معرفته بهذه الجرائم إلا حبًا في إيران والخميني! بل الذين قتلتهم إيران الخميني من الإيرانيين المنتسبين لجماعة الإخوان لأنهم سُنَّة أكثر من الذين أعدمهم جمال عبد الناصر، ومع ذلك تحظى إيران حتى اليوم بحبِّ الإخوان وتأييدهم.

ثم نعود لصدَّام حسين الكافر العلماني البعثي كما وصفه الإخوان، وطلبوا من الجيش العراقي أخذ أسلحتهم والاصطفاف مع الإمام -حسب زعمهم- الخميني لقتاله؛ فإنه حينما اتجهت عداوته للسعودية والكويت وقفوا معه مع أنَّ هدفه استئصال الكويت والسعودية؛ وقد نشرت مجلة المختار الإسلامي(??) بيانًا لمفكري الإخوان جاء فيه: إنَّ احتلال صدام للكويت منكر ولكن الاستعانة بالقوات الأجنبية الكافرة منكرٌ أكبر منه؛ ولذا لا يجوز رد صدام إلا بعمل إسلامي!

وهذا التبرير لنصرتهم صدامًا تبريرٌ باطلٌ جاء لاستثارة الشعوب فقط وتهييجها على حكامها؛ وإلا فإنَّ تقدير المصلحة والمفسدة يتولاه قادة الدول بما يملكونه من أجهزة، ولا تتولاه الجماعات والأفراد الذين لا يملكون شيئًا من ذلك؛ ثمَّ أين الجيوش الإسلامية التي ستتفق على حرب صدام وهي لم تتفق على حرب الصهاينة الذين احتلوا فلسطين من عشرات السنين؟ ولو اعتمدت السعودية عليهم؛ لكانت الكويت تحت يده حتى اليوم، ولو سلمنا جدلًا بأنَّ القوات الإسلامية حضرت بالفعل، فمن أين ستشتري أسلحتها؟ أليس من الدول الكافرة، والتي ستعمل على إطالة أمد الحرب كي تربح ماديًا ويتفانى المسلمون فيما بينهم، فيكونون ضربوا عصفورين بحجر؟ والجماعة تعرف ذلك جيدًا لكنَّ الكيد للسعودية هو الباعث لهم على ذلك لا غير، فجماعة تعاونت مع النِّظام البعثي الكافر كما يصفونه للإجهاز على السعودية، هل يُسْتكثر وصفها بالإرهابية؟!

أم نجد أن هذا الوصف تأخر كثيرًا؟

كما أنَّ الجماعة بعد أكثر من عشرين سنة لم تعترض؛ بل أفتى علماؤها بجواز الاستعانة بحلف الناتو لإسقاط القذافي، وهذا ما تمَّ بالفعل، وتمَّ على إثره فراغ سياسي رهيب في ليبيا جعل منها ميدانًا لحروب أهليَّة، ومؤامرات وصراعات دولية وعربية، فكيف جازت استعانة الثوار الليبيين بالناتو ولم تجز استعانة دولة ذات قدرات وحضور دولي بحلفاء هي تختارهم؟!

ثم لنقف متعجبين مِن سعي الإخوان لتمكين إيران من المنطقة وذلك بما رواه مندوب الإخوان إلى صدام حسين: يوسف ندا، وهو أنَّه حاول إقناع صدام بالخروج من الكويت وتسليمها لقوَّة إسلامية بقيادة إيران!(??).

فهل هو غباء سياسي؟ أم دعم حقيقي لإيران الصفوية كي تتمكن من الكويت التي هي حلم صفوي؟ والخيار الثاني هو الصحيح، فالخميني صرَّح في كتابه الحكومة الإسلامية عن عالميَّة ثورته، والإخوان عبروا في خطاب شكرهم للخميني عن إنَّ ثورته في كل البلاد الإسلاميَّة كما تقدم نقله بمرجعه؛ وبذلك نعلم أنَّ تمكين إيران من الكويت مشروعٌي شترك فيه الإخوان مع إيران.

لا يُمكن أن نصدِّق أنَّ جماعة تُشارك ولو معنويًا في السعي لتسليم الكويت بثروتها الماليَّة ومركزها العظيم لإيران جماعة سلميَّة، كما لا يمكن تصديق أنَّ جماعة تدعم صدامًا البعثي الكافر -حسب وصف الجماعة- ضدَّ السعودية جماعة غير إرهابية.

المشكلة الأكبر: أنَّ أي قارئ يريد انتحال الأعذار لجماعة الإخوان سيتذرع بأنَّ الغموض كان يلف الاتجاه الإيراني؛ ولذلك كانت هذه الأخطاء! وهو تذرع غير صحيح لِمَا قدَّمنا من كلام مراقب الإخوان في سوريا، ومن تحذير الشيخ سعيد حوى لهم، ومن تحذير هيئة كبار العلماء السعودية من إيران ومن نهج الخميني، لكن أنَّى لهم أن يستمعوا لناصحٍ في الخميني، وهو شريكٌ لهم في فكرة الثورة على جميع الحكومات الإسلاميَّة دون استثناء كما نصَّ هو في كتابه الحكومة الإسلامية، وكما نصُّوا هم في بيانهم بعد زيارة أعضاء الاتحاد الدولي للمباركة للخميني كما تقدم.

فإذا لم تكن الدعوة للثورة في جميع البلاد الإسلامية إرهابًا، ثُمَّ الدعوة لجعل السَّفاح الخميني قائدًا للمسلمين، فليس هناك إرهاب!

والإخوان الذين رفضوا استقدام القوات الأجنبية لتحرير الكويت كان لهم موقفان متناقضان من احتلال أمريكا للعراق عام 2003م؛ الأول نظري، وهو: إدانة الاحتلال. والثاني عملي، وهو: العمل السياسي في ظلِّ الاحتلال، حيث أدى الاحتلال إلى تولي الإخوان لأول مرة في تاريخهم نيابة رئاسة الدولة في دولة إسلامية ممثلين في الحزب الإسلامي ونائب رئيس الدولة طارق الهاشمي.

وقد يقال: إنَّ هذا الموقف لا بأس به من وجهة سياسية، والجواب: ربما يكون ذلك صحيحًا لو قدموا شيئًا لاسيما لطائفتهم السُّنية التي اعتُبروا ممثلين لها في العملية السياسية، لكن العكس هو الصحيح؛ فلم يقدموا لطائفتهم أي شيء، وحتى الحماية من ميليشيات القتل الإيرانية والتي استهدفت السنة لم يقوموا بها ولو من باب الإنكار باللسان(??)، بل كانت مواقف نائب الرئيس المنتمي للحزب الإسلامي سيئة من المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي، وتبادل الرئيس بوش والهاشمي الثناءات بشأن تعاونهما في جعل العراق أفضل(??)، وقد أصدر عبد المنعم العلي -المنظر العراقي القريب من جماعة الإخوان- كتابًا ينتقد فيه الحزب الإسلامي في العراق، ويؤكد خضوعه التام وتواطؤه مع الأحزاب الشيعية في قتل السنة وتهجيرهم، ومما ذكره: أنَّ الحزب وقع بين التحالف مع أمريكا الكافرة أو التحالف مع الشيعة المسلمين، فاختار الشيعة المسلمين وإن ذبحوا وقتلوا(??).

والحقيقة أنهم وقعوا في حلف الفريقين: الأمريكان والإيرانيين، وأصبحوا أدوات لكليهما.

وقد يُقال: إنَّ الحزب الإسلامي لا ينتمي للإخوان المسلمين، فمن الظلم تحميل الإخوان تبعات ما فعلوا.

والجواب: أنَّ جميع العراقيين يعلمون أنَّ الحزب الإسلامي هو الامتداد العراقي للإخوان، وعلى فرض كونه ليس منهم، فالمعروف أنَّ الإخوان يصدرون بيانات الإدانة لكل ما يرونه خطأ لدى الحكومات؛ فلماذا لم نرهم أدانوا هذا الانقياد لإيران والصمت عن كل جرائم القتل والتشريد التي قامت بها الأحزاب الإيرانية في العراق ضد السنة من الحزب الإسلامي؟!

الإخوان الذين بادروا وأدانوا استيقاف بضع عشرات في السعودية، لكنهم لم ينبسوا ببنت شفة لقتل وتهجير مئات الآلاف من أهل السنة في العراق وفي سوريا، ومنهم لاجئون فلسطينيون قامت الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا بقتلهم وتهجير مَن تبقى منهم.

وللعدل فإنَّ مواقف طارق الهاشمي الأخيرة كانت محمودة، والتي بسببها هرب من العراق كما هرب قبله مئاتا لآلاف من الخلق حيث حكم عليه النظام الموالي لإيران في العراق آنذاك بالإعدام، وبالرغم من ذلك لم يُغَيِّر الحزب الإسلامي موقفه من إيران وعملائها في العراق بالرغم من كون هؤلاء العملاء شرَّدوا قياديهم الهاشمي وحكموا بإعدامه.

وقد يُقَال: إن للحزب الإسلامي رؤيته السياسية، وقد يُخطئ فيها وقد يُصيب، وهذا تخريج حسن ينبغي على جماعة الإخوان حين تتذرع به لعدم استنكارها على الحزب الإسلامي أن تتخذه منهجًا مع جميع الدول التي تنكر الجماعة عليها؛ فما من حاكم يتخذ مواقف لا تُعجبنا إلا وله مثل هذه التأويلات، لكن الموقف الإخواني الرسمي؛ أي: موقف الجماعة وفروعها سوى إخوان سوريا من جرائم إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن بقي حتى اليوم صامتًا، وموقفهم من إيران صاحبة كل هذه الجرائم بقي مؤيِّدًا تأييدًا مطلقا، فلا تعرف لاتحادهم الدولي إدانات بمستوى تلك الجرائم؛ بل تجد من رموزهم من يُوشك أن يعتذر لها، وانظر مثلًا مقالا كتبه نائب المراقب العام سابقًا للإخوان في الأردن: زكي بني أرشيد، وهو أيضا أمين عام حزب جبهة العمل الأردني الواجهة السياسية للإخوان في الأردن، ذكر فيه أنَّ علاقة الإخوان بإيران استراتيجية منذ مؤسس الجماعة، وأن نفوذ إيران في سوريا والعراق جاء لكونها ذات مشروع في ظل خلو المنطقة من المشاريع العربية(??).

فهذا التغافل العظيم عن جرائم إيران ووصفها بكونها مشروعًا ليس إلا، أليس إقرارًا للإرهاب في المنطقة؟ وكيف يُستكثر أن يُوصَفَ المُقِرُ بكونه إرهابيًّا؟

وهذا التجاهل للجرائم الإيرانية يعتبر سِمة عامة على قادة الإخوان؛ فيوسف ندا يكتب مقالًا بعنوان: "نحن والشيعة"، لا يلتفت فيه لما ارتكبته إيران في العراق؛ إذ ذاك قبل جرائمها في سوريا، ويكتفي بأن ينكر ما يقال في كتب السنة عن المذهب الشيعي من انحراف!(??).

وقد يقال: إن هذا رجل اقتصاد ولا شأن له بمثل هذه الأمور فيقال: إن مرشد الإخوان آنذاك مهدي عاكف، ذكر أنَّ كلام يوسف ندا حق، ولا شأن لنا إلا بالسياسة، وفي السياسة: إيران دولة مسلمة!(??)، ومفهوم كلامه بما أنها مسلمة فلا مانع أن تقتل المسلمين، ولا مانع أن يكون لها مشروع لتشييع أهل السنة، ولا مانع أن يكون مشروعها إسقاط دول مسلمة؛ ويصرح عاكف بأنه لا يبالي بالمد الشيعي، فيقول: "لا مانع، فعندنا ست وخمسون دولة سنية!"(??).

ويستمر غرام الإخوان بإيران حتى في مشروعها ضدَّ دول أهل السنة، وقد برز ذلك جليًّا في الحرب السادسة على الحوثيين والتي استعان فيها اليمن بالسعودية ضد الميليشيات الإيرانية، وكانت هذه الميليشيات دائمة التهديد للسعودية ومقاطع زواملهم وأناشيدهم مما يُربون عليه ناشئتهم مشهورة جدًّا، وارتباطهم بإيران كجزء من مشروع حصار السعودية لا خلاف فيه، ومع ذلك حين أرادت السعودية دفع هذا الشر كان أول من عارضها هم جماعة الإخوان؛ فأصدرت الجماعة بيانًا يندِّد بالموقف السعودي، وأرسل مرشد الجماعة مهدي عاكف خطابًا يدعو فيه السعودية لإيقاف الحرب ضد الحوثيين.

فجماعة هذا توجهها ضد المملكة، وهو دعم النظام الذي يخطط لاستئصالها، والوقوف معه بكل هذه القوة ألا يحسن أن نقول: إن الهيئة تأخرت في التحذير منه؟!

وحين قام وزراء الداخلية العرب بتصنيف حزب الله اللبناني المدعوم إيرانيًّا على أنه إرهابي؛ غضب حزب النهضة على لسان رئيسه: راشد الغنوشي، والحزب هو الواجهة السياسية في تونس للإخوان المسلمين، وكان مبرر وزراء الداخلية هو ما قام به الحزب من تقتيل ودمار في سوريا ضد أهل السنة وقيامه بمجازر كبيرة هناك ذهب ضحيتها عشرات الآلاف، وأما مبرر حزب النهضة فهو ما قام به حزب إيران من مواجهات مع الصهاينة عام ????م، أي أن الحزب يؤمن بالماضي ولا يؤمن بالواقع، ومع أنَّ الماضي غفر الغنوشي من أجله سفك دماء المسلمين وتهجيرهم ليس ماضيًا شريفًا -كما يزعمون!-؛ إلا أنه على فرض نزاهته لا يُكَفِّر ما يأتي من بعده من ذنوب، سيما ذنب دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم؛ فكم قتل حزب الله المزعوم من اليهود؟ عشرة... عشرين؟ لن يزيدوا عن ذلك، فهل من أجل ذلك نغفر له قتله عشرات الآلاف من أهل السنة والجماعة؟ ما هذا إلا منطق الإرهابيين وللأسف؛ بل نقول: وكالمعتاد لم تتبرأ جماعة الإخوان من صنيع هذا القيادي وعضو الاتحاد الدولي للجماعة.

أمَّا إعلاميو جماعة الإخوان وتصريحات قيادييها فهي دائمة التَّحريض على نظام المملكة العربية السعودية، لا يختلف ما يقولونه عمَّا تقوله إيران أو عمَّا تقوله جماعات التكفير والعنف المسلح، وهذا أظهر من عين الشمس، والكل يراه ويسمعه، فقنواتهم في لندن وتركيا وقطر كلها تنضح بالتَّحريض والدعوة للفتنة في بلادنا، ومقصدهم إحداث ثورة أو فتنة في السعودية تراق فيها الدِّماء وتنتهي إلى ما انتهت إليه سوريا وليبيا واليمن.

وقد يقول قائل: إنَّ ذلك كان بعد تأييد المملكة للجيش المصري في استيلائه على السلطة في مصر، ودفع المال لهم مَّا قواه على متظاهري رابعة وقام بعد ذلك النظام بقتلهم، وهذا ما صرح به يوسف القرضاوي في بعض أحاديثه.

والجواب: أنَّ هذا ليس له أساس من الصحة؛ فعداوة الإخوان وتصريحاتهم وتحريضاتهم ضد السعودية موغلة في أعماق تاريخهم؛ ونضرب المثل هنا بواقعة واحدة، وهي: أنَّ راشدًا الغنوشي -زعيم حزب النهضة التونسي- قَدَّمَت له الولايات المتحدة تأشيرة دخول فور انتهاء ثورة مصر الأولى بعد أن كان ممنوعًا من دخول أمريكا، واستضافه هنا كمركز الشرق الأوسط للبحوث وأجرى معه لقاء تمنى فيه للثورة العربية الامتداد، وذكر أنَّ الشباب السعودي ليس أقل من الشباب التونسي، وأنه حتمًا سينتصر. ومع خطورة هذا التصريح إلا أنَّ الإخوان لم يردوا عليه ويتبرؤوا من مقالته!

وهذا عين الإرهاب! أن تدعو شباب دولة آمنة إلى تحطيم مقدراتهم وأمنهم وإراقة دمائهم؛ ولم يكن هذا الأمر خاصًّا بالغنوشي؛ بل لا أعرف قياديًّا ولا إعلاميًّا إخوانيًّا؛ إلا وهو يتتبع كل شيء في المملكة ليسيء إليه ليظهر الدولة السعودية أمام المفتونين أو الجهال أو الغوغاء أو ذوي الأهواء من شعبها بمظهر الدولة الفاشلة التي لا تفعل إلا الشَّر، ولا يذكرون لها خيرًا أبدًا، حتى وصل الأمر بأحد تُعسائهم إلى تحريم الحج والعمرة بحجة أن فيها مالًا يُدفع للدولة السعودية!

ولن تجد رأسًا فيهم أنكر هذا عليهم، بل هو سِمَة دائمة في خطابهم؛ وعندنا ليس فوق هذا الإرهاب شيء، فليس القتل هو أن تقتل فحسب؛ بل أيضًا أن تحرض القاتل أو تُعينه.

وكثيرًا ما يحتجون على تواطئهم هذا بأن السعودية اعترفت بالانقلاب على الرئيس مرسي، وقدمت له مالًا، وأن هذا المال استعانت به حكومة السيسي على قتل المتظاهرين في رابعة!

والجواب من وجهين:

الأول: إن هذا القول أعظم شهادة على الإخوان بكونهم إرهابيين من ألسنتهم.

فإنَّ النظام المصري يُتَّهم من قِبَل الإخوان بقتل المئات، والنظام الإيراني متَّهم من قِبَل شعبه والشعب العراقي والسوري واليمني بقتل مئات الآلاف، بل الملايين وتهجير الملايين، والإخوان يُزَكُّونه ويتعاونون معه ولا يذكرونه إلا بالخير؛ فأيهما أولى بالنقد، مَن يقف مع نظام يُتَّهم بقتل المئات أم مَن يقف مع نظام قتل الملايين؟!

ثُمَّ إذا كان هذا هو منطلقكم؛ فلماذا لا تُعادون تركيا كما تعادون السعودية؟! فتركيا تدعم إيران بعشرات المليارات مع أنَّ دولتها منغمسة في آلاف المذابح ضد شعبها والشعوب العربية.

كل ذلك يدل على أنَّ سياسة الإخوان لا تُدار بمنطق العدل؛ وإنما بمنطق الحقد الكامن.

الوجه الثاني: أنَّ السعودية لا تدعم حاكمًا ولا نظامًا، وليس لها شأن بما حدث من ثورةٍ على حكم الإخوان، وإنما همها هو دعم الاستقرار في مصر، وقد قدمت الدعم السخيَّ لمصر في وقت مضطرب كانت الأوضاع مرشحة فيه لانتفاضات وقلاقل وحرب بين الجيش والمعارضة تجعل من مصر سوريا أخرى أو يمنًا آخر، لكن الدعم السعودي كان سببًا للوقاية من ذلك، تمامًا كالدعم الذي قدمته السعودية فور تسلم الرئيس مرسي للرئاسة، فلماذا يُعاب ما قدمته السعودية لمصر في عهد الرئيس السيسي، ولا يُعاب عليها ما قدمته لمصر على يد الرئيس مرسي؛ وكلا الدعمين كانا بقصد حفظ استقرار مصر؟

كما أنَّ السعودية ليس لها يد في المؤسسات العسكرية، ولو أنَّ الإخوان استعادوا الحكم فلن تحول السعودية بينهم وبين ذلك؛ لكنهم عجزوا فلم يكن أمامهم إلا تعليق عجزهم بمشجب السعودية؛ وهي طريقة قديمة استخدمها قبلهم القوميون والماركسيون العرب، واليوم يرثها الإخوان المسلمون عنهم.

وهنا أختم المقال؛ لأني أطلت فيه مع أن في النفس الكثير، وأسأل الله -تعالى- أن يصلح حال المسلمين ويؤلف بين قلوبهم ويردهم إلى جادة العدل ردًّا جميلًا.

_______________

قد يقال: كنت أتمنى لو لم تستخدم الهيئة مصطلح الإرهاب لعدة اعتبارات، منها: أنه مصطلح صُنِع في الغرب، وأنَّ العالَم لم يتفق على تعريف دقيق له؟ فالجواب: أنه مع التسليم بكل تلك الاعتبارات فقد أصبح مصطلحًا شائعًا عالميًا.

(?) فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى (2/ 237).

(?) الفتوى في موقعه على الرابط التالي: https: //binbaz. org. sa/fatwas/20059/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D9%84%D9%8A%D8%BA-%D9%88%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86

(?) مذكرات الدعوة والداعية (ص: 162).

(?) النقط فوق الحروف (62- 64).

(?) انظر: https: //www. youtube. com/watch?v=rMVyYj9-wAA

(?) انظر: https: //www. youtube. com/watch?v=JE9eT1Y5JJY

(?) انظر: https: //www. youtube. com/watch?v=Gu-qmvKSKas

(?) انظر: https: //www. youtube. com/watch?v=YEDI8M5Q8Cg&t=17s

(?) في ظلال القرآن (2/ 1057).

(??) كيف ندعو إلى الإسلام (ص 112).

(??) رسائل الإمام حسن البنا (1/ 192).

(??) رسائل الإمام حسن البنا (1/ 192).

(??) انظر: تاريخ الحركات الإسلامية مع إيران، أسامة شحادة (ص: ??).

(??) انظر: مجلة المجتمع ?/ /?/ ????ه.

(??) انظر: المختار الإسلامي (عدد 25- ص: 81) سنة????ه.

(??) انظر: الحكومة الإسلامية للخميني (35- 47).

(??) انظر: من داخل الإخوان المسلمين ليوسف ندا (ص: 53).

(??) في عددها رقم (93) الصادر عام 1411ه.

(??) انظر: من داخل الإخوان المسلمين ليوسف ندا (ص: 80).

(??) انظر مقالًا بعنوان: عودة غير موفقة: ما أعطاه الحزب الإسلامي العراقي مقابل الوصول إلى السلطة. منشور في مركز مالكوم كير - كارنيغي بتاريخ: العاشر من ديسمبر عام2018م.

(??) انظر تقريرًا بعنوان: "الإخوان المسلمون في العراق... شركاء الاحتلال وأدعياء المقاومة"، نشر في بوابة الحركات الإسلامية في الحادي والعشرين من فبراير عام2019م.

(??) انظر: نقض المنطق السلمي (ص: 65).

(??) انظر: قراءة هادئة في المشروع الإيراني، منشور على موقع قناة الجزيرة بتاريخ: ?? / ? /????م.

(??) منشور على: المصري اليوم، بتاريخ 11/4/2009م.

(??) انظر: المصري اليوم بتاريخ: ??/ ?? / ????م.

(??) انظر: النهار الكويتية بتاريخ: ??/ ?? /2008م.