الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 02 يونيو 2019 - 28 رمضان 1440هـ

تكرار العمرة في سفرة واحدة

كتبه/ خالد فوزي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن الخلاف في تكرار العمرة معروف مشهور، لكن النصوص دلت على الجواز، وهي نصوص عامة لم تُخص.

ففي فتاوى الأزهر (9/316): هل يجوز تكرار العمرة في موسم الحج أو غير موسمه، وهل لهذا التكرار حد؟ فأجاب الشيخ عطية صقر: يجوز تكرار العمرة أكثر من مرة في العمر أو في السنة أو في الشهر أو في اليوم، حيث لا يوجد نص يمنع ذلك.

قال نافع: اعتمر عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أعوامًا في عهد ابن الزبير، عمرتين في كل عام، وقال القاسم: إن عائشة -رضي الله عنها- اعتمرت في سنة ثلاث مرات، فسُئل: هل عاب ذلك عليها أحد؟! فقال: سبحان الله! أم المؤمنين!

وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، وكره مالك تكرارها في العام أكثر من مرة، إلا لمَن كان داخلًا مكة قبل أشهر الحج، وكان ممَن يحرم عليه مجاوزة الميقات حلالًا فلا يكره له تكرارها، بل يحرم بعمرة حين دخوله ولو كان قد تقدمت له عمرة في هذا العام.

وفي فتوى الأزهر أيضًا: وَرَدَ السؤال: هل يجوز للحاج أن يؤدي أكثر مِن عمرة وهو في الموسم؟ فأجاب الشيخ عطية صقر قائلًا: "روى الترمذي وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) (رواه النسائي والترمذي، وصححه الألباني).

قال بعض شراح الحديث: فيه دلالة على الاستكثار مِن الاعتمار خلافًا لقول مَن قال: يكره أن يعتمر في السنة أكثر مِن مرة كالمالكية ولمَن قال: يكره أكثر مِن مرة في الشهر. واستدل المالكية على كراهة التكرار في العام بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعلها إلا مِن سنة إلى سنة، لكن يرد عليه بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يترك الشيء وهو يستحب فعله، وذلك لدفع المشقة عن أمته. وقال القاسم: إن عائشة اعتمرت في سنة ثلاث مرات. فسئل: هل عاب ذلك عليها أحد؟ فقال: سبحان الله! أم المؤمنين! يعنى: هل يعيب عليها أحد ذلك، وهذا مذهب جمهور الفقهاء في عدم الكراهة، وهذا ظاهر في تكرار العمرة لنفسه، ولو أراد أن يهب ثواب العمرة للأموات فلا مانع مِن ذلك أبدًا، وكل قربة يهب الإنسان ثوابها إلى الميت يرجى انتفاعه بها، ولم يرد ما يمنعه.

وقد سئل الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (17/432): هل يجوز تكرار العمرة في رمضان طلبًا للأجر المترتب على ذلك؟ فأجاب: "لا حرج في ذلك، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) (متفق عليه)، إذا اعتمر ثلاث أو أربع مرات فلا حرج في ذلك. فقد اعتمرت عائشة -رضي الله عنها- في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع عمرتين في أقل من عشرين يومًا" اهـ.

وسئلت اللجنة الدائمة (11/337): "إنني أسكن في قرية تبعد عن مكة 100 كيلو متر، وفي شهر رمضان المبارك من كل عام أذهب إلى مكة معتمرًا، وأصلي صلاة الجمعة والعصر، ثم أعود إلى قريتي، وقد تناقشت بها مع بعض إخواني فقالوا لي: لا تجوز العمرة كل أسبوع في شهر رمضان المبارك. فأجابت: إذا كان الواقع كما ذكرت فذلك جائز؛ لأنه لم يرد نص في تحديد فترة بين العمرة والتي تليها" اهـ.

وقد ذهب بعض العلماء إلى تحديد المدة بين العمرتين بما إذا ظهر له شعر يحلقه في العمرة الثانية، وهذه المدة قد تكون نحوًا مِن أسبوع أو عشرة أيام.

قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (7/242): "قال الإمام أحمد: "لا يعتمر إلا إذا حَمَّم رأسه" حمم أي: اسود من الشعر. وبناءً على هذا يكون ما يفعله العامة الآن مِن تكرار العمرة، ولاسيما في رمضان كل يوم إن لم يكن بعضهم يعتمر في النهار عمرة وفي الليل عمرة خلاف ما عليه السلف" اهـ.

قال ابن قدامة في "المغني: "وَقَالَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- فِي كُلٍّ شَهْرٍ مَرَّةً. وَكَانَ أَنَسٌ إذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ. رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْتَمِرُ إذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِنْ شَعْرِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَاءَ اعْتَمَرَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ. وقَالَ أَحْمَدُ: إذَا اعْتَمَرَ فَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ" اهـ.

وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (26/45): "والذي نص عليه أَحْمَد أَنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْ الْعُمْرَةِ لا مِنْ مَكَّةَ وَلا غَيْرِهَا، بَلْ يَجْعَلُ بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مُدَّةً وَلَوْ أَنَّهُ مِقْدَارُ مَا يَنْبُتُ فِيهِ شَعْرُهُ، وَيُمْكِنُهُ الْحِلاقُ -يعني الحلق-" (انتهى بتصرف).

وأما ما ذكر في مجموع الفتاوى (26/264): "وهذا الذي ذكرناه مما يدل على أن الطواف أفضل فهو يدل على أن الاعتمار من مكة وترك الطواف ليس بمستحب؛ بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار؛ بل الاعتمار فيه حينئذٍ هو بدعة لم يفعله السلف ولم يؤمر بها في الكتاب والسنة، ولا قام دليل شرعي على استحبابها وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة باتفاق العلماء. ولهذا كان السلف والأئمة ينهون عن ذلك فروى سعيد في سننه عن طاوس أجل أصحاب ابن عباس قال: الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون؟ قيل: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع الطواف بالبيت ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء وإلى أن يجيء يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء" اهـ.

فهذا فيمن يترك الطواف لأجل الاعتمار، وأثر طاووس يمكن فهمه على (عذاب البدن) للتعليل الذي ذكره، وهو يمشي أربعة أميال ويدع الطواف، وفي هذا الوقت يكون طاف مائتي مرة، وهذا كان في الزمن السابق، أما مع وجود المواصلات السريعة، فلربما لو ابتدأ أحدهم الطواف، فيذهب صاحبه إلى التنعيم ويحرم ويرجع ولم يتم الآخر طوافه، فليس فيه التعذيب الذي أشار إليه طاووس -رحمه الله-، والله أعلم.

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.