الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 28 مايو 2019 - 23 رمضان 1440هـ

عِبَر من قصص الأنبياء (35)

كتبه/ أسامة شحادة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إدريس -عليه الصلاة والسلام-:

فتكاد تكون قصة إدريس وعدد مِن الأنبياء الآخرين في القرآن الكريم قصصًا محدودة جدًّا ومختصرة، ولا تزيد أحيانًا عن الإخبار بوجود هؤلاء الأنبياء -عليهم السلام-؛ ولذلك لجأ بعض السابقين والمعاصرين ممّن كتب في قصص الأنبياء للتعويل كثيرًا على الإسرائيليات لتكثير الكلام عن حياة هؤلاء الأنبياء، وفي هذا خطر كبير؛ لأنه قد يحتوي على كذبٍ وباطلٍ لا يليق بالأنبياء. 

ورَد اسم إدريس -عليه السلام- في عدة آيات قرآنية، ووصفته بأنه نبي صالح صابر صدّيق وله مكانة علية، قال -تعالى-: (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ . وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (الأنبياء:85-86)، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا . وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) (مريم:56-57).

وفي السُّنة النبوية جاء ذكر إدريس -عليه السلام- في حديث الإسراء والمعراج المتفق عليه، حيث قابله النبي -صلى الله عليه وسلم- في السماء الرابعة: (ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ) (متفق عليه).

هذا ما ثبت في شرعنا مِن أخبار إدريس -عليه السلام-، بينما نجد أن قصة إدريس -عليه السلام- ترد عند الأمم السابقة مِن الصابئة واليهود والنصارى، وحتى عند اليونان والمصريين مِن عبدة الأوثان والفلسفة، لكنها مخلوطة بالكذب والتحريف، فيزعم اليهود والنصارى أن إدريس -عليه السلام- هو "أخنوخ" الوارد اسمه في التوراة! وعنهم أخذ علماء التاريخ المسلمون ذلك، أما الصابئة فيجعلون إدريس -عليه السلام- نبيًّا مِن أنبيائهم يُدعى: (هرمس)، وأنه هو الذي علّمهم الفلسفة والتنجيم! ويَذكر بعض الباحثين أن إدريس -عليه السلام- عند قدماء المصريين هو الإله أوزيريس!

وهذا كله باطل لا يصح بنص القرآن الكريم الذي أخبرنا عن حقيقة إدريس فقال: (إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)، فوصفه بالصديقية التي هي كمال الامتثال للأمر الرباني، ووصفه بالنبوة وهي كمال العبودية لله -عز وجل-؛ فكيف يزعمون بعد هذا أنه مؤسس الفلسفة والتنجيم، أو أنه إله مِن دون الله؟! وكل هذا مِن ضلالات الشياطين وأهواء المنحرفين!

وفي إبطال نسبة التنجيم لإدريس -عليه السلام- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قول القائل: إنها صنعة إدريس. فيُقال: أولًا: هذا قول بلا علم؛ فإن مثل هذا لا يعلم إلا بالنقل الصحيح، ولا سبيل لهذا القائل إلى ذلك، ولكن في كتب هؤلاء "هرمس الهرامسة"، ويزعمون أنه هو إدريس!

"والهرمس" عندهم اسم جنس، ولهذا يقولون: "هرمس الهرامسة"، وهذا القدر الذي يذكرونه عن هرمسهم يعلم المؤمن قطعًا أنه ليس هو مأخوذا عن نبي مِن الأنبياء على وجهه؛ لما فيه مِن الكذب والباطل.

ويقال ثانيًا: هذا إن كان أصله مأخوذًا عن إدريس فإنه كان معجزة له وعلمًا أعطاه الله إياه فيكون مِن العلوم النبوية".

ولكون إدريس -عليه السلام- (صِدِّيقًا نَبِيًّا) فقد أثابه ربه: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا)، وهي علو المكانة لليوم حيث خلَّد اسمه في العالمين.