الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 05 مارس 2019 - 28 جمادى الثانية 1440هـ

ضرورة تحلي الداعية إلى الله بالرفق واللين

كتبه/ جابر عبد الوهاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أرسل الله -تعالى- هارون وموسى -عليهما السلام- إلى أكبر طاغية (فرعون)، ومع ذلك أمرهما بالرفق واللين معه؛ لأن النفوس مجبولة على تقبل مَن يسلك معها هذا السبيل في أمره ونهيه، قال -تعالى-: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:44).

قال ابن كثير: "هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله مِن خلقه إذ ذاك، ومع هذا أُمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين" (تفسير ابن كثير).

وعن أم المؤمنين عائشة أن رسول الله قال: (إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ) (رواه مسلم).

واللين: يتضمن لين الجانب، وحسن الخلق، وكثرة الاحتمال، وعدم الإسراع بالغضب والتعنيف إذا بدر مِن المسلمين خطأ.

والرفق: ضد الشدة والعنف، ويتضمن لطافة القول والفعل، والأخذ بالأيسر فيما لا يخالف الشرع.

ولا يعني الأخذ بالرفق واللين: المداهنة أو النفاق، أو الرياء أو السكوت عن الحق والرضا بالمنكر مع القدرة على تغييره؛ فإن ذلك مما يؤدي إلى دمار المجتمع وهلاكه.

لكن المقصود بذلك: أن تكون دعوة الداعية خالية مِن العنف والخشونة، والقسوة والشدة، والجفاء، وأن يدعو الداعي إلى الله -تعالى-، وإلى المعروف بالمعروف، وينهى عن المنكر بالمعروف أيضًا، وليس بما يستنكر.

وإن من رحمة الله -تعالى- بالمسلمين قرنًا بعد قرن إلى يوم القيامة، أنه ألقى برحمته اللين والرفق في قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوارحه، وإلا كانت العاقبة كما أخبر -عز وجل- بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران:159).

وبرحمة الله -تعالى- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- رفيقًا بالصغير والكبير، والرجال والنساء، بمَن يعرفه ومَن لا يعرفه، بالجاهل والجافي، حتى الذي طلب منه أن يحل له الزنا مع علمه أنه محرم، إذا به -صلى الله عليه وسلم يرفق- به ويبين له أنه كما لا يرضاه لواحدةٍ مِن قريباته، فكذلك الناس لا يرضونه لقريباتهم، ثم دعا له -صلى الله عليه وسلم- أن يغفر الله له ذنبه وأن يطهر قلبه، ويحصن فرجه، فكان الشاب لا يلتفت بعد ذلك إلى شيءٍ مِن ذلك.

وسيرته -صلى الله عليه وسلم- مليئة بالرفق واللين، والرحمة بالمدعوين؛ فلابد للداعي إلى الله مِن العلم والرفق، والصبر على ما يلقاه.

عن مُهَنَّا قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يعني أحمد بن حنبل- عَنِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ، كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ؟ قَالَ: يُؤْمَرُ بِالرِّفْقِ وَالْخُضُوعِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ أَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَهُ لا يَغْضَبُ، فَيَكُونُ يُرِيدُ يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ" (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للخلال).

وصلى الله على محمدٍ، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.