السؤال:
أثناء مطالعتي لكتابكم الفذ "الإيمان بالقضاء والقدر وأثره في السلوك" أشكل علي بعض الأمور التي ذكرتموها في آخر الكتاب في فوائد الإيمان بالقدر:
1- ذكرتم أن العبد لا يجزع لأن ما كتبه الله لابد من حدوثه. فكيف كتابة المقادير تطمئن العبد إذا شعر بالخوف أو الجزع من أمر له مقدمات وبشائر رغم أنه:
- لا يعلم هل سيقع المكروه أم لا بل المقدمات توحي بالمكروه.
-العبد مطالب بدفع القدر بالقدر ويأخذ بالأسباب التي تنجيه من مخاوفه وخواطره المفجعة وما يمكن أن يلحق به من الأذى ومعلوم ما في مباشرة هذه الأسباب من خوف فشلها ومثل ذلك بما لا يطمئن معه .
2- كيف يكون اختيار الله للعبد خير من اختياره لنفسه مع أن الله -تعالى- قدر لبعض العباد سوء الخاتمة والردة والعياذ بالله.
3- معنى قول فضيلتكم الإيمان بعظمة الله إذ جبر العباد على مراده بإرادتهم هم؟
4- هل يسوغ لبعض الناس أن يقول إن الله -عز وجل- لا يهتم بسفاسف الأمور إذ لا فائدة أو حكمة في أن يكتب -عز وجل- في اللوح المحفوظ انكسار كوب الماء وسقوط المفتاح من الإنسان ثم انحناء الإنسان لالتقاطه هذا مع الإقرار طبعا بعلم الله الشامل وهذا الكلام بدعوى الحكمة والتعليل فما تعليق فضيلتكم؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
1- إذا تيقن بأن ما كتبه الله لابد وأن يقع، فسيتعامل معه على أنه أمر واقع مكروهاً كان أم محبوباً، ولا شك أن القدر على الأمر الواقع يهون من كراهة المكروه منه، ألا ترى الناس قد عاشوا حياتهم بعد فقد آبائهم وأمهاتهم وأحبتهم، أم توقفت الحياة على الحزن والجزع؟ الأمر الواقع تأقلم الناس عليه، فليكن هذا قبل الوقوع وبعده.
2- وهل هناك منافاة بين الإيمان بالقدر، والأخذ بالأسباب؟ القضية أن تأخذ بالأسباب وأنت مطمئن، أم تأخذ بها وأنت خائف مضطرب؟ فالإيمان بالقدر السابق يجعلك تأخذ بالأسباب وأنت ناظر إلى فضل الله وعلمه وقدرته وعدله فيهون عليك الأمر فلا تقلق.
3- المؤمن يحسن الظن بربه فيما يفعله به، وهو يرجو حسن الخاتمة، ويجتهد في تحقيق الإيمان والطاعات؛ ليجعل الله كل قضاء قضاه له خيراً، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.
4- هذا ضلال مبين ومن أخبرك بأن هذه سفاسف وما وراءها من الحكم لا يعلمه إلا الله فليتب هذا القائل من قوله، وإلا فنخشى عليه الكفر والنفاق، قال -تعالى-: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)(الأنعام38) وقال: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس12) وقال: (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (الأنعام59).