الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 23 أبريل 2017 - 26 رجب 1438هـ

المَلاحِدة... وقِصة الخلق (1)

كتبه/ إيهاب شاهين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد بيَّن لنا الله -عز وجل- في القرآن كيف خلق السموات والأرض وكيف خلق الإنسان؛ لأن هذا العلم يستحيل أن يُتَوَصَّل إليه إلا مِن خلال الوحي، والسبب في ذلك أمر بدهي؛ لأن الإنسان لم يشهد خلق السموات والأرض ولا حتى خلق نفسه, كما قال الله -تعالى-: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) (الكهف:51).

ولكن أبى المُلحِدون إلا أن يطوفوا بعقولهم في غير نطاقها، ومِن هنا حدث الخلل؛ لأن العقل له نطاق واسع يتجول فيه، وإذا تخطى هذا النطاق وذهب يبحث عن عللٍ لأشياء تفوق قدرته؛ تعطل وتوقف عن أداء وظيفته، كمن يكلـِّف أحدًا أن يسمع بأذنه فوق مداها فلن يستطيع، وهذا الذي يؤدي إلى تعطيل الأذن.

وهذه القضية ليس للعقل إدراكها؛ لأن الأمور التي لم يشهدها الإنسان لها طريقان للمعرفة: إما المشاهدة، أو الإخبار عن طريق الثقات.

والسبيل الأول في قضية خلق السماوات والأرض -وكذلك الإنسان- سبيلٌ معدوم؛ لأن الإنسان لم يشهد ذلك.

والسبيل الثاني مقطوع إلا عن طريق خالق السماوات والأرض والإنسان, وهذا في حد ذاته إثبات لربوبية الله -تعالى-.

هذا الأمر البدهيّ أَنكَرَه المَلاحِدة؛ ولذلك سعوا بكل سبيل لإثبات نظرياتٍ في الكون والإنسان، وأن هذا الكون أَزَلِيّ، أو أن المادة هي الأَزَلِيّة الخالِقة، وأن الإنسان وُجِدَ عن طريق جرثومة في البِرَك مَرَّت بمراحل تطورت فيها عبْر ملايين السنين حتى وصلت إلى صورة الإنسان الحالي! - كل هذا الصراع والهروب مِن الفطرة والبدهيات مِن أجل إنكار وجود الله الخالق!

وصعوبة الحوار مع هؤلاء تكمن في إنكارهم للبدهيات؛ لذلك قال العلماء: "مِن المُعضِلات تبيين الواضحات!".

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يتمثل هذا البيت للرد على أمثال هؤلاء:

ولا يصح في الأذهان شيء              إن احتاج النهار إلى دلـيل!

ولذلك يجدر بنا أن نعود إلى الوحي حتى نعرف كيف بدأ الخلق؟

ذكرت قصة الخلق في سورة البقرة، ثم فُصِّلَت، والنازعات، وق.

ففي سورة البقرة ذَكَر اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- أنه خَلَق الأرض أولاً، ثم السماوات في قوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:29)، وفي سورة فُصِّلَت بَيَّنَ مُدَّة ذلك فقال: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ . ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (فصلت:9-12).

ولكن قد يَرِدُ على هذا الترتيب البديع إشكالٌ، تَمَسَّك به المَلاحِدة للطعن في الدين, وسنعرف هذا الإشكال وحَلَّه في المقال التالي -بإذن الله-.

والحمد لله رب العالمين.