كتبه/ أحمد عبدالحميد عنوز
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مِن سمات العمل المؤسسي أنه:
??- يحترم التخصص ويُوظـِّف الموارد المتنوعة المتكاملة:
فالمؤسسات الكبيرة متعددة الأهداف، ومتسعة نطاقات العمل، تحتاج إلى المتخصصين الذين يُثرون قدرتها على الأداء والكفاءة بفاعلية، فمع تنوع العلوم والمهارات يستحيل أن يحيط أحدٌ بكل ما تحتاجه المؤسسة مِن معارف دقيقةٍ، ومهاراتٍ ضرورية؛ فالشخصيات الموسوعية شاملة المهارات تعتبر فلتات تاريخية يندر وجودها، وبالتالي فاعتماد المؤسسات في بقائها وتطورها على هذه النوعيات النادرة أمر غير واقعي، والمؤسسات الناجحة هي التي تدفع أبنائها إلى التخصص حتى تتكامل إمكانياتها وتتنوع مواردها، وتوظف هذا التنوع في إقامة بنيانها وتماسكه وكفاءته.
إن وفرة التخصصات الدقيقة داخل المؤسسة الواحدة تتيح لها إتقان مهامها ودقة القيام بها، وأن تحفر لنفسها موقعًا متميزًا ومنافسًا؛ وإلا فالنتائج الحتمية هي الضمور والتآكل، والخروج مِن المنافسة وعدم القدرة على مواجهة التحديات التي لا تنتهي.
إن الشمولية في أهداف المؤسسات لا تعارض التخصص بيْن أبنائها؛ بل تلزم به، وكذلك التخصص بيْن العاملين بالمؤسسات لا يعني أن يغرِّد كل منهم خارج مسيرة المؤسسة وأهدافها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حرص على تنمية واستغلال جوانب التميز بيْن صحابته؛ فكان قوام دولته بيْن تاجر ناجح، وقائد قوي، وجندي مطيع، وحامل للقرآن والسُّنة، وعالِم بلغة الأعداء، وسفير يجيد التواصل، ووزير يتولى المهام، ومستشار حكيم، وأمين على الأسرار، وهكذا يقوم كل فرد بما يحسنه مهما كان تخصصه ولا يتسور على ما لا يجيد.
إن بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- لحذيفة -رضي الله عنه- في غزوة "الخندق" ليأتيه بخبر القوم في وجود أفاضل الصحابة وأكابرهم؛ يخبرك أن القيادة الناجحة هي التي تعلم دقة مهارات وإمكانيات أبنائها، وتوظِّفهم وتُرشِدهم وتحفِّزهم على البذل والتضحية مِن أجل مصلحة المؤسسة، ولا تدفعهم للانعزال والانطواء؛ لعدم وجود مَن يدرك إمكانياتهم ويستفيد منها.
إن القيمة المضافة المستفادة مِن تضافر التخصصات الدقيقة تُلزِم قيادة المؤسسات ببذل الجهد في التعرف على إمكانيات أبنائها وضبط مساراتهم، والصبر على ذلك، وعلى ما قد يعتري المتخصصين مِن غفلة عما هو خارج تخصصهم، أو عدم إدراكهم الكامل للصورة الشاملة لعمل مؤسساتهم وما يحيط بها، وذلك بتقوية انتمائهم وإِطْلاعهم الدائم على معالِم الطريق؛ حتى يدرك كل منهم أن اللبنة التي يضعها أحدهم بيده في بناء مؤسسته هي خطوة لبناءٍ شاملٍ قويٍ يرتفق به الجميع، ويجنون معًا ثمار بذلهم وجهدهم وصبرهم.