الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 15 يناير 2017 - 17 ربيع الثاني 1438هـ

خلف الوعد ربع النفاق!

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن إخلاف الوعد مِن الأمور الذميمة التي انتشرت في هذه الأيام، فصرنا نرى كثيرًا مِن الناس يُخلفون وعودهم دون مراعاةٍ لحقوق غيرهم، وأوقات إخوانهم، ودون حتى اعتذار عن تقصيرهم، بلا مبالاة عجيبة، وأحيانًا بأعذار غريبة، وهذا مِن مساوئ الأخلاق التي يجب أن يبتعد المرء عنها، وينزه نفسه منها، وأن يحرص غاية الحرص على أن يكون مِن أهل الوفاء بوعودهم وعهودهم؛ قال الله -تعالى-: (وَأوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) (الإسراء:34)، وقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ) (الصف:2-3).

وقال -تعالى-: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4).

فإذا كان الله -تعالى- أمر بالوفاء بالوعود والعهود مع المشركين؛ فكيف بالمسلمين؟!

والنبي -صلى الله عليه وسلم- عدَّ إخلاف الوعد مِن فعل المنافقين وصفاتهم، بل جعله ربع النفاق، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) (متفق عليه).

وعن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- قال: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: (وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟) قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا: (أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

- قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "وَقَوْلُهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ): إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَعد عدَةً، أَوْ يَقُولُ قَوْلًا لَا يَفِي بِهِ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ غُرم لِلْمَوْعُودِ أَمْ لَا. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا مِنَ السُّنَّةِ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّث كَذَبَ، إِذَا وَعَد أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)".

- فالوفاء بالوعد واجب لا يجوز إخلافه، وهو مِن صفات الكرام وأصحاب المروءات، والرجل الحق إذا وعد وفـَّى؛ وإلا لم يقطع على نفسه وعدًا، قال أكثم بن صيفي -رحمه الله-: "لأن أموت عطشًا أحب إليَّ مِن أن أخلف موعدًا!".

فالحذر الحذر مِن خُلف الوعد، وعدم الوفاء به، واللا مبالاة بأوقات الآخرين؛ فإن ذلك إضافة إلى كونه معصية لله -تعالى-؛ فإنه إساءة إلى الناس، وإدخال للحزن عليهم.

نسأل الله العافية.